الإيكونوميست: هل ستُكسر العزلة عن سوريا؟
في البداية بدا أمر افتتاح معبر أبو الزندين في شهر آب الفائت بين مناطق المعارضة والحكومة السورية داخل سوريا بمثابة بشارة تنبئ بإعادة تجميع ما تقسم من هذا البلد.
إذ على تلة تقع خارج مدينة الباب بشمالي حلب، أزال المسلحون الذين تحميهم تركيا والجيش السوري السلك الشائك، وأخذ النازحون السوريون في الشمال يخططون لزيارة البلد بعد طول انتظار، إذ أفرحتهم فكرة التخلص من الرسوم الباهظة التي يفرضها عليهم المهربون.
أما الحكومات الأجنبية فقد تساءلت ما إذا كان بوسع اللاجئين المخاطرة بالعودة إلى بلدهم، وبعد مرور يوم واحد على ذلك، تطايرت القذائف في كل مكان وأُغلق المعبر من جديد.
في الوقت الذي تسمّرت فيه عيون العالم كله على غزة، وصلت الحرب السورية إلى سنتها الرابعة عشرة بعد أن قتل بسببها أكثر من 400 ألف إنسان وتشرد 14 مليوناً آخرين.
وأصبح أمراء الحرب الذين تدعمهم القوى الأجنبية يدافعون عن مناطق نفوذهم، ويدفعون الرواتب لميليشياتهم مثلما يفعل قطاع الطرق، كما يفرضون إتاوات على من يريد أن يعبر ما بين خطوط النزاع.
تهافتت القوى الخارجية على هذا البلد، فتبنت زعماء محليين وأخذت تعبث بالفروقات العرقية والدينية، أما اقتصاد البلد الذي كان مدخوله متوسطاً وسريع النمو في وقت من الأوقات، فقد أصبح ربع سكانه يعيشون على ما لا يقل عن دولارين وخمسة عشر سنتاً باليوم، بعد أن كانت نسبة قليلة منهم تعيش على هذا الدخل قبل عام 2011 عندما بدأت الحرب في سوريا.
خضع الشمال الذي يؤوي نصف سكان سوريا البالغ عددهم اليوم 16 مليوناً، الى سلطة المعارضة قبل ثماني سنوات، وأصبح المقاتلون المدعومون من تركيا يحكمون شمال غربي سوريا، في حين يحكم الكرد المدعومون أميركياً شمال شرقي البلد، ويفصل بين هاتين المنطقتين المنطقة التي تسيطر عليها القوات المسلحة التركية داخل سوريا مع وكلائها المحليين أي القائمين على إدارة الحكومة السورية المؤقتة.
وفي الشمال، أسهمت عائدات التهريب وبيع النفط والقمح في مساعدة الكرد والجهاديين السابقين في إدلب على ترسيخ حكمهم.
ما يزال الأسد يؤمن بقدرته على إعادة توحيد سوريا وتحويلها من جديد إلى قوة إقليمية، ويتحدث عن “لامركزية إدارية” بوصفها الطريق لتوحيد البلد.
وثمة خطة يجري التحضير لها لإنهاء سياسة التجنيد الإجباري، ويعتقد محللون أن خوف أعداء دمشق في الخارج من إيران ومن موجة لجوء جديدة قد يدفعهم للتخلي عن مطالبتهم باسقاط النظام كما قد يحثهم على إعادة علاقاتهم معه، ولهذه المزاعم أساس من الصحة بكل تأكيد، إذ خلال العام المنصرم، أعادت الجامعة العربيةسوريا من جديد إلى مقعدها وبدأت بإرسال المساعدات إليها، وفي تموز الماضي، اقترحت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي فكرة العودة للتعامل مع الأسد، أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد أعلن عن رغبته بإعادة العلاقات مع سوريا وإحياء الاقتصاد السوري ليكون ذلك وسيلة تعمل على إقناع اللاجئين السوريين بالعودة.
ورغم ذلك, لن يخاطر سوى عدد قليل من الدول في خرق العقوبات الأميركية عبر الاستثمار في سوريا، ناهيك عن كلفة إعادة إعمار سوريا التي وصلت إلى 200 مليار دولار بحسب تقديرات البنك الدولي. ومن خلال كثافة الأنوار التي تضاء ليلاً ويمكن مراقبتها عبر الأقمار الصناعية، يقدر البنك الدولي بأن الاقتصاد السوري تعرض لانكماش بنسبة فاقت 80% منذ عام 2010، فقد خسرت الليرة السورية 99% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية الحرب، وشهدت الليرة اللبنانية انهياراً مماثلاً.
وفي الشمال، تخلى السوريون عن ليرتهم وصاروا يتعاملون بالليرة التركية.
وخلال العام الماضي، تم خفض معظم نفقات الدعم الحكومي، وهذا ما وقف في طريق توفر مزيد من الخدمات الأساسية، وعن ذلك تحدثنا معلمة لم يعد راتبها يغطي تكاليف أجور تنقلاتها بالحافلة إلى المدرسة.
ورغم أن تركيا أرسلت حوالي 30 ألف جندي إلى الشمال السوري، فإنها تسعى لأن تلعب الحكومة المؤقتة دوراً داعماً لجهود الاستقرار المستقبلية، مع تخصيص جزء من عائدات الجمارك، حيث تحصل الحكومة المؤقتة على 15% من عائدات الجمارك على المعابر الحدودية الدولية، وفقاً لما ذكره أحد المسؤولين.
وتذهب النسبة الأكبر من هذه العوائد إلى المجالس المحلية وميليشيا “الجيش الوطني”، الذي يضم حوالي 45 ألف مقاتل. أحد قادة الفصائل المدعومة من تركيا يقول: “هناك تحديات تتعلق بتوحيد الصفوف”.
كما أن رئيس وزراء الحكومة المؤقتة وبعض الممثلين المحليين في تلك المناطق لهم أصول تركية، وحتى بعض أعمال الترميم المعمارية تأثرت بالطراز التركي، مثل المآذن التي اتبعت تصميمات معدنية رفيعة. وقد أشار مسؤول إلى وضع هذه المناطق قائلاً: “هناك بعض المقارنات التي تُعقد مع التجربة القبرصية”.
على مدار الألفي عام الماضية قُسمت سوريا مرات كثيرة فاقت عدد المرات التي توحدت فيها، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه من جديد اليوم.
المصدر: The Economist
إضافة تعليق جديد