سوريا: سياسات الدولة ليست فوق النقاش
حتى وقت قريب، لم يكن من المقبول رسمياً انتقاد السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي طُبقت في سوريا قبل عام 2011 أو الحديث عن دورها في قضايا محورية.
المسألة الأولى هي مساهمتها في نشوء الأزمة الحالية وانتشارها في بعض المناطق، مهما كانت درجة تلك المساهمة.
أما المسألة الثانية فتتعلق بتدهور الوضع الاقتصادي منذ منتصف عام 2019.
على الرغم من أن بعض الاقتصاديين والإعلاميين أشاروا إلى أن هذه السياسات كانت العامل الداخلي الأبرز في تشكل الأزمة، إلا أن تجاهل الحكومة لهذا الملف لسنوات عديدة زاد من تأثير تلك السياسات على الاقتصاد والمجتمع السوري، كما صعّب من إمكانية معالجتها في ظل التدهور الاقتصادي الذي أثر على مؤشرات أساسية مثل الفقر والبطالة والمالية العامة والطاقة.
هذا التجاهل الحكومي انتهى قبل أشهر قليلة عندما ظهر وزير الاقتصاد على وسائل الإعلام الرسمية محملاً بعض السياسات السابقة مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الحالية.
كما دعا إلى حوار مفتوح مع اقتصاديين وإعلاميين لتقييم تأثير السياسات الاقتصادية خلال فترة ما قبل الأزمة وما بعدها.
ثم جاءت كلمة الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب لتحدد المقصود بمراجعة السياسات السابقة وأهدافها.
طرح الأسد مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتلك السياسات، متسائلاً عن مدى ملاءمتها لمجتمع سوريا وظروفها، وعن إمكانية تجنب السلبيات التي رافقتها. وأكد أن السياسات كانت مناسبة في وقتها، لكنه أشار إلى أنه لا يوجد شيء مطلق في الحياة، فالمجتمع السوري شهد تغييرات كبيرة على مدار العقود الستة الماضية.
هذا النقاش يمهد الطريق أمام الحكومة الجديدة التي ستتولى مهمة قيادة حوار وطني اقتصادي يهدف إلى مراجعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة منذ عام 1963.
الهدف هو تقييم مدى ضرورة الاستمرار بهذه السياسات وطريقة تنفيذها، مع تقديم اقتراحات لسياسات جديدة تتجاوز أخطاء الماضي، مع الحفاظ على الثوابت الاقتصادية والاجتماعية.
دمشق تدرك أن فتح هذا النقاش بلا حدود مسبقة سيؤدي إلى رسم دور جديد للدولة، يختلف في بعض جوانبه عن الدور الذي مارسته منذ عام 1963، حيث كانت الدولة تتبنى النهج الاشتراكي وتسيطر على الأنشطة الاقتصادية والخدمية وتوفر الدعم الاجتماعي.
ورغم الإصلاحات التي تمت في العقود الماضية لتعزيز دور القطاع الخاص، لا يزال تدخل الدولة محورياً في الاقتصاد.
من بين السياسات التي تحتاج إلى نقاش جاد هو دور الدولة في النشاط الاقتصادي. التدخل التقليدي من خلال استمرار استثمارات القطاع العام في جميع المجالات، بما في ذلك الأنشطة غير الاستراتيجية، لم يعد مجدياً.
هذا التدخل يسهم في هدر الموارد ويزيد من الفساد في وقت تعاني فيه الخزينة العامة من نقص الإيرادات، ما يجعل من الصعب تمويل إصلاح الشركات العامة.
البديل المقترح هو تحديث دور الدولة بحيث تركز على التخطيط والتنظيم والإشراف، مع قصر استثمارات القطاع العام على الأنشطة الحيوية والاستراتيجية.
هذا النهج سيحقق عدة أهداف منها تنشيط الاقتصاد، تحسين الوضع المعيشي للسكان، وزيادة إيرادات الخزينة العامة عبر توجيه الموارد بشكل أفضل وتقليل الهدر والفساد.
الميادين نت
إضافة تعليق جديد