الخريطة الأيديولوجية للانتخابات الأميركية
شهدت الانتخابات الرئاسية لعام 1824 بروزاً ملحوظاً للشعبوية وانقساماً حاداً بين المناطق المختلفة في الولايات المتحدة، حيث تنافس مرشحا الحزب الجمهوري الديمقراطي على السلطة.
قاد أندرو جاكسون، الذي كان يمثل “الديمقراطية الجديدة” ويحظى بدعم من الجنوب ومناطق التخوم، المنافسة ضد جون كوينسي آدمز، الذي كان يمثل الشمال الشرقي الصناعي وينتمي إلى جناح الحزب الفدرالي، كما كان ابن الرئيس السابق جون آدمز.
رغم تفوق جاكسون في الجولة الأولى من الانتخابات، إلا أن آدمز فاز في جولة الإعادة، مما أثار استياء أنصار جاكسون وأدى إلى انقسام الحزب الجمهوري الديمقراطي.
هذا الانقسام أدى إلى ظهور الحزبين الرئيسيين في الساحة السياسية الأميركية: الحزب الديمقراطي بقيادة أنصار جاكسون، والحزب الجمهوري القومي الذي تغير لاحقاً إلى حزب الويغز، بقيادة أنصار آدمز. يجدر بالذكر أن مصطلح “الجمهوري” آنذاك لا يشير إلى الحزب الجمهوري الحالي الذي يعود تاريخه إلى عهد الرئيس أبراهام لينكولن.
في عهد جاكسون وخليفته مارتن فان بيورين، شهدت الحياة السياسية في الولايات المتحدة تحولاً من ديمقراطية “الجفرسونية” النخبوية إلى ديمقراطية “الشعب العادي”، مما مهد لظهور السياسات الشعبوية.
كما زادت أهمية المناطق الغربية الأقل تطوراً على حساب المناطق الساحلية الشرقية والشمالية.
وتم توسيع نطاق الديمقراطية السياسية بعد عام 1828، حيث تم إلغاء متطلبات الملكية والدين كشرطين للانتخاب والتوظيف.
شهدت هذه الفترة أيضاً تغيرات كبيرة في نظام الانتخابات، حيث بدأ انتخاب الناخبين الرئاسيين مباشرة من قبل الشعب بدلاً من المجالس التشريعية للولايات، وزادت عدد المناصب التي يتم شغلها عن طريق الانتخاب بدلاً من التعيين.
كما تطورت الأحزاب السياسية لتصبح أكثر تنظيماً، حيث بات الحزب ينظم الحملات الانتخابية بين الجماهير ويكافئ المخلصين بمناصب حكومية، وهو ما أصبح عرفاً متبعاً.
رغم هذه التحولات الديمقراطية، أظهرت ديمقراطية جاكسون نقصاً في قيمة التعليم والخبرة، حيث تم تمكين الأفراد العاديين من ممارسة السلطة بغض النظر عن خلفياتهم.
كانت هذه الفترة فترة توسيع الديمقراطية على حساب استقرار النخب السياسية، حيث آمن جاكسون بأن الرئيس يجب أن يستخدم سلطاته بقوة لحماية مصالح الشعب، مما جعله كثيراً ما يتحدى الكونغرس والمحكمة العليا.
كان جاكسون أيضاً أول رئيس يعتمد على دائرة ضيقة من المستشارين المخلصين، الذين أطلق عليهم “وزارة المطبخ”، واستبدل بعض أتباع آدمز برجاله المخلصين.
وعلى الرغم من أنه لم يقدم برنامجاً سياسياً واضحاً، إلا أن فترة حكمه شهدت توسعاً غربياً كبيراً ربط بالديمقراطية الشعبوية الجديدة.
بالإضافة إلى التغيرات السياسية، ظهرت في هذه الفترة حركات اجتماعية تهدف إلى تحسين أوضاع الطبقات الدنيا، وتم تعزيز فرص التعليم والوعي السياسي بفضل انتشار التعليم العام وتطور الصحافة، كما ظهرت تنظيمات عمالية تدافع عن حقوق العمال في الشمال.
وفيما يتعلق بفكرة الديمقراطية في الولايات المتحدة، يشير بعض الباحثين إلى أن عبارة “نحن الشعب” في ديباجة الدستور لم تكن تعبيراً شاملاً عن الديمقراطية الشعبية، بل كانت تشير إلى “الجسم السياسي”، الذي قُيد بقيود معقدة وآليات مضادة لحكم الأغلبية مثل المجمع الانتخابي ومجلس الشيوخ.
ويرى البعض أن وصف التجربة الأميركية بأنها ديمقراطية قد يكون مضللاً، حيث أن المؤسسين كانوا يخشون “الإفراط في الديمقراطية”، وهو ما عبر عنه جون آدامز الذي رأى أن الديمقراطية قد تؤدي إلى تدمير نفسها.
أخيراً، لم ينص الدستور الأميركي على حق التصويت بشكل واضح، وهو ما أثار جدلاً مستمراً حتى تم تحقيق اقتراع عام فقط بعد إقرار قانون حقوق التصويت لعام 1965.
ومع ذلك، لا تزال هناك محاولات لتقييد حقوق التصويت، خاصة بين الأقليات، وهو ما يعد امتداداً للهجوم على الديمقراطية الذي تصاعد في ظل حكم الرئيس ترامب واستمر حتى بعد رحيله.
الميادين
إضافة تعليق جديد