لجنة الاتصال العربية معطّلة: الأردن يشوّش الانفتاح على سوريا
بعد 13 سنة على الحرب السورية، وأكثر من 10 أشهر على الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، «يستميت» النظام الأردني في دعمه لمصالح إسرائيل، على مختلف الجبهات.
ولا يكفي تنطّح الملك عبدالله الثاني لصدّ الهجمات الصاروخية عن الكيان وفكّ الحصار عنه، بينما يفتح المجال الجوي أمام طائراته للانطلاق والإغارة على وسط سوريا وشمالها، بل إن وزير خارجيته، أيمن الصفدي، يجهد لعرقلة عمل لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا، ويشنّ حملة دبلوماسية لتشويه موقف دمشق.
وعلى الرغم من «حلاوة اللّسان» التي يكيلها المسؤولون الأردنيون للدولة السورية، وزيارات الصفدي المتكرّرة إلى دمشق، يلعب الأردن، اليوم، دوراً بارزاً في التشويش على الانفتاح العربي و(بعض الغربي) على دمشق، بذرائع شتّى.
وفي نهاية آب الجاري، يكون قد مرّ على انعقاد القمة العربية في الرياض، بحضور الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى تشكيل لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا، حوالى 15 شهراً.
وطوال تلك المدّة، كان استكمال عقد الاجتماعات، واقعاً تحت تأثير تسارع الأحداث في الميدان الفلسطيني، وسط «انشغال» المصريين بالمفاوضات حول غزة.
لكنّ الحملات الإعلامية المكثّفة استمرت مذّاك، لتجويف دور اللجنة، عبر تسريبات صحافية متعمّدة عن عدم «التزام» دمشق بـ«تعهداتها» أمام اللجنة العربية، فضلاً عن شنّ الدبلوماسية الأردنية أمام الدبلوماسيين العرب والأوروبيين حملة تشويه للموقف السوري، بالقول إن دمشق «لم تلتزم بما تعهّدت به»، ولا سيما في ملفَّيْ مكافحة تهريب الكبتاغون واللاجئين، واللذيْن يسوّق الأردن أنهما ضاغطان على أمنه.
وبحسب المعلومات، فإن المبعوث الإيطالي الخاص إلى سوريا، ستيفانو رافاجنان، والذي تستمزج روما الرأي مع الخارجية السورية لتعيينه سفيراً لها في دمشق، لم ينجُ هو الآخر من التحريض الأردني على سوريا تحت الذرائع ذاتها، فضلاً عن تحريض دبلوماسيين أوروبيين آخرين، باتت دولهم على قناعة بالحاجة إلى إعادة الوصل مع الحكومة السورية.
وإذا كان الأردن «يشكو همّه» للدول الأخرى حيال أزمة الكبتاغون، ووصل به الأمر إلى قصف أهداف داخل الأراضي السورية، والتسبّب بقتل أبرياء بحجة مكافحة التهريب، فإن قول نصف الحقيقة لا يعفي عمّان من المسؤولية.
فالأردن لا يشرح للدبلوماسيين مَن هو متلقّي الكبتاغون ومهرّبه، عبره، إلى السعودية والخليج، من الأجهزة الأمنية والعسكرية ومن بعض رجال العشائر، وما هي حجّته لعدم ضبط الأمن في داخل حدوده الرسمية.
كما أن المسؤولين الأردنيين، الذين يضيئون على وجود إنتاج لمادة الكبتاغون في مناطق تسيطر عليها الدولة السورية، ولا سيما في الجنوب، يهملون الحديث عن تصنيع وتهريب المخدّرات من مناطق شرقي سوريا التي تسيطر عليها الجماعات الانفصالية الكردية، بالإضافة إلى سيطرة بعض الجماعات المسلحة المدعومة من الأميركيين على مناطق في البادية تشهد نشاطاً إجرامياً، علماً أن تصنيع الكبتاغون ومادة «كريستال ميث» التي باتت تنتشر بين الشباب في سوريا والأردن والعراق وتصل إلى الخليج، يُعدّ أحد أبرز مصادر تمويل الجماعات الانفصالية الكردية، بالإضافة إلى ما تيسّر من إنتاج النفط السوري، فيما خطوط التهريب نحو الأردن والخليج مفتوحة تحت أعين القوات الأميركية قرب قاعدة «التنف».
وبالعودة إلى أصل نشوء «لجنة الاتصال»، فهو لم يكن مرتبطاً بالمصالحة العربية مع سوريا؛ إذ إن المصالحة حصلت فعلاً مسبقاً، والرئيس السوري شارك أصلاً في «قمة الرياض – 2023»، فيما جاء تشكيل اللجنة بهدف مساعدة دمشق على تخطّي ملفات الحرب، ولا سيما ملف اللاجئين الذي حتّم مشاركة العراق والأردن ولبنان كأعضاء فيها.
وبحسب مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى، فإنه «عندما تمّت صياغة إطار عمل اللجنة، كانت الغاية معرفة وفَهم مشاكل سوريا لمساعدتها.
أما التسويق أو الاعتقاد بأن اللجنة وضعت متطلبات لكي تعيد سوريا إلى الجامعة العربية أو لتغيير الموقف العربي تجاهها، وسوريا لم تنفّذ التزاماتها، فهو كلام عارٍ عن الصحة». وحتى «ورقة العمل» أو «الخطة» التي تمّ الترويج لها، «ليس لها وجود بالمعنى التقني، بل هي توصيف لواقع الأزمة السورية، وليست ورقة شروط أو مطالب أو تعهّدات».
وفي أيلول 2023، جرى الاتفاق بين أعضاء اللجنة على أن يحصل الاجتماع المقبل في بغداد. إلّا أن عملية السابع من أكتوبر، وبدء حرب الإبادة على غزة، أجّلا أعمال اللجنة الخاصة بسوريا، مع تشكّل اللجنة المعنية بالملفّ الفلسطيني.
ومنذ ذلك الحين، جُمّد الملفّ حتى آذار الماضي، حين دعا وزير الخارجية المصري السابق، سامح شكري، إلى انعقاد اللجنة على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، فوافقت سوريا، إلّا أنه تمّ إلغاء الاجتماع من دون أن يعلن شكري السبب.
لكن ليس خافياً أن شكري، وربّما من خلفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، انزعجا من أن المصالحة العربية مع سوريا، توّجها وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قمة الرياض، بينما حاولت القاهرة مراراً الفوز بهذا الدور، من دون أن تنجح في الوصول إلى الغاية بسبب الموقف القطري بشكل أساسي.
لكن بدل أن تواكب الخارجية المصرية العمل العربي مع سوريا، تحوّل موقف «الغيرة» من الدور السعودي، إلى دورٍ سلبي تجاه دمشق. وعليه، تنتظر العلاقات الدبلوماسية السورية – المصرية، الأداء الجديد الذي وعد به وزير الخارجية المُعيّن حديثاً، بدر عبد العاطي، وسط تأكيدات الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية باستمرار، أن أمن سوريا ووحدتها من أمن مصر ووحدتها.
وفي آذار أيضاً، زار وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الرياض، حيث التقى نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، الذي عبّر بدوره عن دعمه لمسار اللجنة، و«رغبة السعودية في المضيّ قدماً في الملفّ السوري»، كما يقول مصدر دبلوماسي عربي، وسط تقدّم ملحوظ في العلاقات الثنائية بين البلدين.
واللقاء بين ابن فرحان والمقداد، توّجته دعوة العراق إلى اجتماع عمل للجنة العربية الخاصة بسوريا في بغداد، و«عندما اعترض الأردنيون بشكل علني على عقد الاجتماع بذريعة عدم وفاء سوريا بتعهّداتها»، استوضح العراقيون، بحسب المصدر، من السوريين، خلفيات الموقف الأردني، وحصلوا من دمشق على شروحات حول حقيقة ما يجري.
وبحسب مصادر دبلوماسية سورية، فإن وزير الخارجية السوري حمل الورقة/ الخطة السورية، التي كان من المفترض نقاشها في الاجتماعات الأولى، إلى القمة العربية في العاصمة البحرينية المنامة، ووزّعها على أعضاء لجنة الاتصال العربية واحداً واحداً، وفيها تعرض دمشق رؤيتها وحاجتها من الدعم العربي لمعالجة ملفات اللاجئين، والسيادة على كامل الأرض، ومشاريع التعافي المبكر ورفع العقوبات، ومكافحة الإرهاب والنشاطات الإجرامية، بما فيها تهريب وتصنيع المخدّرات.
وبحسب المصادر، فإن الحكومة السورية، توازياً مع تقدّم العلاقات الثنائية مع غالبية الدول العربية، تسعى جاهدة إلى اتخاذ إجراءات إدارية وقانونية وإجراء تغييرات واسعة (مثل العمل على ملف الملكية والعفو العام وضرب الشبكات الجنائية)، لكنها بحاجة إلى الدعم التقني والمالي والسياسي، والذي هو الهدف الأول من تشكيل لجنة الاتصال العربية.
الأخبار اللبنانية
إضافة تعليق جديد