هجرة الأطباء .. سوريا تخسر جيشها الأبيض
لم يكن حسام يتوقع أبدًا أن يجد نفسه مرتديًا مريوله الأبيض، رمز حلمه وأسرته بالتخرج من كلية الطب في دمشق، في بلد غريب مثل ألمانيا، ليبدأ مشواره هناك كطبيب جراحة قلبية بعيدًا عن أهله ووطنه.
يقول حسام : “في العام الأخير، كنت أقضي 3 ساعات يوميًا في أحد معاهد اللغات بدمشق، لتعلم اللغة الألمانية استعدادًا للسفر لم يعد لدي خيار آخر سوى الهجرة، فقد أصبحت الحياة في سوريا صعبة للغاية”.
يمتلك الطبيب حسام عيادة متواضعة في أحد الأحياء المزدحمة على أطراف دمشق، لكنها أصبحت تضيق عليه: “راتب الطبيب في المشافي الحكومية بعد كل سنوات التعب، لا يكفيه لثلاثة أيام بشكل لائق، كما أن العمل في العيادة بات عبئًا نفسيًا يوميًا، إذ كيف يمكنني طلب أجور معاينة مناسبة من مرضى أعلم تمامًا أنهم لا يملكونها”.
يعتقد حسام، الذي يستعد لمغادرة سوريا، أن “الحرب والحصار الغربي المستمر قد حطما قدرات السوريين، بما فيهم الأطباء، مما أثّر على آمالهم وخبراتهم المهنية والعلمية.
وهذا ما يدفعني للسفر لاكتساب مهارات جديدة في أوروبا والحفاظ على خبرتي كطبيب ناجح”.
لدى الطبيب رامي قصة مختلفة قليلاً، حيث لم يكن سفره قرارًا اختياريًا. بعد تخرجه من كلية الطب وتخصصه في الجراحة العظمية، اختار الاستقرار في بلد عربي قريب.
يقول رامي: “أصعب شيء يمكن أن يمر على المرء هو أن يترك وطنه مرغماً قررت السفر مع عائلتي إلى الإمارات بعدما تهجرنا من منزلنا في حلب خلال سيطرة المجموعات الإرهابية على المنطقة.
لم يكن أمامنا خيار آخر، وكان علي أن أختار مكانًا آمنًا لعائلتي ولأبدأ فيه رحلتي كطبيب، وكانت دبي الوجهة المثلى”.
مشكلة مركبة
يعاني القطاع الصحي في سوريا من مشكلة مركبة، حيث تتزايد الأمراض بسبب تداعيات الحرب والحصار التي أثرت بشكل كبير على أداء المرافق العامة والخدمات الأساسية.
كما أن التضخم أطاح بدخول المواطنين، مما قلص قدرتهم على ترميم حالة العوز للكثير من المواد المغذية. في ظل هذا الواقع، يعجز الكثير من المرضى عن تحمل تكاليف العلاج في المشافي.
استنزاف الجيش الأبيض
يشعر الكثير من الأطباء بالحزن لقرارهم بمغادرة سوريا، فهم الأكثر دراية بمعاناة القطاع الطبي من نقص الكوادر.
يقول نقيب أطباء سوريا، الدكتور غسان فندي: “بشكل عام، لا تختلف أسباب هجرة الأطباء من سوريا عن غيرها من بلدان العالم.
البلدان المحيطة تشهد حركة هجرة إلى أوروبا أو الخليج، وحتى أوروبا تشهد هجرة باتجاه أمريكا، وفي أمريكا باتجاه كندا.
رغبة الأطباء بالهجرة تكون سعياً لزيادة التأهيل العلمي أو لزيادة الموارد المالية”.
استقطاب الكوادر وعودتهم
يوضح فندي أن “النقص الشديد في الكوادر الطبية في الدول المستضيفة أدى إلى استقطاب الأطباء السوريين وتسهيل قبولهم.
بالنسبة للزملاء الذين غادروا، قسم منهم يرغب في زيادة تأهيله العلمي، وقسم آخر لأسباب مادية. قسم كبير من هؤلاء يعود بعد فترة حين تتحسن الأوضاع”
ندرة اختصاص التخدير
حتى الآن، لا يوجد إحصاء رسمي لعدد الأطباء الذين تركوا سوريا خلال السنوات الأخيرة. وفقًا لتقرير “اللجنة الدولية للإنقاذ”، فإن نسبة التغطية الطبية في سوريا أصبحت طبيبًا واحدًا لكل 10 آلاف شخص.
وأوضح نقيب الأطباء أنه “لا يوجد أرقام محددة ولكن بالتأكيد هناك زيادة في السنوات الأخيرة بسبب تسهيل الدول المستضيفة لإجراءات الدخول إليها.
الاختصاصات الأكثر هجرة هي تلك الأكثر طلبًا من البلدان المستضيفة، مثل التخدير والجراحة والأشعة وطب الأسرة والطوارئ والعناية المشددة”.
حلول منطقية
خلال السنوات الأخيرة، مثلت هجرة الأطباء السوريين ظاهرة كبيرة، ما أدى إلى نقص في بعض التخصصات وتزايد الأخطاء الطبية بسبب نقص الخبرة.
اقترح نقيب أطباء سوريا عبر “سبوتنيك” عددًا من الحلول للحد من ظاهرة هجرة الأطباء، منها: زيادة عدد المقبولين في المفاضلات الجامعية، فتح باب التسجيل المباشر لبعض الاختصاصات، زيادة رواتب الأطباء في القطاع العام، ورفع نسبة التعرفة الطبية.
كما أشار إلى جهود نقابة الأطباء، بالتعاون مع وزارتي الصحة والتعليم العالي، لتبسيط إجراءات عودة الأطباء المغتربين وتسهيل إجراءات التعاقد معهم.
سبوتنيك
إضافة تعليق جديد