هل ستشتعل جبهة لبنان، وكم سينخرط الأميركي فيها؟
أكدت الإدارة الأميركية مرة أخرى التزامها بدعم “إسرائيل” في حال اندلاع حرب شاملة مع لبنان، وذلك أثناء زيارة وفد رفيع المستوى من المسؤولين الإسرائيليين، كما أفادت CNN بتاريخ 21 يونيو 2024.
ضم الوفد وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، والتقى بأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إلى جانب مسؤولين آخرين من إدارة بايدن مثل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك.
وفقاً لتقرير CNN وتقرير “تايمز أوف إسرائيل” بتاريخ 22 يونيو 2024، فإن الدعم الأميركي الموعود لـ”إسرائيل” في سيناريو الحرب مع لبنان لا يشمل نشر قوات أميركية على الأرض.
ومع ذلك، أفادت صحيفة “ستارز أند سترايبس” الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية بتاريخ 8 مارس 2024، بأن 1000 جندي أميركي تم إرسالهم إلى إسرائيل لبناء جسر بحري مقابل غزة، والذي تم تفكيكه مرتين وأعيد بناؤه للمرة الثالثة.
ورغم أن هذا الجسر البحري يعد ضرورة انتخابية لبايدن بغض النظر عن تكلفته للأميركيين وفائدته المحدودة لسكان غزة، فإن القوات الأميركية ما زالت موجودة هناك.
وإضافة إلى ذلك، تتواجد قوات أميركية في قاعدة الرادار في النقب، المعروفة باسم “الموقع 512″، التي تراقب الصواريخ الباليستية، كما أشارت “نيويورك تايمز” بتاريخ 31 أكتوبر 2023 إلى وجود قوات خاصة أميركية في إسرائيل للمساعدة في “إنقاذ الرهائن” وتأمين المواطنين الأميركيين، والتي يبدو أن بعضها شارك في الغارة على مخيم النصيرات في 8 من هذا الشهر، وفقاً لمصادر متعددة.
وتجدر الإشارة إلى تواجد الأسطول السادس وقوات الناتو في البحر الأبيض المتوسط، وحاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور” التي غادرت البحر الأحمر ودخلت البحر الأبيض المتوسط مؤخراً، زاعمةً أنها في طريق العودة إلى الولايات المتحدة وليس لها علاقة بلبنان.
كما كشف تقرير نشر في موقع البيت الأبيض بتاريخ 7 يونيو 2024 عن زيادة عدد القوات الأميركية في الأردن المجاور إلى 3813 جندياً، مقارنة بـ2936 جندياً قبل عام.
وعندما نضيف آلاف الجنود الأميركيين والمتعاقدين في سوريا والعراق، يصبح من الواضح أن زيادة القوات في الأردن تهدف إلى تعزيز الجبهة الشرقية لـ”إسرائيل”، التي تعاني من نقص في الموارد البشرية وتواجه تحدياً في توزيع قواها بين شمال لبنان وجنوب غزة.
ومن المعروف أن الجسر البحري العائم، في العقل العسكري الأميركي، صمم أساساً لإنزال قوات في مناطق معادية بعد تأمين رأس جسر، مما يفتح الباب لاحتمال إنزال قوات أميركية عند الضرورة، بعيداً عن التبريرات الإنسانية لغزة.
لماذا لا ترغب إدارة بايدن في خوض حرب إقليمية شاملة في الوقت الحالي؟ بحسب “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، الذي نشر تقريرًا في 21 مارس 2024، يمكن تلخيص الأسباب كالتالي:
أ- القدرات العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، وفي دعم أوكرانيا في أوروبا، ممددة إلى أقصى طاقتها لمواجهة روسيا والصين. اندلاع نزاع على الجبهة اللبنانية سيتطلب سحب حاملات طائرات، طائرات مقاتلة، ومنصات مراقبة واستطلاع من مناطق حيوية للصراع الدولي.
ب- الحرب الإقليمية ستزيد التوترات بين الإدارة الأمريكية والدول العربية والإسلامية، وكذلك مع الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية. الهجمات التي تشنها “الجماعات المدعومة إيرانياً” على “إسرائيل” والولايات المتحدة وأهداف تجارية في المنطقة ستتصاعد. القوات الأمريكية في المنطقة ستتعرض لضربات أكثر تواتراً.
ج- رغم أن التداعيات الاقتصادية لحرب غزة كانت محدودة، إلا أن حربًا شاملة قد تؤثر بشكل كبير على التجارة، سلاسل الإمداد، أسعار الطاقة، الاستثمار، والسياحة.
د- الأنظمة الصاروخية لحزب الله تهدد “إسرائيل” بالكامل.
هناك بعض المحللين في محور المقاومة يرون أن الكيان الصهيوني لا يمتلك القدرة أو الاستعداد لشن حرب شاملة على الجبهة الشمالية، بناءً على تقييم حجم قواته البرية وتجربته المتعثرة في غزة، فضلاً عن الانقسامات الداخلية بين الإسرائيليين. ومع ذلك، ينبغي علينا عدم الاسترخاء بناءً على هذا التشخيص، لأن هناك عوامل أخرى يجب مراعاتها بعناية قبل الاطمئنان إلى هذا التقييم.
أحد العوامل الرئيسية هو انكشاف الكيان الصهيوني استراتيجياً بسبب عدم قدرته على حسم معركة غزة والجبهة الشمالية، وهذا يثير قلقًا وجوديًا يستحضر ذكريات المذابح السابقة في الذاكرة اليهودية. إذا لم تتمكن “الدولة اليهودية” من القضاء على مصادر “خطر الإبادة” بصورة جذرية واستباقية، فإنها ستبقى مهددة بالزوال. وفقاً لتقرير نشرته “جيروزاليم بوست” في 17 يونيو 2024، فإن 62% من الإسرائيليين اليهود يؤيدون شن هجوم شامل على حزب الله في لبنان بـ”قوة كاملة”. منهم 36% يرغبون في شن الهجوم فوراً، بينما يفضل 26% الانتظار حتى انتهاء العملية في غزة. هذا يعكس تفضيلات غالبية المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة ويمثل قاعدة دعم حكومية فعلية.
العامل الآخر هو أن الحسابات العسكرية التقليدية مثل حجم القوات البرية اللازمة لخوض حرب في لبنان، وحالة هذه القوات بعد أشهر من القتال في غزة، ومدى كفاءة قوات الاحتياط، لا تأخذ في الاعتبار الوزن الكبير للعامل العقائدي والأيديولوجي في الدفع باتجاه معارك غير محسوبة التوازن. لدى الإسرائيليين عقيدة “التفوق” و”الاستعلاء العنصري” التي تقودهم إلى الاعتقاد بأن الله منحهم اليد العليا في الأرض، وأنهم يتعرضون لاختبار يبرر شن حروب استئصالية، بما في ذلك على الجبهة الشمالية، على غرار ما حدث في غزة.
هذا لا يعني بالضرورة أن الحرب ستندلع، فهناك عوامل تعيق ذلك، مثل عدم جاهزية القوات الإسرائيلية لخوض حرب جديدة، واستمرار حرب غزة، وضغوط أمريكية وغربية لمنع شن حرب أخرى. هناك أيضاً مخاوف من أن تتسبب الحرب في خسائر سياسية على المستوى الدولي، وتحذيرات من فشل نظام “القبة الحديدية” في مواجهة تهديدات حزب الله. ومع ذلك، يبقى الدافع لشن حرب على الجبهة الشمالية قوياً ولا يقل أهمية عن كل هذه العوامل الأخرى.
بين المقاربتين “الإسرائيلية” والأميركية لحرب لبنان
بحسب بعض تقارير مراكز الأبحاث، فإن الحرب المحتملة في الشمال تعتمد على مكونين رئيسيين:
حملة جوية وصاروخية شاملة: تهدف إلى تدمير البنى التحتية للمقاومة.
حرب برية خاطفة (Blitzkrieg): تستهدف تأمين المنطقة الواقعة بين “الخط الأزرق” ونهر الليطاني بقرار دولي بعد اجتثاث المقاومة منها.
تعتقد تلك المصادر أن المنطقة الواقعة بين “الخط الأزرق” والليطاني ليست مكتظة بالبناء مثل قطاع غزة، مما يجعل التكنولوجيا العسكرية أكثر فعالية في جنوب لبنان مقارنةً بغزة.
من الواضح أن المقاومة في لبنان قد أظهرت إبداعاً وقدرات نوعية متميزة منذ 8 أكتوبر، وقد شلت قوات الاحتلال على الجبهة الشمالية، وعطلت الاقتصاد والمستوطنات، ونجحت في تهجير السكان الإسرائيليين. أي محاولة لاختراق جنوب لبنان لن تكون سهلة، حيث طورت المقاومة قدراتها وأدائها بشكل مدهش، مما قلب المعادلات على الجبهة الشمالية.
ومع ذلك، لا يجب التقليل من شأن قدرات العدو أو استعداده للمجازفة بحرب جديدة. فهناك تقارير عديدة من مراكز الأبحاث الغربية تؤكد أن الحرب الشاملة على الجبهة الشمالية باتت وشيكة.
من بين هذه التقارير:
تقرير في مجلة “فورين بولسي” بتاريخ 29 فبراير 2024، يشير إلى أن الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله أصبحت حتمية في غضون 6 إلى 8 أشهر.
تقرير “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” CSIS في 21 مارس 2024، عن “النزاع المقبل مع حزب الله”، والذي يعتبر أن الحرب مع حزب الله ستكون أكبر وأعقد من حرب غزة.
تقرير في موقع “مركز وودرو ويلسون” التابع للحكومة الأمريكية بتاريخ 7 يونيو 2024، يتحدث عن “الهلاك الوشيك” على الجبهة الشمالية، وضرورة تدخل الحكومة الأمريكية لمنع هذا السيناريو.
الإدارة الأمريكية تحاول دفع الكيان الصهيوني لتبني استراتيجية تشبه “حصان طروادة” في غزة، من خلال تقديم “حل سياسي” يتضمن قوات متعددة الجنسيات وتسليم القطاع لقوى صديقة للأمريكيين.
لكن المقاومة لم تقبل بهذا الحل، مما يعني أن معركة غزة تبقى مفتوحة، حتى لو كانت مجمدة بشكل مؤقت أو ظاهري للالتفات إلى الجنوب اللبناني.
الميادين
إضافة تعليق جديد