كيف نسخ الروس أخطر صاروخ أمريكي واستخدموه ضد واشنطن ؟
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اندلع سباق تسلح بين المعسكر الشرقي الشيوعي بقيادة روسيا، وبين المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من ملامح هذا الصراع الحروب بالوكالة والتجسس والسباق نحو الفضاء وسباق التسلح والتكنولوجيا، والذي كان كله يتم في ظروف سرّية للغاية.
وفي حادثة مثلت فضيحة في تاريخ الجيش الأمريكي، نجحت موسكو بنسخ صاروخ إيه آي إم-9 سايدويندر (AIM-9X Sidewinder) الموجه الذي كان يعد واحداً من أكثر الصواريخ فتكاً على الإطلاق، وقد أحدث ثورة كاملة في الحرب الجوية فيما بعد، حيث كان قادراً على إصابة هدفه من مسافة بعيدة.
وسايدويندر هو صاروخ جو-جو قصير المدى أمريكي الصنع مزود براصد حراري، يمكن استعماله على كافة أنواع الطائرة الغربية تقريباً. وقد تم في تاريخ سايدويندر إسقاط عدد من الطائرات يفوق أي عدد آخر من الطائرات تم إسقاطها بصواريخ أخرى في العالم.
وإليكم في هذا التقرير قصة هذا الصاروخ الذي نجح السوفييت بنسخه ونشره بأكثر من 20 دولة، من بينها فيتنام، حيث واجهت أمريكا هناك واحدة من أكثر حروبها دموية وكارثية.
بدأت الحكاية في مضيق تايوان، وتحديداً في تاريخ 24 سبتمبر/أيلول 1958 عندما اشتبكت الصين مع تايوان التي كانت تسمى “جمهورية الصين”، في معركة جوية في البر الرئيسي للصين، والذي كان يهدف إلى وضع تايوان وشعبها تحت السيطرة نظام ماو تسي تونغ.
أمر الزعيم الصيني جيشه لغزو تايوان في أغسطس/آب من ذلك العام، وقتال القوميين المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، وضع جيش التحرير الشعبي هدفاً أولياً تمثل في بسط هيمنته على جزيرتي كنمن (Kinmen) وماتسو (Matsu) اللتين كانتا قابعتين تحت سيطرة السلطات بتايوان.
في بداية المعركة، تفوقت الصين على تايوان حيث كانت تمتلك أسراباً من طائرات ميج-17 السوفييتية، ويمكن لطائرات الميغ، التي أرسلها الرئيس الصيني ماو تسي تونغ لاختبار الدفاعات التايوانية، أن تطير بشكل أسرع وعلى ارتفاع أعلى من طائرات تايوان القديمة، ما يجعل من الصعب اعتراضها.
وأمام التفوق العددي والناري لطائرات جيش التحرير الشعبي الصيني، قرر الأمريكيون تزويد الطائرات التايوانية من طراز “إف 86 سابر” بصواريخ جو- جو إيه هي آي إم-9 سايدويندر (AIM-9 Sidewinder) الحديثة جداً، وأرسلوا فريقاً مختصاً للإشراف على تثبيتها بشكل جيد على الطائرات.
لكن الذي حدث وخلال اشتباك القوات الجوية لكلا الطرفين، يوم 24 سبتمبر/أيلول 1958 في قتال شرس قرب منطقة شانتو (Shantou)، نجح التايوانيون في إسقاط نحو 9 طائرات صينية دون أن يتكبدوا أية خسائر بفضل صواريخ إيه آي إم-9 سايدويندر الأمريكية. لكن ولسوء حظ الأمريكيين، أصيبت إحدى طائرات ميغ 17 الصينية بصاروخ إيه آي إم-9 سايدويندر علق بهيكلها دون أن ينفجر. وعلى الفور، عاد قائد هذه الطائرة نحو قاعدته لتحصل بذلك جمهورية الصين الشعبية على نسخة من هذا الصاروخ الحديث الذي كان أول صواريخ جو-جو الموجهة بالأشعة تحت الحمراء في العالم.
بعد القتال الدائر حول مضيق تايوان، خرج الطيارون الصينيون الناجون من طائراتهم الميغ، مذهولين من خسائرهم. لقد كانوا في حيرة من أمرهم من الصواريخ المناورة التي أسقطت جزءاً كبيراً من قوتهم، لكنهم سرعان ما حلوا اللغز عندما رأوا صاروخ Sidewinder عالقاً في جناح إحدى طائراتهم التي نجت بأعجوبة.
في البداية، حاول المهندسون الصينيون إجراء هندسة عكسية لصاروخ سايدويندر بأنفسهم. لكن التكنولوجيا الخاصة بهم، والتي تأخرت لعقود من الزمن عن الولايات المتحدة، أعاقت جهودهم. لذلك نقلوا الصاروخ إلى الاتحاد السوفييتي، حيث أرسلت موسكو صاروخ سايدويندر إلى مكتب تصميم الصواريخ Toporov OKB، بقيادة المهندس إيفان توروبوف (Ivan Toropov) وأصدرت تعليمات للمهندسين المشاركين بعمل نسخة طبق الأصل عنه.
تفاجأ السوفييت من قدرات صاروخ سايدويندر، وكانت سرقة الأسرار العسكرية شائعة إلى حد ما في ذلك الوقت بين الطرفين، خاصة في ظل احتمال تحول الحرب الباردة إلى حرب نووية في أي لحظة. وسعى كل من الجانبين إلى الكذب والغش والسرقة سعياً إلى تحقيق أي ميزة عسكرية محتملة.
كانت حادثة نسخ الصاروخ الأمريكي أحد أكبر المكاسب التكنولوجية غير المتوقعة في الحرب الجوية، وبفضله أصبح لدى الكتلة الشيوعية، مزيج هائل يهدد من الصواريخ الموجهة تهدد بإمالة ميزان القوة الجوية لصالحها، خصيصاً بعد نشر النسخة السوفييتية من الصاروخ على العديد من الدول الحليفة أو الصديقة.
لم يتعجب المهندسون السوفييت من فعالية صاروخ سايدويندر فحسب، بل أيضاً من بساطة تصميمه و”أناقته”. حيث وصفه أحد المهندسين السوفييت، وهو غينادي سوكولوفسكي، لاحقاً بأنه “الجامعة التي تقدم دورة تدريبية في تكنولوجيا بناء الصواريخ والتي أدت إلى رفع مستوى تعليمنا الهندسي وتحديث نهجنا في إنتاج الصواريخ المستقبلية”.
بحلول عام 1960، كان الاتحاد السوفييتي قد أكمل جهوده في مجال الهندسة العكسية، ما أدى إلى إنتاج صاروخ K-13 (يسميه الناتو: AA-2 Atoll). أصبح الصاروخ قصير المدى الرئيسي بين يدي القوات الجوية السوفييتية ودول حلف وارسو، بالإضافة إلى حلفاء الاتحاد السوفييتي مثل كوبا وفيتنام؛ والهند وباكستان. فيما أطلقت الصين على نسختها من الصاروخ اسم PL-2.
في الستينيات، تم استخدام صاروخ K-13 المنسوخ من نظيره الأمريكي، من قبل طياري ميج 21 الفيتناميين الشماليين المدعومين من السوفييت، ضد القوات الأمريكية، ونظراً للعدد المحدود جداً من طائرات MiG-21 لدى الفيتناميين، كان تكتيكهم المشترك هو الاقتراب من التشكيل الأمريكي بأقصى سرعة معقولة، وإطلاق صواريخهم في وابل، والخروج من المنطقة بأقصى سرعة لتجنب الاشتباك.
في النهاية، يتمتع صاروخ Sidewinder بإرث حافل كواحد من أنجح الصواريخ على الإطلاق في ضرب الأهداف، حيث استخدمت الولايات المتحدة أحدث إصدار من صاروخ AIM-9X في عام 2023 لإسقاط بالون تجسس صيني، واستخدمته طائرة F-15E Strike Eagles التابعة للقوات الجوية الأمريكية في عام 2024 لإسقاط طائرات من دون طيار تابعة للحوثيين في اليمن.
ولا شك أن سباق التسلح الصاروخي جو-جو الذي بدأه برنامج صاروخ سايدويندر قبل سبعة عقود لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، خصيصاً مع تجدد التهديدات باندلاع مواجهة مسلحة بين أمريكا وكل من روسيا والصين في أي لحظة، خصيصاً مع الصراع الدائر شرق أوروبا، أو مضيق تايوان حيث وقعت الحادثة التي رويناها لكم قبل 64 عاماً.
عربي بوست
إضافة تعليق جديد