الإندبندنت: سفينة نوح البذار السورية تصل النرويج !
وصلت قبل عقد من الزمن شحنات تُعدّ أجود أنواع البذار في العالم من سوريا إلى النرويج، منها أصناف تتحدّى التغيّر المناخي، ومقاومة للجفاف، بحسب ما نقلته “الإندبندنت”.
وأوضحت الصحيفة، أن، “هذه البذار جاءت بعد اندلاع الحرب على سوريا، وأن المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) قال إن إرسال هذه العينات جاء للمحافظة على بذار يمكن وصفها بكنوز لا تقدّر بثمن”.
وتُعاني سوريا منذ بداية الحرب عليها أزمة بذور ولا سيما القمح، لكن في عام 2014 ومع اشتداد المعارك واتساع نيرانها، لم يكن أمام المركز الدولي (إيكاردا)، ومقره تل حديا بريف حلب، سوى إرسال ما يقارب 116 عينة للبذور إلى سفالبارد بدرجة مئوية ناقص 18 في قبو يسمّى “نهاية العالم” أو “يوم القيامة”.
ونقلت الصحيفة، أنه “بهذا الشكل نجح فريق المركز الدولي من إنقاذ البنك الجيني الذي يضم أمهات البذور النادرة، وبدأ في عام 2015 توزيعها وشحنها من القبو إلى مراكز عمليات ومختبرات فرعية في دول عربية كالمغرب ولبنان، وكذلك إلى مزارعين للاستفادة من هذا الإنتاج النوعي”.
سفينة نوح السورية
وبات وصف “سفينة نوح البذار السورية” يطلق على هذا القبو النرويجي البارد في جزيرة سفالبارد.
وأعلن المدير العام للمركز الدولي (إيكاردا)، محمود الصلح، آنذاك عن “سحب 140 ألف صندوق، في القبو الذي افتتح عام 2008 حماية لبذور متنوعة مثل القمح والفول والرز وغيرها تحسباً لكوارث مناخية أو حروب وأوبئة”، وفق الصحيفة.
“وضمّ القبو 860 ألف عينة من جميع دول العالم تقريباً، لكن مركز إيكاردا وبذوره التي تحتوي على نباتات أصلية وفريدة هي من الأنواع المطوّرة بنسبة 80%”، بحسب “الصلح”.
وتمكّن طاقم “إيكاردا” من صنع احتياطي بنسبة 98%، ونجحوا في زراعة العينات الأصيلة وشحنوها إلى سائر العالم، ولا سيما لمراكز الأبحاث بغية إنتاج أصناف من القمح مقاوم للجفاف، خاصةً مع التغيّرات المناخية، وازدياد الاحتباس الحراري بشكلٍ غير مسبوق.
“هدايا” فتاكة
واتسعت معركة البذور بعد نضوب الإنتاج، وانحسار اليد العاملة والخبيرة، علاوة على دمار المختبرات البحثية، والمؤسسات الإنتاجية التي توفر البذور.
بالتالي اعتمد المزارعون على الاستيراد، أو زراعة الكميات المتوافرة في الأسواق المحلية بشق الأنفس وسط تهريب البذور من خارج البلاد بطريقة تمنعها الحكومة من دون موافقة مسبقة للحد من وصول آفات زراعية تؤثر على الأراضي والإنتاج الزراعي.
ومع اتساع الحرب المستمرة إلى اليوم في مناطق الشمال والشمال الشرقي من سوريا، تركت تأثيرها على أراض زراعية تتوزع على ضفاف الفرات (الجزيرة السورية) والتي تعتبر سلة الغذاء لكامل البلاد، والمسيطر عليها من قبل قوات “قسد”.
وانخفض منذ سنوات المردود إلى درجة إرسال الولايات المتحدة شحنات من بذور القمح في تشرين الثاني عام 2021 بلغت 3 آلاف طن “أهدتها” للمزارعين في الأراضي التي تسيطر عليها “قسد” لإنتاج عشرات الآلاف من أطنان القمح.
وعلى رغم حاجة أراضي الجزيرة وشمال شرقي سوريا لهذه الدفعة من البذور إلا أن الخبراء الزراعيين راودتهم الشكوك بنجاعتها، ومدى مناسبتها المنطقة، وحذّروا من كونها لا تتوافق مع الأجواء المناخية.
ولفت المهندس والباحث في شؤون إكثار البذار، مضر العشي، إلى “وجود أزمة بذار بدأت منذ عام 2012 وما زالت متواصلة على رغم تداركها بزيادة إنتاج البذور عبر تجارب فردية أو مجتمعية، وحكومية”، بحسب “الإندبندنت”.
وقال “العشي”، أنه “من المهم دعم الأراضي الزراعية في الشمال الشرقي من البلاد بالأبحاث الزراعية المتقدمة، والمختبرات البحثية اللازمة، وعدم توقف أي دعم علمي، فالمناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة تصلها الاحتياجات اللازمة بدعم الاحتلال التركي”.
وتابع الباحث “والأراضي المسيطر عليها من قبل الدولة تعيد إنتاج مخابرها بالتالي تحصل على الإنتاج من البنك الوراثي من البذور المناسبة والمتوافرة لديها، لكن كل الخوف من انهيار أراضي الجزيرة، فالحسكة والرقة وحدهما لديهما ثلث إنتاج سوريا، ولعل وصول أصناف من البذور تحمل آفات يمكن أن يهدم كل بناء زراعي محتمل”.
ولم تخف وزارة الزراعة تخوفها حينها من دخول أصناف من البذور غير مرغوب بها بل مرفوضة منذ عام 1999 لأسباب عدة أبرزها كونها ذات مردود إنتاجي متدن، وقال وزير الزراعة، حسان قطنا “البذور الموزعة من الجانب الأميركي على الفلاحين في شمال شرقي البلاد تحتوي على آفة النيماتودا الفتاكة”.
وروت “الإندبندنت” عن المدير العام السابق لمؤسسة إكثار البذار، بسام السليمان، قصة نجاة أجود الأصناف بعد أن اقتربت الاشتباكات المسلحة نحو مقر الشركة العامة وفيه المختبرات الحديثة.
وباتت الشركة على خطوط التماس لتعمل الكوادر الفنية على نقلها إلى مقر سري وغير متوقع في حديقة عامة بمدينة حلب، وبغرفة مظلمة وباردة لتحافظ عليها لسنوات ولتعود مجدداً إلى مكانها بعد ترميم مقر الشركة حين الاستقرار الأمني.
وقال “السليمان”، أن “الدمار أصاب كثيراً من المشاريع المتطورة والمخابر المهمة ومنها المشروع الوطني لإنتاج بذار البطاطا، ولعل الخطة التي اتبعها الخبراء في مؤسسة إكثار البذار هي بصيص أمل للحفاظ على أمهات البذار الفريدة من نوعها، وتشير المعلومات الواردة عن توفير مستودع خاص مهمته تخزين البذور خشية من أزمات مناخية مستقبلية”.
في المقابل، تسعى “مؤسسات” في شمال سوريا إلى إبرام عقود مع مزارعي قمح لديهم الخبرة لإنتاج البذور المطلوبة في أعقاب ما دمرته الحرب من بذور، ونقلت “الإندبندنت” عن الباحث “أحمد الخضر”، أن “حالة الأراضي جيدة وتوقع إنتاج بين أربعة أو خمسة آلاف طن تصنع ضمن كوادر محلية”.
يُشار إلى أن السباق نحو كسب البذور وعدم خسارتها هي حرب تحدث في الظل، وهي معركة طويلة الأمد مع الطبيعة وعوامل الجفاف والتصحر وقلة الأمطار، وبشرية نتيجة ضعف الإنتاج، وهجرة المزارعين لأراضيهم، ووصول بذور تحمل آفات أو ليست بالجودة المطلوبة.
لتختم “الاندبندنت” تقريرها، بأن “تجربة إيكاردا التي قاومت الحرب، وحافظت على أمهات البذور والعينات الفريدة بفضل التعاون الدولي أثمرت في نهاية المطاف”.
يُذكر أن مركز “إيكاردا” غادر سوريا إثر احتدام المعارك في محيط “تل حديا” الواقع في ريف حلب الجنوبي، ونقل مقره إلى العاصمة المغربية الرباط، وافتتح بنكاً في بيروت، وكأن مصيره أن يكون دائم التنقّل والترحال، لا سيما أن مقرّه الأساسي كان في لبنان، وانتقل منه عام 1977 على إثر الحرب الأهلية.
ولا يزال قطاع الزراعة الذي يوفّر مصدر الدخل الرئيس لمعظم السوريين، يتكبّد خسائر في البنى الأساسية الحيوية وإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية ورأس المال البشري، وفق تقرير لمنظمة “الإسكوا”.
إضافة تعليق جديد