خريطة التنظيمات المتشددة في مخيم عين الحلوة
تساؤلات كثيرة يثيرها الاقتتال المتجدد في مخيم عين الحلوة اللبناني ، والذي تعتبر التنظيمات المتشددة أحد أطراف القتال، وفي حين لم تتماسك هدنة حتى الآن في المخيم منذ بدء اندلاع الاشتباكات في جولتها السابقة، نهاية يوليو/تموز 2023، بين تنظيمات متشددة وعناصر الأمن الوطني الفلسطيني المسؤول عن حماية المخيمات الفلسطينية في لبنان.
وكان آخر وقف لإطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ 11 سبتمبر/أيلول 2023، بعد أن قُتل 30 شخصاً وأُصيب 230 آخرون خلال المواجهات بين عناصر أمنية من حركة فتح والجماعات الجهادية “المتشددة”.
تُعد أبرز هذه الجماعات في مخيم عين الحلوة، “الشباب المسلم” أو “أنصار الشباب المسلم”، وكذلك “جند الشام”، والتي تتبع كلها فكرياً وعقدياً تنظيمي القاعدة والدولة ،و”الشباب المسلم” تنظيم يُعد الحاضنة الأوسع للمجموعات المتشددة في عين الحلوة، ويبدو كائتلاف لتنظيمات “جند الشام” و”داعش” و”النصرة”.
وأوضح المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب أنّ معظم المقاتلين في هذه التنظيمات ممن قاتلوا في سوريا والعراق، ومنهم من قاتل في أحداث عبرا ضد الجيش اللبناني، عام 2013 وجمعت بين الجيش اللبناني وجماعة الشيخ أحمد الأسير وفقاً لما نقله موقع عربي بوست.
ويضيف أن منهم أيضاً من نفذ عمليات عسكرية ضد قوات اليونيفيل الدولية في لبنان، وضد الجيش اللبناني، وأن عناصر هذه التنظيمات المتشددة في عين الحلوة هم من جنسيات متعددة فلسطينية ولبنانية وسورية وأردنية وغيرها.
يتابع أبو زينب، بأن هناك شخصيات من هذه التنظيمات تقف وراء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، من بينها هيثم الشعبي زعيم تنظيم “جُند الشام”، فيما شقيقه محمد الشعبي يُعدّ مسؤول تنظيم الدولة (داعش) في عين الحلوة، ولديه صلاتٌ بـ”جند الشام” و”الشباب المسلم”.
ويقول: “أما بلال بدر فهو قيادي في جند الشام، يقضي معظم وقته مختبئاً، لا أحد يشاهده كثيراً، إلا المقربون منه” ، يشير أبو زينب إلى أنّ الشقيقين محمد وهيثم الشعبي، وبلال بدر، يعدّون من أبرز المطلوبين للدولة اللبنانية، كما أنّهم متهمون بافتعال الأحداث الأخيرة داخل عين الحلوة.
لا تتعدى مساحة مخيم عين الحلوة 3 كم مربع، ويوجد له 4 منافذ، ومحاط بحواجز للجيش اللبناني عند مداخله، أما في داخل المخيم توجد حواجز لقوى الأمن الوطني الفلسطيني ، وتقول مصادر أمنية من داخل المخيم إن هذه التنظيمات المتشددة في عين الحلوة يتركز نشاطها في منطقتين اثنتين في مخيم عين الحلوة وأطرافه، هما منطقة “التعمير”، و”حي الطوارئ”.
يوضح أن تلك التنظيمات تتحصن في منطقة التعمير، رغم أنها تُعدّ منطقة لبنانية تخضع لسيطرة الجيش اللبناني، وليس لقوات الأمن الفلسطينية في المخيم.
أما عن “حي الطوارئ” فيقول إنها تُعدّ منطقة محاذية لمخيم عين الحلوة، وخارج سيطرة الجيش اللبناني، وكذلك خارج سيطرة الأمن الفلسطيني، وهو كذلك حي يقع خارج المنطقة العقاريّة للمخيّم، أي على أطرافه، “إلا أنه مع الوقت، أصبح الحري بفعل تفاعلات أمنيّة وديموغرافيّة، جزءاً من المخيم”، بحسب المصادر ذاتها.
يتميّز حي الطوارئ بكونه حياً يقيم فيه لبنانيون وفلسطينيون، وتخضع السيادة الأمنيّة فيه إلى تنظيمات متشددة وجهادية عدة، وهذا ما يؤكد عليه أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة صيدا العميد ماهر شبايطة.
يشير شبايطة، إلى أنّه بعد صدور قرار في فترة (1990-1992) بحلّ التنظيمات والميليشيات وبسط سلطة الدولة، فإنّ الجيش اللبناني أعاد انتشاره على الأراضي اللبنانية والمخيمات، لكنّ حي الطوارئ لم يكن ضمن تلك المناطق، الأمر الذي أدى إلى أن يصبح بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة والتكفيرية.
يضيف أنها باتت مع الزمن “بؤرة ومنطقة ارتكاز رئيسية للتنظيمات المتشددة، فقد استقطبت عناصر جهادية من العائدين من أفغانستان والعراق وسوريا”.
يكشف الناشط والكاتب السياسي اللبناني طارق أبو زينب، الذي تُعدّ مدينة صيدا مسقط رأسه، أنّ “الجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة تمتلك ذخائر وأسلحة متطورة وإمكانات كبيرة، ورواتبهم بالدولار الأمريكي”.
يملك الشقيقان الشعبي -قائدا جند الشام وداعش”- أكثر من 200 مقاتل بحسب أبو زينب، موضحاً أن “الشباب المسلم” هو “العنوان الأكبر لجميع التنظيمات المتشددة في عين الحلوة، التي يبلغ مجموع عناصرها معاً ما بين 250 إلى 300 مقاتل، بالإضافة إلى مناصرين قد يحملون معهم السلاح عند أي مواجهة”.
ويتابع “لكن لا يستطيع أحد الجزم من يموّلهم ويمدهم بالسلاح الذي يُستعمل في التصفية وتنفيذ عمليات اغتيالات داخل المخيم، لكن من المؤكد أن ارتباطهم خارج حدود لبنان، وذلك بسبب الدخول والخروج خلسة من المخيم باستمرار، مع وجود إمكانات مالية كبيرة بحوزتهم”.
ويقول إن مناطق نفوذ التنظيمات المتشددة في عين الحلوة مثل التعمير والطوارئ، تحوّلت إلى ملجأ لمن يُطلق عليهم الجهاديون اللبنانيون الهاربون من الأمن اللبناني، مثل “جماعة الضنّية” و”شادي المولوي”.
يكشف شبايطة عن أنّ منطقة التعمير بدأت أهميتها حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتخذها مقراً لها، وتعرّضت للقصف من الطيران الإسرائيلي قبل عام 1982، لكن بعد الانسحاب الإسرائيلي، فإنّ قوات الأمن الفلسطيني لم تدخل تلك المنطقة، الأمر الذي تمّ استغلاله من تلك التنظيمات، فأصبحت منطقة مغلقة للعناصر المتشددة، يشوبها الكثير من الغموض، وفق تعبيره.
يروي المسؤول الفلسطيني أنّ “هذه الجماعات تتبع في أسلوبها جماعة أبو نضال، التي كانت تنفذ عمليات اغتيال وقتل بحق شخصيات سياسية”، وهي جماعة أسسها صبري البنا، مؤسس المجلس الثوري في حركة فتح بعد انشقاقه عن الحركة.
يضيف أيضاً أن “هناك بقايا من جماعة أبو نضال انخرطت مع تلك الجماعات الجهادية، وهي ذاتها التي نصبت كميناً للعميد في حركة فتح أبو أشرف العرموشي، الذي قُتل مع مرافقيه بكمين مسلح استهدفهم في حي البساتين بمخيم عين الحلوة، حين نصب 8 عناصر من هذه الجماعات كمائن لهم، واستمرت عملية إطلاق النار حوالي 10 دقائق”.
ويلفت إلى أنّ “جسد العرموشي والمرافقين الذين معه تلقت عشرات الرصاصات، الأمر الذي يؤكدّ أنّ هناك رسالة كان يراد إيصالها لحركة فتح ومنظمة التحرير، أكثر مما هي عملية اغتيال بحد ذاتها”، مشيراً إلى أنّ “الإعلام حاول تعمية الرأي العام عن الحقيقة، عبر سعي ربط حدث الاغتيال بزيارة رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، وذلك لحرف الناس عن الحقيقة”، وفق قوله.
ويكشف شبايطة عن أنّه “تمّ تشكيل قوة أمنية مشتركة بين الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، وذلك من 18 فصيلاً، خلال الشهر الجاري سبتمبر/أيلول 2023 لأجل إجبار التنظيمات المتشددة في عين الحلوة على تسليم قتلة العرموشي ومرافقيه”، مؤكداً أنّه “وصل عدد أفراد القوة الأمنية ما بين 170-200 عنصر، بعد أن كان عدد عناصر الأمن الفلسطيني في المخيم لا يتجاوزن 60 عنصراً”.
بينما تقول المصادر الفتحاوية إنّ “ما يجري من اشتباكات مستمرة في مخيم عين الحلوة وحالة الاحتقان الدائمة هو جزء من مخطط أكبر وأعمق يحاك ضد المخيمات في لبنان، وضد حركة فتح تحديداً”.
وتتهم إيران بأنها “تسعى لكف يد حركة فتح في مخيم عين الحلوة لصالح حماس”، معتبرة أن “حزب الله هو الذي يشرف على تنفيذ المخطط”، في حين تنفي كل من حماس وحزب الله مسؤوليتهما عن الاشتباكات في المخيم، وكذلك أي صحة للاتهامات بأنهما يدعمان التنظيمات المتشددة في عين الحلوة.
يصف شبايطة، أنّ تلك المجموعات المتطرفة التي تتحصن في مخيم عين الحلوة هي “بمثابة بندقية للإيجار وقت الطلب”، مضيفاً أن “لديها جهات خارجية وأطراف داخلية تدعمها لتحقيق أجندات سياسية”.
أما المحلل السياسي والمحامي اللبناني أمين بشير، فيقول في حديثه لـ”عربي بوست”، إنّ “حزب الله متهم بالوقوف وراء إدخال السلاح إلى المخيم، وبأنه يترك الحدود مفتوحة ليسهل الأمر أمام تلك المجموعات لتهريب السلاح، فهو من يسيطر على المعابر التي على الحدود مع سوريا، لكنّ حزب الله يتحدث عن مؤامرة أمريكية هدفها تدمير المخيم”.
ويشير إلى أن “فتح ترى أن حزب الله هو القوة الحقيقي على الأرض على مستوى الحدود اللبنانية-السورية، لذلك تتهمه بإدخال السلاح والعناصر الإرهابية إلى الأراضي اللبنانية من سوريا، لفرض خناق على حركة فتح والسلطة الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية، ولإسكات وإخضاع أي تنظيم وبارودة تسبح في فلك السلطة الفلسطينية وحركة فتح، حتى لا تبقى بارودة بوجه القوى الفلسطينية الموالية لإيران”.
ويرى أن ما يجري هدفه أيضاً “حرق محور الممانعة لقائد الجيش اللبناني جوزيف عون كمرشح رئاسي، بالتالي تمّ وضعه أمام اختبارات جديدة، وأهم اختبار دخول مخيم عين الحلوة، وهذا القرار صعب اليوم”.
من جانبه، يعتبر أبو زينب أنّ مخيم عين الحلوة يمثل حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، بالتالي “يجب العمل من جميع الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية لتفكيك هذه الجماعات المسلحة التكفيرية المتشددة، وبتسليم المطلوبين والمتهمين باغتيال العميد أبو أشرف العرموشي ومرافقيه للقضاء اللبناني، وانسحاب المسلحين من مدارس الأونروا، وإعادة تعزيز التعاون بين قوى العمل الفلسطيني المشترك، ودعم قوى الأمن الوطني الفلسطيني لتثبيت الاستقرار والأمن والأمان في المخيم”، كحلول للأزمة الحالية في مخيم عين الحلوة، بحسب تقديره.
يُذكر أن الاشتباكات بين عناصر من “فتح” و”الشباب المسلم”؛ أسفرت عن مقتل 30 شخصاً وإصابة 230 آخرين، بينهم قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا (جنوب)، القيادي في “فتح”، العميد أبو أشرف العرموشي، مع 4 من مرافقيه.
نزح الآلاف من سكان مخيم عين الحلوة إلى مناطق مجاورة له، على خلفية الاشتباكات المتكررة على مدار سنوات منذ تأسيسه في 1948، في مأساة جديدة للاجئين الفلسطينيين المنكوبين.
بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في لبنان بلغ 489 ألفاً و292 لاجئاً، بأحدث إحصاء لها
وكالات
إضافة تعليق جديد