المقاومة الشعبية للاحتلال الأميركي لسورية عبر صفحات "فيسبوك" و"تيلغرام"

15-08-2023

المقاومة الشعبية للاحتلال الأميركي لسورية عبر صفحات "فيسبوك" و"تيلغرام"

في غضون ساعات قليلة من مساء يوم أمس الأحد، انتشر على الكثير من صفحات "فيسبوك" الخاصة بالسوريين، بيانين حملا توقيع "المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية"، وتحدث الأول عن استهداف ثلاثة قواعد أميركية بقذائف صاروخية وطائرات مسيرة في حقول "كونيكو" و"العمر" في ريف دير الزور الشرقي، ومطار الشدادي بريف الحسكة، واشتعال النيران بقواعد الاحتلال المستهدفة، مع مشاهدة سيارات الاسعاف وتحليق للمروحيات الأميركية، على حين تحدث البيان الثاني عن اطلاق قذيفتي هاون على مقر القوات الأميركية في مقر "اللواء 93" جنوب بلدة عين عيسى شمال محافظة الرقة.


وبدون الكثير من الجهد يمكن الاكتشاف بسهولة، عدم وجود موثوقية تذكر في البيانين وفي مصدرهما، فالأول كان منضداً وحمل في نهايته وسم "المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية" وكتب على عجل، فجاء ركيكاً ومليئاً بالأخطاء النحوية، أما الثاني وحمل ذات الوسم، فكتب بخط اليد وبشكل جميل ومنمق، وأكد البيانان في مقدمتهما أن الاستهدافات تمت "مساء هذا اليوم"، دون تحديده بيوم السبت، ودون حمل البيانين أي تاريخ، مع الإشارة إلى أن الحديث عن تعرض القواعد الأميركية في سورية للاستهداف نشر أول مرة، ظهيرة يوم أمس السبت عبر موقع "أثر برس" المدعوم إيرانياً، ثم نشر عصراً عبر موقع قناة "الميادين" المدعومة أيضا إيرانيا"، أي قبل صدور البيانين المشار إليها.


ولا توجد لـ"المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية"، أية صفحة نشطة حاليا على وسائل التواصل الاجتماعي كافة، والصفحة الموجودة باسمها على "فيسبوك"، ظهرت في أيار 2021 لكنها لم تنشر أي شيء منذ تشرين الأول 2022، أما على موقع "تيليغرام"، فهناك قناة باسم "المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية" انشأت الاسبوع الماضي ولم تنشر إلا بيان الأمس المنضد.

وفوق كل ذلك نقل موقع "نورث برس" الكردي عن مصدر في "التحالف الدولي لمحاربة داعش" نفي حدوث هجوم أو انفجارات في حقل "كونيكو"، استهدفت قاعدة للتحالف فيه، موضحاً أنها أخبار "مزيفة" وأنه "لم يكن هناك أي تفجيرات في كونيكو، كما لم يكن هناك تدريبات تتضمن تفجيرات"، أما بخصوص الشدادي فأوضح المصدر أن الانفجار جنوبي الحسكة لم يكن هجوماً، بل كان نتيجة لذخيرة تالفة تم ضبطها خلال عمليات أمنية، قامت بها "قوات سورية الديمقراطية – قسد"، مشيراً إلى أن الانفجار لم يسفر عن أي إصابات.
الأمر اللافت من خلال متابعة هذه "الفورة الفيسبوكية" اليوم وأمس، أن هذه الأخبار تم الترويج لها بعيد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق أميركي إيراني، حيث قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الخميس إن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق مع إيران لإطلاق سراح 5 أميركيين وإلغاء تجميد أموال لطهران، وسيتضمن الاتفاق إلغاء تجميد نحو 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني، على حين أعلن مصدر إيراني أن الاتفاق يتضمن تبادلاً للسجناء، ويشمل الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية والعراق بقيمة 10 مليارات دولار.

التوصل للاتفاق الأميركي الإيراني أيضاً جاء بعد أنباء راجت لنحو شهرين أو أكثر، عن وجود مشروع أميركي يهدف إلى السيطرة على الحدود السورية - العراقية من خلال عملية عسكرية تشارك فيها فصائل مدعومة من القوات الأميركية ضد الجيش السوري والقوات الرديفة له المدعومة من إيران بهدف السيطرة على كامل الحدود السورية العراقية، وقطع الطريق الوحيد المتبقي الواصل بين دمشق وبغداد عبر مدينة البوكمال.
الهدف من هذه المقدمة، هو التأكيد على المثل القائل "ليس كل ما يلمع ذهبا"، فكثير من السوريين المنهكين من الوضع الاقتصادي المتردي، والمقتنعين بأن حالتهم التي يرثى لها هي نتاج الاحتلال الأميركي لحقول النفط والغاز شرق البلاد، ودعم واشنطن لميلشيات "قسد" التي تسيطر بدورها على ربع مساحة البلاد الغنية بالقمح، أخذوا بالترويج للبيانين السابقين بدون التأكد من صحتهما، وكلهم أمل بما يمكن اعتباره انطلاقا لمقاومة شعبية تخلصهم من الاحتلال الأميركي، لكن الحالة على الأرض هي بالتأكيد على خلاف هذه الأمنيات.

فاستهداف القواعد الأميركية، وخصوصا في حقل كونيكو، يحتاج إلى امكانيات متطورة باعتبار أن القاعدة مأمّنة من محيط واسع والوصول إليها يحتاج لأسلحة محددة، وفوق كل ذلك فإن ظهور مثل هذه المقاومة لا بد وأنه يحتاج لبيئة حاضنة كارهة للقوات الأميركية ومستعدة للتضحية بالدم، على حين أن هذه القوات متواجدة في مناطق يكاد أهلها يعيشون في بحبوحة مقارنة بباقي السوريين في محافظات ومدن الكثافات الكبيرة غرب البلاد، وأسعار المواد الاستهلاكية في شرق البلاد أقل بمستويات لا تقارن بغربها، وهي سياسة عمل الأميركي على تكريسها بل إنه حتى استثنى مناطق شرق سورية من عقوباته الاقتصادية المفروضة على البلاد، كما يضمن الأميركي لميليشيات "قسد" طرق التبادل التجاري مع الجانب الآخر من الحدود مع كردستان العراق.

وفوق كل ذلك، فإن معظم الانتفاضات في وجه ميليشيات "قسد" بين الحين والآخر، في بعض البلدات والمدن الواقعة تحت سيطرتها، وتحول بعضها حتى لمواجهات مسلحة، كما كان الحال في تلك التي انفجرت بين "مجلس دير الزور العسكري" و"الشرطة العسكرية"، وكلاهما فصيلان تابعان لـ"قسد" الشهر الماضي، هي في معظمها بسبب عدم الرضا من الحصة المخصصة لهما من "كعكة النفط"، أو بهدف التحارب والتناحر للسيطرة على طرق التهريب بين شرق وغرب نهر الفرات، وغالباً ما يتم حلها واحتواءها بعد تدخل الأميركي وإرضاء الأطراف المتنازعة.

قد يذهب البعض لتفسير ما يحدث من استهدافات للقواعد الأميركية في شرق سورية، على قلتها، أو الإيحاء والتشجيع لحصول مثل هذه الاستهدافات بوتيرة أعلى وبما يشكل خطراً حقيقياً على حياة الجنود الأميركيين لدفعهم إلى مغادرة سورية مرغمين، باعتبارها رسالة تفيد بأن لا استقرار لهؤلاء على الأرض السورية حتى وإن ضمنوا ذلك عبر تفاهمات واتفاقات مع كل من روسيا وإيران، وذلك في محاولة لتقديم صورة بأن المصالح الروسية والإيرانية ليست على توافق بالضرورة والمصالح السورية، حيث تدور المعارك على أرض الأخيرة، لكن واقع الحال يختلف بالتأكيد، وخيارات دمشق في علاقاتها مع كل من طهران وموسكو هي استراتيجية، وما ينعكس إيجاباً على طرف، يستفيد منه الطرف الآخر، بل إنها تشكل في هذه النقطة، إذا صح التعبير، محوراً في مواجهة المصالح الأميركية، وأية انفراجة في طبيعة العلاقات الإيرانية الأميركية ستنعكس إيجاباً بالتأكيد على الوضع الداخلي السوري، ب اعتبار أن ما يهم واشنطن بالدرجة الأولى هي الحصول على ضمانات بعدم استهداف قواتها في سورية مقابل التغاضي عن تطور العلاقات الاقتصادية السورية العراقية أو السورية الإيرانية، في محاولة لشراء الوقت من كل طرف من أطراف المعادلة، للحظة المناسبة له وكل حسب مصالحة وأهدافه وسياساته.


موقع رصد للدراسات / لندن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...