في ولايته الثالثة.. ماذا سيفعل إردوغان بالكرد؟
حسني محلي:
خلال حملة رجب طيب إردوغان الانتخابية، كان الكرد، والمقصود بهم حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي، سلاحه المهم الذي استطاع من خلاله تضييق الحصار على منافسه كمال كليجدار أوغلو، الذي قال عنه إنه “متحالف مع الإرهابيين”.
هذه المقولة أدت دوراً رئيسياً في التأثير في الناخبين. وقد صوّت 52.18% منهم لإردوغان، تارة من منطلقات قومية عنصرية، وتارة أخرى من منطلقات دينية وطائفية، بذريعة أن كليجدار أوغلو وبعض الكرد “علويون وكفار”.
ولم يتذكر أحد ممن صوتوا له أنه هو الذي بدأ الحوار مع حزب العمال الكردستاني، وكلّف رئيس استخباراته هاكان فيدان بلقاء زعيم الكردستاني عبد الله أوجلان في سجنه في جزيرة إيمرالي، وهو الذي أمر وزراءه بالتوقيع على محاضر للتنسيق والتعاون المشترك لحل المشكلة الكردية سلمياً وديمقراطياً، وهو ما سعى من أجله حتى انتخابات حزيران/يونيو 2015، عندما اضطر إلى العودة إلى نهجه القومي التقليدي، بعدما خسر الأغلبية في البرلمان وفشل في إقناع كرد سوريا بالتمرد ضد دمشق، على الرغم من استضافته الرئيس المشترك للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري صالح مسلم في أنقرة مرات عدة.
والآن، وبعدما حقق إردوغان انتصاره الجديد بفضل مقولاته المعادية للكرد، يبدو أنه يستعد لسياسات جديدة تجاههم، وهذه المرة لضمان فوزه في الانتخابات البلدية في آذار/مارس المقبل، إن لم تكن قبل ذلك وفق مزاجه، وهو ما يتطلب منع الكرد من التصويت لمرشحي المعارضة في المدن الكبرى التي فاز فيها هؤلاء المرشحون في انتخابات 2019، وأهمها إسطنبول وأنقرة وأنطاليا ومرسين وأضنة وغيرها، حيث يعيش الكرد بكثافة.
ويخطط إردوغان لمنع مرشحي حزب الشعوب الديمقراطي، واسمه الجديد “حزب اليسار الأخضر” من الفوز في جنوب شرقي البلاد، حيث تقدم الحزب المذكور في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (14 أيار/مايو) على العدالة والتنمية في 13 مدينة، ليحصل على 62 مقعداً في البرلمان، على الرغم من تراجع شعبيته إلى 8.8% (4460000 صوت) من مجموع أصوات الناخبين في عموم البلاد، بعدما كان الجميع يتوقعون لهذه النسبة أن تصل إلى 12%.
يفسّر البعض هذا التراجع بالخلافات التي نشبت بين قيادات حزب الشعوب الديمقراطي ورئيسه السابق صلاح الدين دميرطاش الموجود في السجن منذ كانون الأول/ديسمبر 2016، والذي أعلن الأسبوع الماضي أنه سيعتزل السياسة بعدما اتهم القيادات المذكورة بالفشل في تكتيكات الانتخابات الأخيرة، التي أدت فيها قيادات حزب العمال الكردستاني الموجودة في شمال العراق دوراً أساسياً، لما للموضوع من علاقة أيضاً بوضع وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من أميركا في شمال شرقي سوريا.
وجاءت التعيينات الجديدة في الحكومة مؤشراً مهماً على سياسات إردوغان الجديدة تجاه الكرد. ويبدو أنه وضع من أجلهم حسابات مختلفة (مقالي بعنوان “انتخابات تركيا.. الكرد سلاح ذو حدين” في 7 أيار/مايو) تهدف إلى الحد من سيطرتهم على الشارع الكردي، وذلك بإثباته أنه الوحيد الذي “يستطيع أن يلبي مطالبهم السياسية والاقتصادية والمالية بعيداً من التوتر والإرهاب والحروب”.
وجاء قرار إردوغان باختيار الكردي جودت يلماز نائباً لرئيس الجمهورية في هذا الإطار، ليقول للكرد: “أنتم شريك لنا في هذا الوطن”. ولم يكتفِ بذلك، فقام بتعيين الكردي (بجنسيته البريطانية والأميركية) محمد شيمشاك وزيراً للمالية، كي ينقذ البلاد من أزمتها المالية الخطرة من خلال علاقاته مع الأوساط المالية الغربية، واحتفظ الكردي فخر الدين كوجا بحقيبة وزير الصحة مع المعلومات التي تتحدث عن “الأصل الكردي” لوزير الخارجية هاكان فيدان.
ويتوقع البعض للرئيس إردوغان، من خلال هذه التعيينات “الكردية” المهمة، أن يبعث رسائل إيجابية إلى الناخبين الكرد، وأن يسعى لإطلاق حملات تنموية في جنوب شرقي البلاد لكسب ودهم وإبعادهم عن العمال الكردستاني والشعوب الديمقراطي، وبمقولات دينية، بعيداً من الشعارات القومية العنصرية التركية التي أطلقها وحليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت باهشالي ووزير الداخلية سليمان صويلو الذي أبعده إردوغان عن التشكيلة الوزارية الجديدة.
وكان تحالف إردوغان مع حزب الهدى الإسلامي الكردي قبل الانتخابات مؤشراً مهماً على تكتيكاته المستقبلية التي تهدف إلى كسب القوى والعشائر الإسلامية الكردية إلى جانبه خلال المرحلة المقبلة، لتساعده على التخلص من سيطرة العمال الكردستاني على الشارع الكردي جنوب شرقي البلاد.
وسبق للدولة الكردية منذ بداية الحرب في المنطقة أن وظفت أكثر من 200 ألف كردي للقتال ضد العمال الكردستاني، وسمتهم “حراس القرى”، وعددهم الآن نحو 30 ألفاً فقط. وقد ساهم مسعود البرزاني في إقناع رؤساء العشائر الكردية بالتحالف مع الدولة التركية، والآن مع “الإسلامي” إردوغان ضد العمال الكردستاني “اليساري الكافر”، من دون أن يكون كل ذلك كافياً بالنسبة إلى إردوغان، ومن قبله الحكومات السابقة، لمنع العمال الكردستاني من الصمود وتحقيق العديد من الانتصارات، ليس عسكرياً فحسب، بل سياسياً ونفسياً أيضاً، بعدما حظي الحزب بدعم العديد من العواصم الأوروبية، وبدعم واشنطن بعد 2011، وهي التي تقوم بتمويل وتسليح وتدريب عشرات الآلاف من مسلحي الحزب في شمال شرقي سوريا تحت اسم وحدات حماية الشعب؛ الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني السوري.
ويفسر فوز الحزب المذكور وجناحه السياسي الشعوب الديمقراطي في معظم البلديات جنوب شرقي البلاد استمرار قوته، على الرغم من كل المضايقات التي يتعرض لها، بما في ذلك اعتقال عشرات الآلاف من كوادره الرئيسية، ومنهم الرئيسان المشتركان السابقان صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساك داغ وعدد من البرلمانيين السابقين.
ولم يتردّد إردوغان في إقالة كلّ رؤساء البلديات الكرد، وعددهم أكثر من 50، الَّذين انتُخبوا في آذار/مارس 2019، وتعيين مسؤولين حكوميين بدلاً منهم، وهو ما قد يهدد به الناخبين الكرد قبل الانتخابات المقبلة، ليقول لهم: “إذا انتخبتم مرشحي الكردستاني، فسوف أقيلهم، والدولة لن تقدم لكم أي خدمات بعد الآن”، وذلك في حال فشله في إقناعهم بعدم التصويت لمرشحي الشعوب الديمقراطي جنوب شرقي البلاد، ولمرشحي الشعب الجمهوري في المدن الكبرى، وأهمها إسطنبول وأنقرة وأنطاليا وأضنة ومرسين.
وسيستنفر إردوغان كل إمكانيات الدولة للسيطرة على هذه المدن من جديد بعدما خسرها في انتخابات 2019، وهذا ما تتوقعه الأوساط السياسية بعد هزيمة تحالف الأمة في الانتخابات الأخيرة وانفجار الخلافات بين أطراف التحالف، وحتى داخل حزب الشعب الجمهوري، بعدما رفض زعيمه كمال كليجدار أوغلو الاستقالة، على الرغم من ردود فعل الشارع الشعبي الذي يحمّله مسؤولية الفشل الأخير.
ويعرف الجميع أنَّ إردوغان الذي يسيطر على كل شيء في الدولة سيستغلّ نقاط ضعف معارضيه، وسيلجأ إلى كل الوسائل والطرق السرية والعلنية لاستفزاز الخلافات بين أطراف المعارضة، وسيفعل ذلك مع الأطراف الكردية التي سيفعل كلّ شيء لكسب البعض منها إلى جانبه، ليساعده ذلك في الحد من شعبية العمال الكردستاني وكسر شوكته، وليقول لواشنطن والعواصم الغربية إنه الأقوى، ليس تركياً فحسب، بل كردياً أيضاً، وهو ما قد يزيد قوة الأوراق التي يتمسك بها خلال مساوماته مع الأطراف الإقليمية والدولية لإغلاق هذا الملف في تركيا، ثم سوريا، وعبر الاتفاق مع دمشق بوساطة روسية إيرانية تهدف إلى الحد من الدور الأميركي (الغربي عموماً) في المنطقة، وعبر الورقة الكردية الرابحة/الخاسرة منذ نحو 100 عام.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
الميادين
إضافة تعليق جديد