العودة للكتاب والسنة أم إلى (معايير الكتاب والسنة)؟
د.سامح عسكر:
عزيزي: إن أسوء ما أنتجته السلفية المعاصرة هي دعوتهم لما يسمى (العودة للكتاب والسنة) لأنهم في الحقيقة يدعون إلى (فهم واحد فقط للكتاب والسنة) ورثوه من أئمتهم الحنابلة وابن تيمية وابن عبدالوهاب..
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى الصوفية والأشاعرة والماتوريدية..
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى الشيعة والمعتزلة
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى المثقفين والعلمانيين
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى الفلاسفة وعلماء الطبيعة
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى المجتهدين والمجددين
لا يعترفون بالكتاب والسنة لدى أي ناقد ومعترض على ما يقدموه..
يقولون بأن هؤلاء جميعهم (كفار أو مبتدعة) ليسوا على الإسلام الصحيح..
في الحقيقة أن دعوتهم "للكتاب والسنة" منذ البداية كانت خاطئة لأنها تفترض وجود (إسلام نقي وواضح لا يحتاج إلى تفسير) وبحاجة للعمل به ليس إلا..
لكن عند البحث في التراث وكتب الأحاديث والتفاسير القرآنية لا نجد هذا الشئ الذي يزعموه، بل نجد (صراعات ومذاهب واختلافات وشقاقات وردود) حتى بين علمائهم، ولأسباب خاصة بهم كتموا هذه المعلومات عن الناس وأوهموا تلاميذهم والجمهور الذي يسمعهم أن كل شئ واضح بحاجة للتنفيذ..
عزيزي هناك معايير جاء بها القرآن والسنة
تلك المعايير هي (الدعوة للتفكر والعقلانية والاجتهاد + الأخلاق + احترام العلم + المصلحة العامة والعليا)
تلك المعايير هي التي فهمها علماء السلف وبناء عليه اجتهدوا فخرجت المذاهب الأربعة والتسعة ...وغيرها، خرجت مذاهب الشيعة بفرقها والمعتزلة وفقا لفهمهم تلك المعايير..
السلف لو فهموا أن هناك إسلاما نقيا واضحا بحاجة للتنفيذ ما اجتهدوا بالأساس، وما خرجوا بأفكار جديدة غير مسبوقة، فالقياس العقلي مثلا والذي جاء به الأحناف هو رؤية اجتهادية غير مسبوقة، عمل أهل المدينة عند مالك رؤية اجتهادية أيضا غير مسبوقة..فلو كان الإسلام النقي الذي لا يقبل الخلاف واضحا لديهم وجاهزا للتطبيق ما خرجوا بتلك الاجتهادات، لأن خروجها بالأساس كان عن حاجة علمية للمسلمين في تفسير (الغامض والمجهول)..
لا يمكن فهم الإسلام الخالص كما نزل على الرسول عليه السلام، بل يمكن فهمه وفقا لمعايير جاء بها الوحي..هذا هو المدخل الذي عن طريقه يتهذب المسلمون ويرتقوا روحيا وعقليا..
وطالما كان الفهم قائم على (المعيار) ولا يدعي أن لديه أصلا نقيا واضحا، فالخلاف (حتمي) وسينشق المسلمون حول فهم تلك المعايير وتطبيقاتها وأدلتها وطبيعة عملها في الحياة، لذلك نزل القرآن بأن الخلاف البشري طبيعي، وأنه لا يمكن إحداث شريعة واحدة ، قال تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات" [المائدة : 48]
أما الذي فعله السلفيون هو الذي أنتج الإرهاب والقتل الطائفي والفاشية الدينية، فمجرد قولهم بإسلام نقي خالص عند أئمتهم يعني طرد أكثر من مليار ونصف مليار مسلم من الإسلام، والقول بردتهم أو ضلالهم..
حتى فيما بينهم يضطرون لتكفير بعضهم بعضا، لأنهم عندما بحثوا (بشكل جدي) عن ذلك الإسلام النقي الذي زعموه (لم يجدوه) فادعت كل جماعة منهم أنها على الإسلام الصحيح والثانية على خطى الضلال والابتداع..فانشقوا وتحاربوا في عدة دول، والتيار السلفي نفسه من الداخل منقسم بشدة لفرق وجماعات تكفيرية حصرت الجنة لنفسها وشيوخها ومنعت الخلاص عن أي سلفي آخر لا يتبعها أو يؤمن بما تدعو إليه...
المطلوب أن يُعيد الفقهاء قيمة (المعايير) الضائعة..
المطلوب أن يُعيدوا للناس فضيلة الاجتهاد..
وأن يُعاد تفسير الألفاظ والمفاهيم العلمية من جديد، فالفقه الإسلامي والعقيدة والتفاسير والأحاديث اسمها (فهم بشري) وتدريس ذلك في الجامعات والمدارس والمؤسسات ينبغي وضعه تحت مسمى (فهم) وليس دين..
أما الدين هو ما اجتمع على فهمه كافة المسلمون من القرآن، ولم يختلفوا فيه كأركان وقطعيات وثوابت مثل (التوحيد والنبوة والمعاد والآخرة والعدل والجنة والنار والأخلاق والعمل الصالح..إلخ) أما أن يُطبق المسلمون ذلك فليست مسئولية الفقيه ولا الدولة ولا المجتمع بل مسئولية الفرد نفسه أمام الله، فهو الذي سوف يحاسب عليها وحده، وإجباره عليها تشريع فوري للنفاق والجهل..
إضافة تعليق جديد