خصوبة أراضي غوطة دمشق مهددة !
ما يثير الفضول هو أننا نسلّم – انطلاقاً من قناعاتنا – أن هناك رقابة ومتابعة من جهاتنا المعنية على صحتنا وسلامتنا، إلا أننا لا نجد مسوغاً لهذه الحالة التي تتملكنا جراء ما نكتشفه من أمور وحالات وأحوال تسير بنا وتمر علينا من دون دراية لما يحدث، وخاصة بعد اكتشافنا للمتاجرة بصحتنا على يد فئة من التجار والمزارعين ليمرروا صفقاتهم على حساب صحة المواطن، ويترجم ذلك انتشار العديد من الأمراض ومنها الكوليرا الناتجة عن تناول مياه ملوثة أو خضراوات مروية بمياه آسنة أو غير ذلك.
غوطة دمشق التي كانت تسمى رئة دمشق، كونها تعد السلة الغذائية المتنوعة نظراً للمساحة الزراعية الشاسعة التي كانت تزرع فيما سبق قبل الحرب على سوريا، تحوّل معظم ما تنتجه إلى سُم بفعل الرّي بمياه الصرف الصحي، حتى باتت خصوبة أراضيها مهددة كنتيجة طبيعية لاستخدام هذه المياه الملوثة.
منذ فترة خلت، اشتكى كثيرون من سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي من قبل بعض المزارعين في ريف دمشق، منها في عين حور مثلاً، إذ بات عدد منهم يستخدم مياه الصرف الصحي في السقاية، ويعود ذلك لتضرر أعداد كبيرة من الآبار التي كان يُعتمد عليها في تأمين السقاية، إلا أن هذا الإجراء لا يبرر فعلتهم، فيما تذرّع البعض الآخر بعدم توفر مادة المازوت لتشغيل المضخات لاستجرار المياه النظيفة، وبالتالي عدم توفر المياه للسقاية في ظل انقطاع الكهرباء، علماً أن أراضي الغوطة كانت تعتمد على نهري بردى والأعوج وبعض الينابيع الأخرى في ري المزروعات، قبل تدمير البنى التحتية خلال فترة الحرب على سوريا.
اليوم تطفو إلى السطح المشكلة نفسها، ولكن بمنطقة أخرى، حيث يناشد الأهالي في عدرا البلد المعنيين في محافظة ريف دمشق وفي اتحاد فلاحي ريف دمشق والموارد المائية وغيرهم، للنظر بواقع الحال لاستدراك الأمر، فمياه الصرف الصحي تشغل مساحات من الأرض، ومنسوبها مرتفع بشكل ملحوظ وواضح في بلدة عدرا البلد وما حولها.
ويعود السبب كما ننقل عن الأهالي إلى الصرف الصحي العائد من دمشق باتجاه الغوطة، مروراً بمشروع الصرف بعدرا البلد، أو بسبب استجرار الفلاحين لمياه الصرف وسقاية محاصيلهم، ما يؤثر سلباً على المياه السطحية بعدرا البلد، كما ويؤثر على صحة المستهلكين من المزروعات، إذ إن العديد منهم يأكل مما يزرع.
وطالب الأهالي بإيفاد لجنة لتقصي الأمر والكشف عن الآبار بعدرا البلد، مع ضرورة تحليل المياه غير الصالحة للشرب ولا لأي غرض آخر غير عمليات السقاية، لاسيما بعد معالجتها، إضافة إلى ذلك فإن استمرار تدفق المياه الآسنة سيؤثر على الأبنية وبيوت السكن في عدرا البلد.
محمد الكيلاني أحد فلاحي عدرا البلد ذكر أن المياه عبارة عن مستنقعات قديمة حديثة، وبسبب قِدمها تشكلت طبقة سوداء، علماً أن المياه تمر عبر نفق إسمنتي يتجه إلى محطة عدرا من أجل تكريرها، ثم تعود للأراضي وتصبح صالحة لسقاية المزروعات.
في المقلب الآخر، يؤكد عدد من الأهالي أن المياه ملوثة، فهي تدخل إلى محطة عدرا لكن من دون معالجة بسبب عدم وجود معدات جراء حاجتها للصيانة، لذا هناك تخوّف من ازدياد وانتشار الأوبئة وأمراض من سرطانات وكوليرا وغيرها، مشددين على أن الضرر لا يقتصر على أهالي عدرا البلد، إنما سيتعدى ذلك إلى الغوطة الشرقية ومن ثم ستصل الأضرار إلى العدد الأكبر من السكان، كما أشاروا إلى أن معظم الفلاحين يلجؤون إلى استخدام هذه المياه الآسنة في ظل نقص الكهرباء والمازوت لضخ المياه من أجل السقاية.
يذكر أن محطة عدرا التي كانت تجر كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي وتعالجها وتصرّفها بقنوات ري باتجاه مناطق دوما والغوطة الشرقية، كان الفلاحون يروون مزروعاتهم منها عبر قنوات من المياه المعالجة، لكن محطة عدرا تعمل اليوم بجزء من طاقتها التصميمية.
رد البلدية:
في رده على الشكوى، أوضح أولاً رئيس بلدية عدرا البلد المحيا الثلجي أن الأراضي المذكورة والتي تقع مقابل معمل “لميس”، إضافة للأراضي التي باتجاه الغرب من عدرا البلد، تقع خارج المخطط التنظيمي؛ أي أنها عبارة عن مزارع، وعدرا البلد كانت سابقاً عبارة عن مرج واسع مملوء بالمياه والمزروعات.
وأكد أن المياه الموجودة ليست ملوثة، وهي بعيدة عن السكن نحو 1 كم، إضافة إلى أنه جراء طبيعة الأرض فإن ضابطة البناء تسمح ببناء طابقين فقط، كون المياه على ارتفاع أمتار من سطح الأرض، كذلك نوّه بأن عدرا البلد تتغذى بالمياه من مشروع عدرا الموحّد الذي أحدثته المؤسسة العامة لمياه الشرب، ويخدّم المشروع كلاً من: تل صوان، وعدرا الجديدة، عدرا العمالية، عدرا البلد والثنايا.. وتصلهم المياه من جبال الثنايا، وحول المساحات المزروعة لفت إلى أنها تصل لما يقارب الـ 4000 دونم قمح.
الأمر نفسه أكده أمين الفرقة الحزبية خالد المحمود بحديثه مبيناً أن المياه صالحة لكل شيء من سقاية وتنظيف..، باستثناء الاستعمال البشري، علماً أن المياه الآسنة تمر عبر قناة إسمنتية وهي مغلقة ولا تسرّب المياه، مضيفاً أنه منذ عام 2012 المياه موجودة بالمنطقة، وسيتم بالتعاون ما بين البلدية والفرقة الحزبية، والمجتمع الأهلي، ضخ المياه الموجودة إلى الحقول الزراعية وسقايتها.
وبمقارنة بسيطة نلحظ تضارب في الآراء، لذا الجميع بانتظار تدخل الجهات المعنية للكشف عن ملابسات القضية، وطمأنة المواطنين، حتى لا يبقوا في حالة تخوّف مما يتناولونه من محاصيل، والتي تشكل أيضاً غذاءً لحيواناتهم، وهناك من سيأكل من لحوم هذه الحيوانات وبالتالي ستزداد دائرة الضرر لتطال أعداد كبيرة من الأهالي.
اثر برس
إضافة تعليق جديد