من هم الرواة الكاذبون ؟
سامح عسكر: خدعوك فقالوا أن نقد الأحاديث بدعوى كذب الرواة هو طعن في الراوي.. قلت: ياعزيزي ..ليس كل الكذب متعمد، بل هناك كذبا يحدث عن غير عمد. الإنسان يكذب عن غير عمد في ثلاثة أحوال:
1- حسن الظن بالراوي أو ناقل الخبر، وهو ما يسميه فقهاء الحديث (بالثقة العدل الضابط) فإذا جاء الخبر عن شخص بهذا الوصف فهو حديث مقبول..برغم أن مصدر هذا القبول مجرد حسن ظن فقط لا تحقق علمي مؤكد باتصال الراوية، وهذه من أهم الثغرات التي تعتري ما يسمى علم الحديث بالمطلق، فمن يصفوه بالثقة الضابط العدل قد يكذب لأسباب شخصية غير مُعلنة أو ينقل عن من لا تتوفر لديه تلك الصفات..
2- ضعف إدراك..فالإنسان يكذب بطريقة غير متعمدة بناء على حدود معلوماته وإدراكاته، وهناك فئة من الناس كبيرة لا أبالغ إذا قلت أنها (الأغلبية) هي محدودة عقليا وإدراكيا، فيسهل عليها تصديق الكذب ونقله بناء على توهمهم بالصدق..وهذا الشخص معروف شعبيا بوصف (المُغفّل) أي المخدوع لأن آخر قد غفّله ، ووصف آخر هو (الساذج) أي محدود العقل والغبي والأبله..
3- فقدان التمييز، وهذا الشخص قد يكون سليم إدراكيا لكن تمييزه بين الجائز وغير الجائز بسيط، وهذه الفئة من الناس مشهورة بالخرافة ونشرها للقصص والحواديت غير المنطقية، لكن تصدقها لأن المساحة بين الجائز أن يكون وغير الجائز (معدومة) فبمجرد أن ينقل آخر خبرا أو معلومة تصبح لديه مقبولة بناء على ارتياحه الشخصي لها وتخيلها (واقعيا) في ذهنه رغم أنها في الأخير مجرد (وهم)..
هؤلاء ثلاثة صنوف من الناس ورواة للأحاديث يكذبون عن غير عمد، وعمليا يستحيل التحقق من صدقية رواياتهم إذا اشتهروا بين الناس بالعلم والثقة لمجرد الخطابة والفصاحة والكلام المنطقي، لذا فأغلب من يوصفون في علم الرجال (بالثقة الضابط العدل) هم في الواقع شخوص مجهولة ويكذبون بطريقة متخفية لا يمكن الحكم عليها بناء على سمعة الراوي، ومن هذا المنطق عارض جمهور المعتزلة الأحاديث ورفض الإمام الأعظم "أبي حنيفة النعمان" العمل بها، لأن الانشغال في هذا الطريق سوف يؤدي بالنهاية إلى طريق مسدود يُبعد القاضي والفقيه عن العلم والعدل والدين..
أما الكذابين عن عمد فمنهم فئة كانت تفعل ذلك بناء على (حسن نواياهم) فليس كل من كذب من الرواة كان أنانيا ويسعى لتحقيق مصالح شخصية، لذلك فالأٍسلم حين يتعامل المسلمون مع الأحاديث أن يتناولوها من حيث (المتن) والنقد العلمي والعقلاني لها، وعرضها على القرآن ..فإذا توافق هذا العرض بشكل مؤكد قاطع لا شك فيه كان بها..وأما دور العقل والعلم هنا هو تعيين الأصلح والأنفع للناس، فليس كل مباح في الشرع يُرجى فعله، وقد استقر في أذهان الفقهاء والأصوليين المتقدمين أن للإمام سلطة (منع المباح إذا تحققت به مفسدة لا تقوم إلا به) فهدف الدين بالنهاية هو المصلحة العامة..فأيما كانت مصالح الناس العامة كان الدين..
إضافة تعليق جديد