ما هي عقوبة من يزدري الإسلام ؟
د.سامح عسكر:
وصلني سؤال من صديقة على بريدي: أستاذ سامح أنت شخص ليبرالي وفي نفس الوقت مسلم، فما هي عقوبة من يزدري الإسلام عندك؟ فغير معقول أن تترك كل من هب ودب أن يطعن في الإسلام ويستهزئ به وأنت صامت؟
قلت: صديقتي العزيزة ، سبق ورديت على هذا السؤال في عشرات المقالات والمحاضرات واللقاءات، ولكن لا مانع من الجواب بطريقتي البانورامية كالعادة:
أولا: الإسلام يؤمن بحرية الرأي والتعبير (السلمية) ولا يعرف أي عقوبة على الرأي السلمي مصداقا لقوله تعالى "لا إكراه في الدين" و "لست عليهم بمسيطر" وغيرها عشرات الآيات التي باتت معروفة وتأمر باحترام حرية عقائد الناس..فكلمة "عقوبة من يزدري الدين" هنا ليس لها أساس في الشرع سوى عند الجماعات الإرهابية التي تقدم الأحاديث الملفقة والمكذوبة على كتاب الله..
ثانيا: السنة النبوية الحقيقية تُؤخذ من القرآن لا من الأحاديث والروايات كما يفعل الإرهابيون ومعظم شيوخ هذا الزمان، فالسنة تعني الطريقة والمنهاج..ولا شك أنه لا أوثق ولا أوضح من طريقة ومنهاج النبي المأمور بها في القرآن ، ولأنها النص المتواتر الوحيد المجمع عليه بين كل طوائف المسلمين، فتعريف السنة هنا هو الذي يحدد جوابك واتجاهك حول ما إذا كانت هناك عقوبة للازدراء أم لا، وبالطبع لو كانت السنة لديكي هي الأحاديث الملفقة والموضوعة سوف يكون الجواب: نعم هناك عقوبة للازدراء تصل لحد القتل مثلما نسبوا للنبي قتله لليهودي "كعب بن الأشرف"
علما بأن هناك قصة أخرى تثبت تسامح النبي مع "مربع بن قيظي" الذي فعل ما فعله كعب بن الأشرف بالضبط من شتم وسب للنبي، لكن الفقهاء جعلوا قصة مربع بن قيظي في بند (المناقب) بينما وضعوا قصة كعب بن الأشرف في بند (الشريعة) وهذا من سوء صنيع الفقهاء بالقرون الوسطى، لأنهم فعلوا ذلك بناء على أمر السلطان كي يقتل معارضيه بتهمة الردة أو الازدراء بالأدلة الشرعية، أي ما توارثناه من عقوبة ازدراء الإسلام في التراث ما هو إلا صنيعة للحكام لا غير، وتصرف سياسي بحت لا علاقة له بالدين..
ثالثا: السنة النبوية للتعامل مع ازدراء الإسلام هي (الترك والهُجران) مصداقا لقوله تعالى "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" [الأنعام : 68] وقوله أيضا "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " [النساء : 140]
وكلمة "حتى يخوضوا" تعني أن الهُجران (مؤقت) وليس دائما، وشرطه التوقف عن فعل الازدراء ، ولفظ "حتى" يفيد الزمن في السياق فمتى توقف فعل الازدراء يتوقف الهجر، وفي ذلك حكمة إمكانية التواصل، لأنه لا تواصل ولا نقاش في ظل تعصب وطعون واستهزاء وكأن القرآن يُعلّم المسلمين طريقة حوار موضوعية متحضرة يكون فيها الطرفين هادئين ومستعدان للحوار وقبول الأدلة ومناقشتها دون عدائية..
رابعا: كلمة ازدراء الإسلام تعني (الطعن والاستهزاء) به، وهذا يعني أن (نقد الإسلام موضوعيا وعلميا) ليس ازدراءا بل هو من قبيل حرية الرأي، ونقاش المختلف بالرأي حينها واجب على المسلم وحمايته أيضا واجبة بصفته إنسانا حائرا يبحث عن الحقيقة..أو بصفته ناقدا من منظور ديني آخر يستحيل إقناعه أو التوصل لنقطة اتفاق، والسنة هنا هي التوقف تحت قاعدة "لكم دينكم ولي دين" ثم يكون التعايش مع ذوي الأديان الأخرى ، فجميعنا بشر لنا حقوق وعلينا واجبات والفضل يكون بالعمل والتقوى والنفع العام..
أما ما يحدث الآن من عقاب كل من يدلي برأيه سواء (نقدا علميا موضوعيا للإسلام) أو (طعن واستهزاء به) فهو مخالفة للسنة النبوية المثتبة، وانحراف صريح عن الإسلام ومنهج القرآن في التعامل مع المخالفين، واعلم أنه لولا سطوة الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية وشيوخ الهستيريا العدائية ما انحرف المسلمون في تفسيرهم للسنة إلى هذا الحد من الفجاجة والعدائية والفُجر بالخصومة..
إضافة تعليق جديد