عشيرة الزعبي بدرعا ينوون رفع دعوى على فريق فيلم خيمة 56
كتب المحامي عارف الشعال حول رفع دعوى على فريق فيلم خيمة 56:
تواصل معي أكثر من شخص من أهلنا الكرام في درعا من عشيرة “الزعبي” المحترمة، وطلبوا قبول الوكالة عنهم، ومقاضاة من أنتج وساهم بفيلم (خيمة 56) حيث اعتبروا محتواه يشكل إساءة بالغة لأهالي المحافظة الكريمة، وطلبوا ترتيب كافة التبعات القانونية عليهم واتخاذ الإجراءات القانونية لمنع عرضه، وأبدوا استعدادهم التام لتأمين وتسديد نفقات التقاضي والأتعاب.
بعدما شاهدت الفيلم وقلبت الأمر من الأوجه القانونية العديدة، رأيت التالي:
لا يمكن اتخاذ إجراء سريع لوقف عرض الفيلم، لأننا لسنا أمام حالة اعتداء على حقوق ملكية فكرية أو حقوق مؤلف، ناهيك عن استحالة التواصل مع الشركات المالكة لمنصات التواصل العالمية التي نشرت الفيلم، لوقف عرضه تنفيذاً لحكم قضائي سوري.
أما بالنسبة للدعوى التي يمكن إقامتها بسبب هذا الفيلم فنحن بين خيارين اثنين:
إما دعوى جزائية تستند لأحكام قانون العقوبات، أو دعوى مدنية تستند لأحكام القانون المدني.
أولاً: بالنسبة للدعوى الجزائية: (وهي الدعوى الأنسب في هذه الحالة)
نظرياً يمكن ملاحقتهم بجريمتي التعرض للآداب العامة والأخلاق العامة (المادتان 517 و518 عقوبات)
حيث تعتبر الآداب أو الأخلاق العامة في مجتمع ما ((القواعد السلوكية، أو مجموعة الشمائل المهذبة التي تعارف الناس عليها في ذلك المجتمع نفسه، وهذه القواعد أو الشمائل إنما تختلف باختلاف المجتمعات كبراً وصغراً، ورقياً وتأخراً، وإنما تختلف أيضاً باختلاف الزمن طولاً وقصراً…
فقد عاقب المشرع على التعرض للآداب والأخلاق العامة لفرض احترام الآداب والأخلاق التي اعتاد الناس على إلزام نفسهم باحترامها وأصبحوا يتأذون من الجرأة على انتهاكها.
وقد أراد المشرع بها حماية الجمهور من رؤية الأفعال أو المظاهر الجنسية التي تقضي الآداب الاجتماعية بالامتناع عنها أو التستر عند إتيانها، وأراد حمايته أيضاً من سماع الألفاظ المنافية للأخلاق القويمة ومن رؤية المناظر القبيحة أو المثيرة للغرائز والشهوات…
حيث يعتبر تعرضاً للآداب العامة، أي مساس، أو تحد، أو إيذاء، أو سخرية، أو عدم مبالاة بقواعد السلوك التي تعارف الناس على احترامها وأصبح انتهاكاً يؤذي شعورهم العام، الشعور الذي يؤذي عدد غير محدود منهم، لا شعور فرد أو أفراد معدودين، ولا يهم إن كان أولئك الناس موصوفين، أو محصورين بفئة، أو طائفة، أو محلة، أو مدينة، طالما أنهم غير معينين بالذات))
{د. عدنان الخطيب، شرح قانون العقوبات، القسم 2، ص298 وما بعدها}
هذا المفهوم الفقهي لهاتين الجريمتين يسمح بسلوك الطريق الجزائي وتجاوز التحديات القانونية والقضائية التي يطرحها محتوى الفيلم حيث لا يحتوي أي مشهد إباحي أو يتضمن إثارة جنسية، وهو لا يحض على أي علاقة جنسية غير مشروعة خارج إطار الزواج، وباستثناء لفظتين نابيتين تفوه بهما البطل مرتين بالفيلم، هو يتعرض لصعوبات ممارسة الحياة الحميمة الطبيعية بين زوجين، وبالتالي يبقى التحدي في الدعوى إثبات أن المجاهرة بهذا الأمر في الفن يؤذي الشعور العام في هذه المحافظة، لأن فكرة تجريم التعرض للأخلاق والآداب العامة هي حماية الشعور العام من أن يتأذى من الجرأة على القواعد والآداب والفضائل التي تعارف الناس على احترامها، بدافع من دينهم أو عاداتهم أو بحكم التفكير السليم أو الأخلاق الفاضلة.
{المرجع السابق، ص338}
ولكن تبين أن الفيلم أنتج عام 2018، وبذلك تكون العقبة التي تقف بوجه إقامة الدعوى الجزائية أن الجريمة سقطت بالتقادم كونها جنحة، فضلاً عن أنه صدر منذ ذلك الوقت حتى الآن أربعة قوانين عفو شملتها، وبذلك يكون الطريق الجزائي مغلق.
ولكن، حتى لو لم يكن هذا الطريق مغلقاً، هناك سؤال جوهري لا يمكن لي كمحام إلا أن أفكر فيه:
ماذا لو قرر القضاء الجزائي عدم مسؤولية المدعى عليهم؟ وأن الفيلم لا يعتبر تعرضاً للأخلاق أو الآداب العامة؟ وكيف سيكون وقع هذا القرار على أهالي المحافظة الكريمة وكيف ستكون نظرتهم للمؤسسة القضائية في ظل حالة الشعبوية ضد الفيلم التي سادت بين الأهالي هناك!!
ثانياً: بالنسبة للدعوى المدنية:
يمكن ملاحقتهم أمام القضاء المدني استناداً لأحكام المسؤولية التقصيرية وكل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض (المادة 164 مدني) والاتكاء على فكرة أن الخطأ هو انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي، وبالتالي من غير المألوف في بيئة محافظة أن يتحدث الشخص العادي (رجل أو امرأة) بين الناس عن علاقته الحميمة بزوجه ويثير الصعوبات التي يواجهها بممارسة هذه العلاقة علناً بين الآخرين وكأنه يتحدث في موضوع حياتي عادي، وأن ذلك يعتبر خادشاً للحياء في هذا المجتمع!
ولكن تقف بوجه هذه الدعوى أيضاً عقبة سقوطها بالتقادم الثلاثي للعمل غير المشروع، وحتى لو استطعنا تجاوز هذه العقبة بأن التقادم مقطوع بطريق ما، لا يمكننا مواجهة الحائط القانوني المنيع المتمثل بوجوب توافر الصفة والمصلحة بالمدعي، وهو الشرط الجوهري لقبول الدعوى شكلاً، إذا لا ينظر القضاء المدني بدعوى قبل أن يسأل المدعي عن صفته، وما هي مصلحته المباشرة في إقامتها.
لذلك اقترحت على من تواصل معي، عدم اللجوء للقضاء ومعالجة الموضوع من الناحية الاجتماعية.
إضافة تعليق جديد