بورصة الدروس الخصوصية تحصد أرقاماً خيالية
تعدّ مرحلة الامتحانات النهائية لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية من أهم المراحل التي يمر بها الطلاب على اختلاف مستوياتهم الدراسية ولاتخلو هذه المرحلة من الضغوط المتعددة التي ترافق الطلاب والأهل على حد سواء منها المادية وتندرج الدروس الخصوصية كأبرزها، والمعنوية التي تضع الطالب في موقف محرج بين إمكانياته من جهة ورغبات أهله وأقاربه ومحيطه من جهة أخرى فلماذا تفاقمت ظاهرة الدروس الخصوصية في الأعوام الأخيرة ؟هل بسبب صعوبة المناهج أم بسبب حجب المعلومة من قبل المدرسين؟ من الذي يحدد سعر الساعة الدراسية الخاصة وهل للمنطقة والأستاذ علاقة باعتبار الدروس بورصة؟ هل يعتبر الأهل أنّ علامات الطب والصيدلة أفضل من غيرها ولماذا؟ لماذا يتجمع الأهالي أمام المدارس في الامتحانات في ظاهرة لم تكن موجودة من قبل؟ هل آباء هذا الزمن أفضل من آباء الزمن السابق أم أنّ المسألة هي ثقة الطالب بنفسه وبقدراته؟ لماذا نشاهد حالات وفيات لطلاب الشهادتين هل بسبب ضغوط الأهل أو الخوف من الفشل والنتائج وانعكاساتها؟
*ضرورة ملحة..
سامي “علي طالب” في الثانوية العامة الفرع العلمي أكد أنّ الدروس الخصوصية مهمة ولايمكنه الاستغناء عنها فهو لايستوعب كافة المعلومات في صفه وذلك بسبب صعوبة المنهاج حسب وصفه إضافة لأعداد الطلاب الكبيرة في الشعبة الواحدة، لذلك لابد من إعادة المنهاج مع أساتذة مخضرمين حسب وصفه ومضيفاً أنّه يعيش وفق ضغوط كبيرة بسبب الامتحانات فهو يخاف من الامتحان ويحسب له ألف حساب لأنّه أمل أهله في حصوله على علامات عالية حتى(لايشمت فيهم الأقارب) بعد كل ماقدموه خلال العام الدراسي من تكاليف باهظة من دروس ومعاهد وغيرها .
*صعوبة المناهج..
“يزن صالح”: طالب في الصف التاسع الأساسي بين أنّه يضطر لأخذ بعض الدروس الخصوصية وخاصة في مواد اللغات والرياضيات بسبب صعوبة المناهج لذلك لابد من أخذ درسين أو ثلاثة كل أسبوع وذلك للتأكد من فهمه لكافة الدروس.. وأضاف لايمكنني أخذ دروس باستمرار بسبب التكاليف المرتفعة لأن أبي موظف وأمي لاتعمل ولاتقل أجرة درس عن /١٥/ألف ليرة سورية في المناطق العشوائية هذا وتكون محظوظاً إذا استطعت الحصول على موعد من أحد الأساتذة في منطقة راقية ويجب أن تضع باعتبارك أنّ أجرة الدرس للساعة الواحدة لاتقل عن خمسين ألفا حسب قوله.
*راحة نفسية وثقة كبيرة..
“رشا سالم”: طالبة في الثانوية العامة الفرع الأدبي ترى أن الدروس الخصوصية تعطيها ثقة غير محدودة بنفسها وتشعر بسعادة وراحة كبيرة حيث تصلها الفكرة واضحة موثقة ومفهومة من أساتذتها وخاصة الفلسفة واللغات ويتابعها أساتذتها بحل دوري لأسئلة الدورات وتسميع دائم لتشعر بعد ذلك أنها جاهزة للامتحان بشكل جيد، لذلك ورغم معرفتها بغلاء الأسعار بالنسبة للدروس الخصوصية إلا أنّها تجد أن لامفر من ذلك للنجاح واجتياز المرحلة بسلام وأمان وانتهاء رحلة (البكالوريا)التي وصفتها بالمأساوية فهي لاتريد أن تفشل في أول تجربة أمام أهلها ومجتمعها .
*برستيج اجتماعي..
“هيام” أمّ لطالب في الثانوية العامة أكدت أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية تعتبر بريستيجاً اجتماعياً لايمكن التخلي عنها حيث تعتبر وسيلة الأهل للتباهي بالحصول على وقت لدى الأستاذ الفلاني للمادة الفلانية ليعطي أبناءنا دروساً بأسعار خيالية ورغم كل ذلك لايمكننا أن نتنازل عن رغبتنا بحصول أبنائنا على مجموع محترم حسب رأيها يليق بما دفعناه خلال العام الدراسي مؤكدة أنها لاتقبل أقل من الطبية لابنها ليؤمن مستقبله الذي تراه قاب قوسين. وأضافت الأهم هو التفوق والحصول على درجات تامة .
*كثافة المناهج..
“أبو أمجد” لديه شهادتان (تاسع وبكالوريا)أكد أن صعوبة المناهج وكثافتها تضطر الأهل إلى اللجوء للدروس الخصوصية وخاصة الشهادات مؤكداً أنّ صعوبة المناهج تجبر الأهل (مكرهاً أخاك لابطل)على التوجه للدروس الخصوصية بدءاً من مرحلة الحضانة وحتى ينال شهادة الثانوية العامة مضيفاً أنّ بعض المدرسين يحجبون المعلومة ليضطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية بأسعار خرافية حسب قوله مقارنة بالدخل والمستوى المعيشي ولكن للضرورة أحكام حسب قوله فهو يرى تخطي أبنائه لهذه المرحلة هي بداية انطلاقهم .
.
*خوف الأهل غير مبرر..
“سليمة أحمد” أكدت أنها لاتلجأ للضغط على أولادها للحصول على درجات تامة مؤكدة أنها تتابعهم بشكل دقيق وهم يقدمون كامل إمكانياتهم.. مضيفة كيف يمكن أن أطلب منهم حمل وزن زائد وهم لايستطيعون. وأضافت نقرأ في كل عام عن حالات موت مفاجئ بسبب الجلطات الدماغية والقلبية لطلاب شهادات أساسي وثانوي مرجعة ذلك إلى خوفهم من الفشل ومن نظرة أهلهم وأقاربهم وضغطهم الشديد غير المبرر لذلك يدفعون حياتهم ثمناً لذلك مؤكدة أنها تهتم بصحة أبنائها ولاتطلب منهم فوق طاقتهم حسب قولها.
*فصل العلوم عن الفيزياء والكيمياء..
“سراب” مدرسة لمادة العلوم وأم لطالبة في الصف التاسع تشير إلى ضرورة فصل مادة العلوم العامة بقسميها الأحياء والفيزياء والكيمياء ووضع كل مادة في يوم لوحدها، فالمناهج كثيفة ووضع مادة العلوم العامة في يوم واحد يزيد من الضغط على الطالب والأهل سواء وبررت انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بكثافة إلى الغيرة في كثير من الأحيان إضافة إلى صعوبة المناهج وكثافتها وغير ذلك الأعداد الكبيرة للطلاب في الصف الواحد كل ذلك يؤدي لتشتت ذهن الطالب وعدم وصول الفكرة الكاملة إليهم.
* تدني الأجور..
“لؤي” مدرس لمادة الرياضيات يؤكد أن سبب اللجوء للدروس الخصوصية هو ترهل الكادر التعليمي معتبراً أن مايتقاضاه من راتب شهري لايعادل سوى ساعات قليلة لاتتجاوز ثلاث ساعات يومية يقضيها في الدروس الخصوصية، وهو يعتبر أن المدرسة تضيع له وقته.. مضيفاً يقوم بعض الطلاب بالتعطيل على رفاقهم فهناك تفاوت بين الطلاب مشيراً إلى وجود عدد من الطلاب يأتون إلى المدرسة رفع عتب لا أكثر وآخرين لديهم دروس خصوصية ومعاهد في البيت وآخرين يضطرون للحضور والفهم حيث لا امكانية لأهاليهم لوضعهم ضمن معاهد أو دروس خصوصية.
*بين الحاجة والطمع..
“عبير: لديها طالبة في الثانوية العامة تؤكد أنها تعاني من ماراتون الدروس الخصوصية.. وتضيف الأهل والطالب بحاجة للدروس وبعض الأساتذة يستغلون حاجتنا ويطمعون فهم على علم مسبق برضوخنا لأي مبلغ يطلبونه مقابل جلوسهم مع أبنائنا لساعة وأشارت إلى أنّها تدفع ثمن الساعة الواحدة لمادة اللغة الفرنسية عشرين ألف ليرة سورية وهذا أقل سعر حصلت عليه، أما بقية المواد فتصل سعر الساعة الواحدة إلى أربعين ألف ليرة سورية كالرياضيات والفيزياء باعتبارها مواد علمية وكثيفة وصعبة الفهم وتعتبر حجر الأساس لتفوق الطالب، مؤكدة أن وزارة التربية منعت الدروس الخصوصية العشوائية والتي لاتراعي شروطا ولا ظروفا ومع ذلك يضرب المدرسون بالقرارات عرض الحائط ويطلبون مبالغ غير منطقية ولكننا مضطرون و(مافي باليد حيلة) حسب قولها .
*تشبه مسكن الألم..
“أحمد عثمان” مرشد اجتماعي أكد أنّ الأسباب وراء انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية كثيرة ومتنوعة يأتي في مقدمتها انخفاض أجور المدرسين ولايمكن إغفال جشع بعض المعلمين والمدرسين ورغبتهم ببناء حياتهم على حساب غيرهم وهم قلة قليلة ولكنهم موجودون حسب قوله
ويرى “عثمان” أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية موجودة منذ زمن ولكنها تفاقمت وأصبحت رائجة في السنوات الأخيرة معللاً ذلك بعدم تأسيس الطلاب منذ المراحل الاولى وعدم فعالية التعليم إضافة إلى إنشغال الأهل عن أبنائهم بتأمين الاحتياجات اليومية والبقاء خارج المنزل لوقت طويل وصعوبة المنهاج وعدم قدرة الأغلبية الكبيرة على مواكبة ومتابعة أولادهم.. وأضاف هناك معلمون ومدرسون غير مؤهلين لإيصال المعلومة لذلك يلجأ الأهل مرغمين للبحث عن سد الفراغ وتدارك النقص لضمان مستقبل أولادهم من وجهة نظرهم مشبهاً الدروس الخصوصية بمسكن الألم الذي ينسي الألم لفترة ولكنه لايعالجه.
* الاتكالية والتقليد..
وعن رأيه حول سبب تجمع الأهالي أمام باب المدارس أثناء الامتحانات أكد عثمان أنّ الطالب تعود على الاتكالية والاعتماد على غيره لذلك تراه خائفاَ متوتراً وهذا طبيعي في الامتحانات ولكنه يشعر بثقة كبيرة مع مرافقة أهله له وانتظارهم له مؤكداَ أنّها ظاهرة تتفاقم وتزداد حيث تطورت هذا العام إلى جلسات تسلية مع اصطحاب الطعام والشراب وغير ذلك.
*تقليد الأقران ..
تؤكد مدير الإشراف التربوي في وزارة التربية “إيناس ميّه” أنّ أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية تعود لأسباب عديدة فمن جهة المتعلم قد يكون الغياب أو الاتكالية وعدم الاعتماد على النفس وتقليد الأقران أو الاهمال وعدم تنظيم الوقت إضافة لاختياره تخصصا لايتناسب مع قدراته مضيفةً هناك أسباب تعود للمدرسين فبعضهم لايتمكن من اكتشاف جوانب الضعف لدى طلابهم إضافة إلى عدم مراعاة الفروق الفردية وللأهل دور مهم ايضاً فهم ينشغلون في اعمالهم وبالتالي هناك ضعف في إشرافهم على دراسة أبنائهم إضافة لعدم تعاون الأهل مع المدرسة لمعرفة احتياجات الطالب .
*مخالقة للأنظمة والقوانين..
وفيما يخص شروط إعطاء الدروس الخصوصية ومراقبتها من قبل الوزارة أكدت “ميّه” أنّ الدروس الخصوصية مخالفة للأنظمة والقوانين المعمول بها في وزارة التربية.. مضيفة لاتضع وزارة التربية ضوابط مالية لهذه العملية معتبرة أنّ ذلك يعتبر شرعنة لهذه الدروس. وأضافت تعمل وزارة التربية مع منظمة شبيبة الثورة ونقابة المعلمين على رفع سوية الطلاب من خلال دورات تقوية للمقصرين منهم بأجور رمزية كما تقدم الوزارة دروساَ تعليمية مجانية عبر وسائل الإعلام ممثلة بالفضائية التربوية والمنصات التربوية المنتشرة في عدة محافظات مشيرة إلى أنّه يدير ويقدم هذه الندوات خبراء في جميع الاختصاصات.
وأشارت “ميّه” إلى أنّ وزارة التربية وعبر ندوات توعوية تؤكد على الحد من القلق الامتحاني من خلال اختصاصيين في التربية والإرشاد النفسي.
أمّا ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس العامة وتسجيلهم حضورا إلى المعاهد فقد أشارت مدير الإشراف التربوي إلى أنها مخالفة للقوانين ويتحمل مسؤولية ذلك مديرو المدارس حيث يعتبر ذلك هدراً للمال العام، ولذلك يخضعون للمساءلة من قبل الوزارة كونهم يسهمون في تسرب الطلاب من المدرسة.
الثورة
إضافة تعليق جديد