عن وهم المعرفة الشاملة عند رجال الدين
د. سامح عسكر:
يوجد في علم النفس ما يسمى "وهم التفوق" واصطلح عليه بالإنجليزية Dunning Kruger effect وهو تحيز معرفي يعاني صاحبه من المبالغة في تصور قدراته وتفوقه على الجميع، برغم أن كفاءة هذا الشخص وعقليته محدودة..
وهم التفوق للأسف يصيب معظم رجال الدين، والتكفيريين منهم بالخصوص..وفي رأيي أن أكثر شيخ كان مصابا بهذا المرض هو الشيخ "ابن تيمية الحراني" حيث كان يصور نفسه في كتاباته بالعبقري والسوبر مان الذي يفحم الخصوم بسهولة، برغم أن قدراته العقلية كانت محدودة وسبق شرحت كيف أن هذا الرجل محدود خلافا لكتاباته عن المنطق، حيث كان يخطئ رجل القش" كثيرا وهي مغالطة منطقية شهيرة ملأت كتبه ، ومغالطة رجل القش تعني أن ابن تيمية كان يصنع من أعدائه صنما كاذبا يظل يرجمه بالحجج..بينما هذا الصنم غير موجود ولا خلاف مع تلك الحجج أساسا، أي كان يكذب على خصومه ليقوّي حجته ويجد كلاما في الرد عليهم..وله سبعة كتب شهيرة معظمها رجل قش وهي (منهاج السنة – الفتاوى الكبرى – جواب الاعتراضات المصرية – تلبيس الجهمية – الفتاوى الحموية – الصارم المسلول – والرد على المنطقيين..وغيرها) كل هذه الكتب بها أقوال لخصوم مجهولين وأقوال تافهة يتصدى لها ابن تيمة بوصفه عالما متبحرا بينما عند التحقيق لا نجد من قالها..
ومثال بسيط على ذلك قولي مثلا على ابن تيمية: لقد قال أن السماء ذات شكل مربع ، وجوابي أن السماء يمتنع عنها الحد فهي حادث نوعي يلزمه بيان العقل ..وهكذا، بينما في الحقيقة ابن تيمية لم يقل ذلك ولا أحد غيره..بل قول غبي تافه لا يصدر من عاقل طرحته فقط لأثبت أنني عالِم ومذهبي الديني صحيح..قس على ذلك هذه الكتب فأكثرها كذب وتوهمات وخيالات من عند ابن تيمية دسها على خصومه..
حتى كتابه "درء تعارض العقل مع النقل" ظاهره العلم وباطنه الجهل والكذب..وفيه تشريع لمذهب الجبرية والمشبهة وأدلته كثير منها رجل القش والتوسل بالمجهول والأغلبية والمصادرة على المطلوب وأخطاء منطقية كثيرة وقع فيها ابن تيمية لتمسكه بمذهب ابن حنبل وقبول مرسل الصحابي ومحاولته إخراج كل ذلك في صورة عاقلة خدعت أتباعه، وبعد انتشار كتبه بفعل المال والسياسة وَهَمت جيلا كبيرا أنه كان شبيها بالأنبياء وربما فوق الأنبياء..!
يبقى القول أن مصدر مرض "وهم التفوق" النفسي أمرين اثنين:
الأول: الكبر والغرور والشعور بالقوة والسلطة..وهذه المشاعر يكسبها المتطرفون إذا شعروا بالقبول المجتمعي والدعم الذي يتلقوه من السلطات، لذلك فالمتطرف دينيا يحرص أولا أن يظل هذا القبول على حالته كي يظل شعوره بالنشوة دائما، ومن يهدد هذا القبول المجتمعي يخاف منه فورا ويشعر بالتهديد..وهذا سر من أسرار انتفاضة التكفيريين ضد المثقفين لأنهم شعروا بتهديد هذا القبول لهم مما يساويهم بغيرهم من الفئات المهمشة..
الثاني: تقييم ذاتي غير دقيق عن الآخر..ومصدر ذلك هو التعصب والجهل وبناء معلومات كاذبة عن الغير، ولو اضطرته الظروف لسرد المعلومات الحقيقية عن الآخر لن يسمح سوى بالتشويه ويبتعد قدر استطاعته عن الإنصاف، حيث وبإنصاف هذا المريض لخصومه لن يشعر بالتفوق ، لذلك جاءت الأديان تعالج هذه الآفة كي لا يقع المتدين في فخ من سبقوه، وأمرته بالتحقق والاستبيان بشكل دائم، وأن لا يصدق أي معلومة وإشاعة سوى بعد البحث عن مصدرها.
إضافة تعليق جديد