أغرب الأسلحة في التاريخ الحديث
مثلما تطورت تقنيات الاتصالات ووسائل النقل ووسائل التعليم وغيرها من مناحي الحياة، تطورت أيضًا الأفكار المبتكرة في عالم آخر هو عالم أدوات الحروب والصراعات المسلحة، بما أنها واحدة من الطرق التي لم يتخلّ عنها الإنسان لحسم النزاعات أو في فرض نظام معين.
وفي محاولة لحصد نتائج مبهرة أو إيجاد فرصة للوصول إلى القدرة القصوى على تحقيق الهدف الأساسي في الحروب وميادين الحروب السرية (الاستخبارات)، كانت هناك الكثير من الأفكار لأسلحة بعضها خرجت عن النطاق التقليدي، وحاولت التعامل مع غير المألوف، ومن بين العديد من هذه الابتكارات يتناول تقريرنا أغربها.
1- مسدس الأزمات القلبية
أحد أغرب الابتكارات في عالم الأسلحة، وربما أكثرها شهرة في أوساط عوالم أجهزة الاستخبارات كان مسدس الأزمات القلبية، والذي انتشرت قصته بالاقتران مع التحقيقات في أحد أشهر الفضائح السياسية في التاريخ؛ وهي فضيحة الفساد الرئاسي للرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون» والتي عرفت إعلاميًا بفضيحة «ووتر جيت».
ففي أثناء التحقيقات في فساد حكومة نيكسون الجمهورية، تقدم السيناتور الديمقراطي (فرانك تشرش) بطلب تحقيق في هذا السلاح السري الذي استخدمته أحد البرامج السرية لجهاز الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) عرف باسم MKNAOMI وكان يتمحور حول ابتكار طرق جديدة للحروب النفسية والاغتيالات السياسية.
وفي هذا التحقيق أحضر السيناتور الأمريكي «تشرش» نسخة من هذا المسدس أمام المدعي العام الأمريكي، وطالب بالتحقيق فيه، وكان المسدس عبارة عن مسدس قاذف للأسهم بقوة ضغط شديدة، أما السر وراء غرابته هو أنه كان يطلق طلقات أسهم صغيرة مصنوعة من أحد أشد السموم فتكًا والذي يستخرج من أحد أنواع المحار البحري؛ أما السهم نفسه فكان مصنوعًا بالكامل من مادة عضوية -ليست بلاستيكية- تذوب بسرعة شديدة لدى اختراقها الجلد عند الإصابة ومن ثم تصيب الضحية بأزمة أو هبوط قلبي حاد في غضون ثوان.
وتردد أثناء التحقيقات أن هذا المسدس تحديدًا كان من بين المقترحات التي قدمها الجهاز لإدارة نيكسون الأمريكية لتكون وسيلة اغتيال للزعيم الكوبي «فيدل كاسترو» والذي احتل مكانة بارزة في صفحات التاريخ بوصفه أكثر رئيس أرادت أمريكا التخلص منه عبر قرابة 600 محاولة فشلت جميعها في النيل منه.
2- بندقية العمى
بدأت التجارب على هذه البندقية منذ ستينيات القرن العشرين في مختبرات الجيش الأمريكي، وكانت النواة الأولى لها هي الاعتماد على التكنولوجيا الوليدة آنذاك: أشعة الليزر وتطوير تطبيقاتها من تكثيف الضوء لخلق أشعة حارقة بهدف استخدامها عسكريًا.
وفي مطلع الثمانينيات عملت القوات المسلحة البريطانية على أول تطبيق نوعي لسلاح الليزر الذي يسبب احتراق أنسجة الشبكية، مما يسبب العمى الدائم، ولاحقًا طُور هذا الموديل إلى سلاح أقل فتكًا لإعماء الأشخاص بشكل مؤقت، ولكن في منتصف التسعينيات قامت الأمم المتحدة بإصدار وثيقة تضم بنادق العمى إلى الأسلحة المحرم استخدامها دوليًا، وأرفقت هذه الوثيقة بمعاهدة جنيف الدولية لحقوق الإنسان.
ولكن منع هذا السلاح الغريب لم يقف عائقًا أمام بعض الجهات الخاصة أو العسكرية، فعلى سبيل المثال استمرت الصين في أبحاثها حول هذه البنادق في الألفينيات وابتكرت البندقية موديل “ZM-87″، وكانت البحرية الأمريكية تعمل سرًا على السلاح الأشهر في هذه الفئة والمعروف باسم بندقية “PHASR“، وإن لم يستخدم بشكل رسمي في تسليح الجنود الأمريكيين حتى اليوم.
3- صواريخ الحمائم
واحدة من أبرز الأفكار الغريبة في عالم الأسلحة أيضًا كان استخدام الحمائم في صنع قذائف، أو صواريخ موجهة تجملها الطيور المسالمة التي لطالما رمزت للسلام، ومن ثم استخدامها بمثابة قذيفة متفجرة موجهة نحو أهداف بعينها.
بدأت قصة صواريخ الحمائم على غير المعتاد خارج المختبرات والمعامل العسكرية؛ فصاحب هذه الفكرة الغريبة ما هو إلا الطبيب النفسي وعالم النفس الأمريكي المعروف في الأوساط الأكاديمية بي إف سكينر عام 1943 في خضم أحداث الحرب العالمية الثانية.
إذ كان الجميع على أهبة الاستعداد للانتقام من النظام النازي الألماني الذي اجتاح أوروبا، وقد جاءت الفكرة لسكينز من العمل على تجارب نفسية استخدم فيها الحمائم، ولكنه تعمّق بشكل أكبر في دراسة هذه الطيور العجيبة التي وصفها بأنها «آلات ملاحة دقيقة» لديها قدرات كبيرة، وعندما تساءل بينه وبين نفسه إذا ما كانت تصلح «لحمل السلاح»، وبالفعل عرض «سكينر» فكرته على وزارة الدفاع الأمريكية التي خصصت له آنذاك قرابة 25 ألف دولار لتطوير فكرته.
وبالفعل قام الأمريكي بي إف سكينر بصنع جهاز خفيف الوزن لحمل الحمامة برفقة ثلاث شاشات رصد مصغرة مزودة بخريطة الهدف الذي سوف تتجه إليه الحمامة التي لديها بالفعل قدرة ملاحية كبيرة، ومن ثم عند اصطدامها بالهدف تنفجر شحنة صغيرة من المادة المتفجرة الملحقة بالجهاز.
ولكن برغم أن التجارب الأولية لهذا السلاح الغريب قد نجحت بالفعل؛ فإن العديد من المسؤولين العسكريين ظلوا متشككين في جدواها، ولاحقًا توقفت الأبحاث على هذا السلاح وتم الاستغناء عن الفكرة بعد تطور أجهزة التوجيه الآلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1948.
4- طلقات وقنابل الهلوسة
ارتبطت طلقات الهلوسة في الإعلام الغربي ببرنامج سري أمريكي للاستخبارات الأمريكية – شبيه بالمذكور في السلاح الأول – يدعى برنامج “MK Ultra” كان يهدف بالأساس لإجراء التجارب على عقاقير الهلوسة – مادة LSD بشكل أساسي – وأثرها في البشر، أو بحسب العديد من نظريات المؤامرة: الهدف كان السيطرة على العقول والتحكم فيها أو تدميرها.
والسلاح المذكور هنا كان عبارة عن طلقات بعيارات مختلفة تحمل نسبة مركزة من مادة بنزيلات 3-كينوكليدينيل والتي عرفت اختصارًا باسم BZ وخليط من مواد أخرى بهدف التسبب في هلاوس للمصاب تفقده اتزانه.
ولكن الأدلة حول ارتباط هذه الطلقات ببرنامج الاستخبارات الأمريكية لم تظهر بشكل علني في الصحافة والإعلام الغربي -بعكس قضية مسدس الأزمة القلبية التي تم إثبات وجوده وأبحاثه- وحاولت بعض المنصات الأكاديمية نسبة هذا المشروع في الأساس إلى الأبحاث الألمانية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بالبحث في أرشيف صحيفة واشنطن بوست، جاء في تاريخ يوليو «تموز» 1979 – كان هذا في أعقاب حرب فيتنام الضارية 1975- أن الجيش الأمريكي كان يحاول التخلص مما يقارب 50 طنًا من قنابل الهلوسة ذات الاسم الكودي BZ.
وهو ما لا يدع مجالًا للشك في أن الأمريكيين تبنوا استخدام هذا السلاح الغريب، بل وصنعوا مخزونًا هائلًا منه سواء في مشروع “MK Ultra” السري أو في جهات أمريكية عسكرية أخرى.
الدلافين.. جنود بحرية
في ستينيات القرن الماضي عملت بعض المختبرات العسكرية السوفيتية على استغلال الدلافين في الحروب عن طريق تدريبها ببرنامج يستغل ذكاءها الحاد في رصد الأهداف وتحديدها، وفي عام 2014 في أعقاب أزمة شبه جزيرة القرم، استخدمت السلطات الروسية آنذاك آلاف الدلافين المدربة بهدف استغلالها في دوريات لمسح قاع ميناء «سيفاستوبول» في القرم والخليج المحيط بها.
وبينما لم يظهر أي دليل على تدريب الدلافين على الهجوم على البشر أو حمل متفجرات باتجاه السفن؛ إلا أن أغلب التقارير حول تدريب الدلافين عسكريًّا رجحت أن الحيوانات البحرية في البرنامج العسكري السوفيتي من قبل كانت مدربة للرصد والتجسس.
كما أن الاتحاد السوفيتي لم يكن وحده الذي يملك برنامجًا عسكريًّا لتدريب الدلافين؛ فالبحرية الأمريكية أيضًا امتلكت برنامجًا عسكريًّا بحريًّا للدلافين وسباع البحر بهدف تحديد مواقع الألغام البحرية، أو لتدريبهم للعثور على الضفادع البشرية في الأعماق المتوسطة.
إضافة تعليق جديد