هجرة الأطباء السوريين وصمت حكومي يثيرُ العجب
أكدت الأرقام الرسمية جداً أن حوالي 1960 طبيباً غادروا إلى بلاد الله الواسعة خلال العام الماضي فقط، يطلبون رزقهم بعد أن فقدوا حتى خيط الأمل في تحسين واقعهم، أو حصولهم على امتيازات وحوافز في سورية تساعدهم على العيش بربع كرامة.
هجرة الأطباء في سورية تسير على قدم وساق، وهناك محافظات شبه خالية من الأطباء مثل دير الزور، ومشافٍ خالية من بعض الاختصاصات مثل التخدير، ومن يقوم بالأعمال الطبية في المشافي هم الأطباء المقيمين في سنوات الدراسة الأولى والثانية والثالثة، ومن تجاوز هذه السنوات فهو مشغول حكماً بتحديد وجهته وإجراء الاختبارات اللازمة، وأقصر طريق لتجديد جواز سفره.
ولا نعلم كيف يمكن أن يعمل طبيباً في أحد المشافي الحكومية 10 ساعات، ومن ثم راتبه لا يكفيه لشراء سندويش لمناوباته، أو حتى دفع آجار غرفة للسكن، أو حتى مصروف جيب لعشرة الشهر .
الجامعات السورية تصرف ميزانية واسعة على كليات الطب من أجل تدريب وتخريج الأطباء، ومن ثم يتاح لهم التعليم بالمرضى المراجعين لأقسام الإسعاف، صحيح أنهم يقدمون خدمات إنسانية جليلة، لكنهم يتدربون بصحة المراجعين، والأخطاء الطبية تكاد تُسجل في كل ساعة ضد مجهول، وتُعلّق بظهر الاختلاطات الطبية .
وبعد 10 سنوات من الخدمات الجليلة المقدمة للأطباء، تهدي سورية خيرة جراحيها باختصاصات مختلفة إلى جميع دول العالم، وسكانها المساكين محرومين من خدماتهم، ومن يريد خدمةً طبية مقبولة عليه التوجه إلى المشافي الخاصة التي تحسب أجرتها مع نبض المريض، فكل نبضة له داخل المشفى عليه أن يدفع فلوس، والحسبة بتحسب، وتقرّش في نهاية الزيارة وضع مئات الآلاف لقاء خدماتٍ طبية قد تكون ليست ذات قيمة، والقيمة الوحيدة أنك تتمتع بخدمات فندقية 5 نجوم.
الأطباء اليوم في وضع لا يحسدون عليه، الشاب الطبيب يتخرّج وعمره 30 عاماً، براتب 100 ألف ليرة، وعليه شراء عيادة وبريستيج وخدمة العلم، بالإضافة الى ذهاب عمره، ولا يمكن الانتظار لسنوات من أجل إكمال حياته الشخصية والعائلية، فالطريق الوحيد السالك أمامه هو السفر، في ظل إغلاق الحكومة لجميع الطرق الأخرى .
اليوم من المؤكد أن هذا الواقع موثق بتقارير على طاولة جميع المسؤولين في الدولة، لكن لماذا لا يتم اتخاذ إجراءات فورية لوقف نزيف هذا الهدر، وطبعا الإجراءات المطلوبة ليست بالمنع القسري مطلقا، بل بالترغيب، ووضع سلم أجور يليق بجهدهم، أو على الأقل من يعمل بالمشافي الحكومية يعود إلى منزله يومياً باستطاعته شراء صحن بيض، وكيلو برغل وعلبة شاي، أي مجموعهم يومياً 50 ألف ليرة، أو العمل على منحهم امتيازات مصرفية للحصول على عيادات وشقق سكنية بمبدأ التأجير المنتهي بالتملك، وغيرها الكثير من الأفكار التي يمكنها مساعدة الأطباء وتوطينهم في بلدهم.
لكن للأسف والأسف الشديد، خيار التحفيز للتوطين غير متاح، وما هو متاح للوزارات المعنية بالقطاع الصحي تدوير بعض الأسماء في سنوات الاختصاص الأولى لسد بعض النقص فقط، وعدم الالتفات إلى هذه المشكلة ستؤدي حتماً إلى إفراغ الكوادر الطبية من البلد، فمن المستفيد من تعليم الأطباء لصالح الغير؟؟ .
الساعة 25 – طلال ماضي
إضافة تعليق جديد