لماذا الاجتهاد مفتوح في الدين؟
د.سامح عسكر:
لماذا الاجتهاد مفتوح في الدين؟ لأن الأصل في الاجتهاد هو (الفقه) يعني (الفهم) ...أن (تفقه) شئ يعني (تفهمه) بشكل صحيح يتسق مع قواعد العقل والشرع.. وأنت لكي تمارس دينك بشكل صحيح يجب أن (تفهم) قال تعالى.." فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا".. [النساء : 78] "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه".. [الأنعام : 25] " انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون".. [الأنعام : 65] " وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين".. [التوبة : 122]
الله أمرنا بالتفقه والتعلم ومحاولة الفهم..والتشديد على ذلك في أكثر من آية بأن حدود الفقه والفهم ليست ملك أحد، ولا سلطة عليا لها..فالعتاب القرآني على الطغاة أنهم لم يفهموا أو حتى يبذلوا أقل جهد للفهم، وبالتالي أصبح كل من يبذل الجهد للفهم هو يطبق شريعة الله الأصلية التي حرفها الشيوخ وأقوال البشر..
مؤسسات كالأزهر وداء الإفتاء والمرجعيات هذه أشياء وضعية ومصالح بشرية لا يجوز أن تكون لها سلطة على العقل والاجتهاد، فالإنسان عاقل حر الإرادة لا يجب تقييده بأقوال بشر أو يصبح ملزماً بثوابت مذهب ..من يغلقون باب الاجتهاد ويكفّرون المجددين والمصلحين يحتكرون نوع واحد من الفهم يسعون لنشره وفرضه على الجميع بمن فيهم أنت.
شئ آخر في منتهى الأهمية: الفقه لا يخص فقط باب الأحكام الدينية..بل يدخل الفقه كل علوم الدنيا والدين، فعلم العقيدة فقه، والتاريخ فقه، والحديث فقه، والأخلاق والتصوف فقه، والفلسفة فقه، والسيرة فقه، كذلك علوم الطبيعة كالطب والفيزياء والكيمياء فقه..والاقتصاد والسياسة فقه، حتى الرياضة وبناء الجسد فقه..ومن لم يدرك في هذه الأشياء فهو فقيه ناقص أو ليس له الحق في اقتحام تخصص غيره بما لا يدرك..
الفقه عند المسلمين الآن مشوّه بأثر احتكار مؤسسات وضعية بشرية لأمور الدنيا والدين، وبأثر تحالف السلطة مع تلك المؤسسات وحرصهم على تجهيل المجتمعات بكل ما أوتوا من قدرة، والسبب أن المعرفة قوة والتفقه سعة وإحاطة وإدراك لطبائع الأمور، هذه أشياء خطيرة على الحكام خصوصا الفاشلين والمستبدين منهم، والتاريخ ينقل لنا أن معظم المستبدين والفاشلين من الحكام استعانوا برجال الدين لحماية عروشهم..
علماء الفقه قديما كانوا في الأصل مجددين لمذاهب قديمة احتكرت الفهم لنفسها، فالإمام مالك كان مختلف مع أبي حنيفة، والشافعي اختلف مع الاثنين، وابن حنبل اختلف مع الثلاثة..ليس هذا فقط..بل توجد عشرات المذاهب الأخرى التي بادت وانتهت بفعل السلطة سعى أصحابها للاختلاف مع تلك المذاهب، وكانت لها طريقة في الفهم مميزة لم تصلنا كمذهب الإمام الليث بن سعد في مصر..
توقف الاجتهاد في الدين منذ القرن الثالث الهجري بفعل الخليفة المتوكل العباسي الذي فرض على المسلمين فقه ابن حنبل والبخاري، ثم جرى تقديس المذاهب الأربعة السنية على أيدي الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري، وبداية من العصر المملوكي تم اعتماد المذاهب الأربعة وإلغاء ومحاربة كل من يخالفها، ثم نشروا هذا التعميم وانتشرت تلك المذاهب بفعل السلطة..أي في المحصلة انتشار المذاهب في الإسلام لم يكن نتيجة (فهم واقتناع) بل كان نتيجة (قوة وإخضاع) ثم ورثنا هذا الخضوع وتلك القوة إلى الآن في مؤسسات ورثت طريقة تعامل السلاطين مع الفكر..
أخيراً: الاجتهاد يجب أن يظل مفتوح فالزمن تغير ومعه (الفهم) لابد أن يتغير، فما كان يليق بالقرون الوسطى من فهم لا يليق الآن في عصر التكنولوجيا..العالم تغير والإنسان نفسه تغير..والانفتاح أثّر في عقول المسلمين ولم يعد بوسع أي مؤسسة أو جهة أن تتحدث وحدها باسم الدين..وسيفشل من يحاول ذلك أياً كانت قدراته ..حتى لو استعان بالسلطة..ولا توجد قوة على الأرض الآن تمنع الناس من أن تفهم أو تتعلم
إضافة تعليق جديد