الاستبداد الشعبي الديمقراطي

الجمل ـ مصطفى علوش : كلما قرأت عبارات الماغوط المتعلقة بالسجن ( رأيت الواقع على ايقاع نعل حذاء الشرطي الذي كان يضرب على صدري , أحسست بشيءما بداخلي يتكسر..) أتذكر الأستبداد المزروع فينا  والمحيط بحياتنا من كل جوانبهاالمادية والروحية والذي يعاد انتاجه كل لحظة وعبر ألف شكل وشكل .
وعادت الى الذاكرة ما قاله عبد الرحمن الكواكبي وهو يذكرنا أنه لا يولى المستبد الا على المستبدين ,ولو نظر سائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبدا" في نفسه ,لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم حتى ربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره , فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار .
فحياتي اليومية تبدأ مع الدردشة التي تحدث بيني وبين سائق السرفيس ((ويبدو أني سأمضي بقية عمري راكب سرفيس )) فالشرطة  حسب زعمه عصابة وحرامية  والسبب ((لقد خالفوني البارحة واليوم وقبل أسبوع ويلعن أبوهم)) وأسأله وكنت نظاميا" وخالفوك؟))هنا ينظر لي وقد صار وجهه ستالينيا" ويقول :((بوطي فيه نظام وقانون أكثر من اللي خلفهم )).
أسكت  مبتلعا"لكماته الديمقراطية , ولانه غضب من سؤالي يشعل لفافة تبغ ((مازال الدخان ممنوعا"في وسائط النقل )) ثم يأخذ نفسا عميقا ويتابع ((شعب لا يفهم الا بالبوط والله العظيم لو سلموني أمور ها البلد لأعدمت مليون واحد بنهار واحد ,ناس قادمة من وراء البقر ))
أنظر حولي فلا أجد غير بشر تبحث عن لقمة الخبز .ويتابع الأخ بنبرة قائد فيلق عثماني :حزام الأمان حاولو تطبيقه علينا  ,أشهر مرت مافي فائدة , ..أختهم على أخت اللي صدر لنا هاالقصة )) تنتهي رحلتي مع هذا السائق الصنديد وأعزي نفسي بسلامتي من هذا المشوار المرعب .
صاحب البقالية يحدثني عن مخالفات رئيس البلية وشلته ويقول: ((والله لو حكموني فيهم لأعدمتهم جميعا ))أتنفس بسعادة لأنني لست موظفا في البلدية .
بدوره يتحدث رئيس أي بلدية عن  السكان المتخلفين بالنظافة لأنهم لا يرمون القمامة في أوقاتها وأسأله لماذا لا تطلب اعانة من المحافظة يجيبني :وهل يجعلوننا نفتح فمنا هناك .
زوجتي تهددني بالطلاق اذا لم أعجب بكل ماتقوله  وأمي تهددني بالشباب اذا لم أوافقها  على ان أخي الكبير والذي يليه أفهم من كل العالم
ورئيس المخفر أبو كلبشة يحدثني عن الديمقراطية المناسبة لمجتمعنا ,ويقصد طبعا البوط العسكري وعبد الحليم خدام يعلمنا من بلجيكا معنى  الثورة والفساد ((والله لوذهبت لهناك لما فعلت شيئا سوى ملاحقة الصبايا الجميلات ))
ومديرو المدارس يسخرون من منع الضرب وعبارة "اللحم إلك والعظم إلنا "ماتزال سارية المفعول ,و جامعو الأموال يتذمرون من حقارة الناس التي تلاحقهم قضائيا و الكل يريد أن يدعس على الكل ويكفي أن نراقب أحاديثنا الشخصية لنعرف حجم الاستبداد فيها .

الجمل