بالأرقام والبيانات: ماذا سيحصل عند رفع سعر المازوت؟
يبدو أن ملف زيادة سعر مادة المازوت المخصصة للتدفئة المنزلية والنقل قد حسم أمره.
جميع التوقعات تشير إلى أن الزيادة ستكون بنسبة قدرها 177.7%، أي أن سعر المادة للأغراض المذكورة أعلاه سيرتفع من 180 ليرة لليتر الواحد حالياً إلى حوالي 500 ليرة لليتر الواحد. وهذه من دون شك زيادة كبيرة رغم أن الفارق بين تكلفة توفير الليتر الواحد(1960ليرة) وسعر مبيعه المقترح حالياً (500 ليرة) لايزال يشكل نسبة ليست بالقليلة.
الهاجس الأكبر الذي يسيطر على عقول المواطنين منذ تصريح مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية عن وجود نية لرفع سعر مادة المازوت، يتمثل في انعكاسات الزيادة المرتقبة على معيشتهم وأعمالهم، ومدى قدرة المؤسسات الحكومية على ضبط تلك الإنعكاسات، لاسيما وأن مادة المازوت تمثل "عصب" قطاع النقل والإنتاج.
ولهذا كان علينا أن نسأل التالي... إلى ماذا خلصت الدراسات الحكومية الأولية في هذا المجال؟ وما تقديراتها حول حجم التأثيرات المرتقبة لرفع سعر مادة المازوت؟
وفق المعلومات التي حصل عليها كاتب المقال فإن القراءة الحكومية الأولية التي أرفقت بمقترح زيادة سعر مادة المازوت من 180 ليرة إلى 500 ليرة تضمنت محورين، الأول ويتضمن منعكسات الزيادة على تعرفة نقل الأشخاص والبضائع والمشتقات النفطية في وسائط النقل المختلفة العاملة على المازوت، والمحور الثاني يتعلق بتأثير قرار الزيادة على المؤشرات الإقتصادية الأساسية.
في المحور الأول تشير وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مذكرة خاصة لها إلى أن النسبة التي يشكلها المازوت من إجمالي تكلفة النقل بجميع وسائط النقل تبلغ 15% للنقل بين المحافظات و16% ضمن المحافظة الواحدة، وعليه فإن نسبة الزيادة المتوقعة في تعرفة نقل الأشخاص والبضائع بين المحافظات ستكون بحدود 26.7%، وداخل المحافظة الواحدة بحدود 28.5%.
وتضع الوزارة مسودة أولية للزيادة المرتقبة من قبلها على نقل الأشخاص والبضائع، فتقول إن التعرفة الجديدة لنقل البضائع بالشاحنات والمشتقات النفطية بالصهاريج بين المحافظات سترتفع من 40 ليرة للطن/كم، وهي التعرفة المطبقة قبل زيادة سعر المازوت، إلى 50.68 ليرة للطن/كم بعد الزيادة. أما بالنسبة لتعرفة نقل الأشخاص بين المحافظات ضمن وسائط النقل التابعة لشركات الإستثمار (البولمانات) فسترتفع من 13.5 ليرة للراكب الواحد/كم إلى 17.1ليرة للراكب /كم، وضمن وسائط النقل الأخرى المتعددة من 9 ليرات للراكب / كم إلى 11.4 ليرة للراكب / كم.
وفيما يتعلق بالزيادة المتوقعة على نقل الأشخاص ضمن المحافظة الواحدة (سرافيس-نقل داخلي...) فستكون من 8 ليرات للراكب /كم إلى 10.28 ليرات للراكب /كم.
في المحور الثاني تحاول التقديرات الحكومية تحديد نسب الزيادة التي ستطرأ على تكاليف الإنتاج والأسعار في الحد الأدنى الاقتصادي إثر زيادة سعر مادة المازوت إلى 500 ليرة، هذا مع الإشارة إلى أن العامل النفسي المتزامن مع ضعف أداء بعض المؤسسات الحكومية المعنية يمكن أن يجعل من نسبة الزيادة الفعلية أكبر من الزيادة المفترضة، وهنا يكمن الخطر الأهم.
التأثير الأهم يتعلق بالزيادة التي يمكن أن تطرأ على معدل التضخم بعد الزيادة المرتقبة على سعر مادة المازوت، حيث تذهب التقديرات الحكومية إلى أن زيادة معدل التضخم ستكون بحوالي 6.5% وهي تمثل منعكاسات الأثر المباشر وغير المباشر على الرقم القياسي لأسعار المستهلك، لكن مع ارتفاع نسبة إنفاق الأسر على الغذاء من 40% في العام 2010 إلى حوالي 60% حالياً وفق تقديرات مسوح الأمن الغذائي التي جرت خلال السنوات الأخيرة، فإن أثر التضخم سوف يزيد عن المتوقع.
وفيما يتعلق بزيادة تكاليف الإنتاج فإن التقديرات تذهب إلى نسبة الزيادة ستكون بحوالي 6%، وذلك جراء ارتفاع تكاليف الإنتاج في قطاعات النقل، الزراعة، الصناعة التحويلية، والخدمات الأخرى. حيث من المتوقع أن ترتفع التكاليف في قطاع النقل بحوالي 25%، في الزراعة من 5 إلى 7%، قطاع الصناعة والخدمات بحوالي 13%، التدفئة المنزلية 178%. وبحسب الدراسة المشار إليها فإن الأسعار سوف ترتفع بأكثر من نسب ارتفاع التكاليف بسبب تأثير التضخم الإجمالي.
وتضيف التوقعات أن كلفة الإنفاق الحكومي ستزيد هي الأخرى بنسبة تصل إلى 8.5%، في حين أن التقديرات تقول بزيادة كلفة الصادرات بنسبة تصل إلى 6.5%، وكلفة الإستثمار بحوالي 7%.
المؤسف في التوقعات الحكومية عدم التطرق إلى تأثيرات زيادة سعر مادة المازوت على الأوضاع المعيشية للأسر السورية لجهة التوقعات بنسبة زيادة إنفاقها على الغذاء، نسبة الأسر التي ستكون عاجزة عن تحمل الزيادة، مصادر الدخل التي يمكن أن تلجأ لها الأسر لتغطية الزيادة الطارئة على إنفاقها، طرق التأقلم مع الزيادة.... وغير ذلك.
أمام هذه المؤشرات المرشحة للتفاقم أكثر، ومع حسم الحكومة للنقاش المتعلق بوضع مادة المازوت المخصصة للتدفئة المنزلية والنقل لجهة زيادة السعر إلى 500 ليرة، فإن العمل خلال الأيام القليلة القادمة يفترض أن يركز بشكل جدي على عدة نقاط:
-الحيلولة دون انفلات أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية وهذه مسؤولية مشتركة لعدة وزارات وجهات حكومية يفترض بها أن تتدخل بإجراءات اقتصادية متكاملة، وإلا فإن التأثيرات الإقتصادية والإجتماعية لقرار زيادة سعر المازوت ستكون مضاعفة ومختلفة عما هو متوقع.
-قيام وزارة التجارة الداخلية والوحدات الإدارية بضبط تعرفة النقل وضمان حصول وسائط النقل العامة على مخصصاتها من مادة المازوت والتزامها بالعمل وفق خطوط النقل المرخصة على أساسها.
- العمل على معالجة تكاليف الإنتاج غير المنظورة، والتي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على أسعار المنتج الوطني، إذ من شأن الحد من هذه التكاليف إبقاء الإنعكاسات الناجمة عن زيادة سعر المازوت ضمن حدود السيطرة أو بقاء تكاليف الإنتاج على وضعها الراهن فيما لو تم تقليص التكاليف غير المنظورة.
-الانتقال من مرحلة الحديث الحكومي عن أهمية زيادة الإنتاج إلى التنفيذ الفعلي وذلك عبر إقرار برامج وإجراءات غير تقليدية تشجع المنتجين في مختلف القطاعات على توسيع أعمالهم وإصلاح منشآتهم المدمرة. فزيادة الإنتاج هي الحل الوحيد للحد من تأثيرات زيادة سعر المازوت على الوضع الاقتصادي والاجتماعي عموماً.
-البدء بتنفيذ مشروع وطني لإنشاء شبكة حماية اجتماعية وفق أسس وقواعد علمية تستند إلى مسوح ومعطيات واقعية ترصد الأوضاع المعيشية لجميع الأسر، ومثل هذه الشبكة كان يمكن في حال وجودها التخفيف من تأثيرات أي قرار اقتصادي على الأسر الفقيرة والمحتاجة من جهة، وإعادة هيكلة ملف الدعم بحيث يحقق أهدافه الإقتصادية والإجتماعية بعيداً عما يحصل فيه حالياً من هدر وفساد كبيرين من جهة ثانية.
-إيلاء ملف زيادة إيرادات الخزينة العامة، ومعالجة مشكلة العجز الحكومي أولوية مطلقة في عمل الحكومة القادمة، وذلك من خلال البحث عن مصادر جديدة لا تتسبب بزيادة أعباء الطبقات الفقيرة والمحتاجة أو ترفع من مستوى الدين الداخلي في وقت يحافظ فيه إنتاج السلع والخدمات على حاله.
زياد غصن - أثر برس
إضافة تعليق جديد