هل عثر علماء الآثار على الكأس المقدّسة التي استخدمها المسيح وأخفاها “فرسان الهيكل”
تقول الأساطير المسيحية إن “فرسان الهيكل” أخفوا الكأس المقدسة التي استخدمها المسيح في العشاء الأخير، في صندوق خشبي كبير يحوي كنزاً من العملات الذهبية، ودفنوه تحت جنح الظلام في إحدى الآبار إبان الفتح الإسلامي للقدس، بصفتهم حراساً لهذه الكأس وعددٍ من المقتنيات الدينية التي تعود للمسيح.
وبحسب الحكاية، فقد جفت البئر دون أن تترك أي أثر للكنز الذي قد يكون تعرض للسرقة أو فقد إلى الأبد.
وعلى الرغم من أن الكأس المقدسة قد تكون مجرد أسطورة، فإن علماء الآثار وجدوا مؤخراً سرداباً خفياً تحت كنيسة بولندية يضم أنفاقاً سرية ورفات العديد من “فرسان الهيكل”، ويعتقدون أنه قد يكون مأوى للكأس المقدسة أيضاً.
لكن مهلاً، دعونا أولاً نقدم لكم لمحة مختصرة عن قصة هذه الكأس وعن “فرسان الهيكل”، ثم نحدثكم بإسهاب أكثر عن السراديب المكتشفة حديثاً.
ما هي قصة الكأس المقدسة؟
وفقاً للمثيولوجيا المسيحية، فإن الكأس المقدسة هي طبق أو كوب استخدمه المسيح في العشاء الأخير، ويقال إن لهذه الكأس قدرات خارقة.
وبعد صلب المسيح -بحسب المعتقد المسيحي-، يُحكى أن شخصاً يدعى يوسف الرامي (نسبة إلى بلدة الرامة الفلسطينية) قد جمع بالكأس دماء المسيح وأرسلها إلى بريطانيا لتبقى تحت الحراسة هناك.
بعد ذلك، فُقد أثر الكأس الذهبية ونسجت العديد من الحكايات حول أبطال قاموا بالوصول إليها وحراستها، ولعل “فرسان الهيكل” من أبرز أولئك الحراس الذين قيل عنهم إنهم كانوا يحفظون الكأس المقدسة.
لكن من هم فرسان الهيكل؟
“فرسان الهيكل” هم جماعة عسكرية تأسست في العام 1119، وكانوا محاربين متمرسين مكرسين لحماية الغزاة المسيحيين في رحلتهم إلى الأراضي المقدسة خلال الحروب الصليبية.
وقد كان الفارس الفرنسي هوغو دي باين هو من أسس هذه الطائفة السرية، التي ضمت فرساناً من الفقراء بالغالب تعهدوا بعيش حياة من العفة والطاعة والفقر، والامتناع عن لعب القمار وشرب الكحول وحتى السباب.
وعلى الرغم من التعاليم الصوفية الصارمة لهذه الجماعة، فإن أتباعها سرعان ما اشتهروا بأنهم أكثر القوى المسيحية ثراء ونفوذاً في أوروبا، خاصة بعد إنشاء بنكٍ يسمح للحجاج بإيداع الأموال في بلدانهم الأصلية وسحبها في الأراضي المقدسة.
بلغ نفوذه “فرسان الهيكل” مستوى غير مسبوق في العام 1139، حين أصدر البابا إينوسنت الثاني مرسوماً بابوياً يعفيهم من دفع الضرائب، معلناً أنّ السلطة الوحيدة التي يجب عليهم الانصياع لها هي سلطة البابا نفسه.
وفي ذروة قوتهم كجماعة، سيطر “فرسان الهيكل” على جزيرة قبرص، وامتلكوا أسطولاً بحرياً، كما أقرضوا الأموال للعديد من الملوك.
وعلى الرغم من أن “فرسان الهيكل” كانوا مصدر إلهام للعديد من الأساطير التي نسجت حولهم، إلا أنهم مجموعة حقيقية تظهر آثارهم في مختلف أنحاء أوروبا، وخصوصاً في كنيسة في قرية خوارشجانه الواقعة في مقاطعة غرب بوميرانيا شمال بولندا.
فقد شيد الفرسان هذه الكنيسة في العام 1232 واتخذوا منها مكاناً للعبادة وحصناً دفاعياً، لذا لا عجب أن يجد العلماء مؤخراً رفاتاً مدفونة لـ”فرسان الهيكل” تحت الكنيسة، إضافة إلى سراديب سرية قد تضم الكأس المقدسة وكنوزاً أخرى.
وفقاً لما ورد في موقع All That Is Interesting الأمريكي، تضم قرية خوارشجانة ما لا يزيد عن 100 شخص، ما يجعلها مكاناً هادئاً لا يتوقع فيه اكتشافاً كهذا.
ووفقاً لموقع Smithsonian، بدأت الحفريات الأثرية في العام 2004، وأدى استخدام رادار استكشاف باطن الأرض (GPR) عام 2019 إلى تطورات بدت واعدة. فقد أشار الرادار إلى وجود عدد من السراديب والرفات البشرية ونفقاً تحت الأرض.
ومع مزيد من التنقيب، تمكن العلماء من استكشاف سراديب قوطية ورفات لـ “فرسان الهيكل” تحت الكنيسة وفقاً لعالم الآثار البولندي البارز برزيميسلاف كولوسوفسكي.
يقول كولوسوفسكي، “وفقاً للأساطير والوثائق التي تعود للعصور الوسطى، كانت توجد بئر بالقرب من الكنيسة. وتقول الشائعات إن البئر كانت مدخلاً لنفق سري. لكن هذا يتطلب تحقيقاً أثرياً شاملاً”.
ورغم استمرار أعمال التجديد والتنقيب في الكنيسة على مدار الـ16 عاماً الماضية، لم تظهر الاكتشافات المثيرة إلا في يوليو/تموز عام 2019 حين بدأ فريق كولوسوفسكي بمسح شامل للمباني والحقول المحيطة، بمساعدة حوالي 100 متطوع.
هل يمكن العثور على الكأس المقدسة؟
ورغم شعور الخبراء بالإحباط إزاء تبدد شكوك علماء الآثار عن وجود قلعة تعود إلى العصور الوسطى تحت الأرض، ثبت أن هذه التطورات غير المتوقعة أكثر إثارة.
فقد تمكن العلماء من اكتشاف أرضية حجرية عمرها قرون، ومعمل تقطير من القرن الـ18، وأوانٍ فخارية من العصر البرونزي، إلى جانب عملات ذهبية تعود إلى العام 1757 تركتها القوات الروسية وراءها.
وما اكتشفه علماء الآثار بعد ذلك، بالطبع، كان أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة على الإطلاق.
فبعد فحص الباحثين لمنخفض صغير تحت الأرضيات الحجرية، اكتشفوا سبعة سراديب ورغم أن بعض المشاركين في هذه الاكتشافات يزعمون أن هذه السراديب “لا يمكن أن يعود تاريخها إلى زمن (فرسان الهيكل)”، إلا أن النقاش حولها لا يزال مستمراً.
نهاية “فرسان الهيكل”
وأخيراً قد تتساءلون عما حل بـ”فرسان الهيكل” الذين كانوا يمتلكون كل هذه الأموال والنفوذ ويحظون بدعم البابا بذاته؟
بدأت الموازين تنقلب بالنسبة لهم في أوائل القرن الـ14، إذ يعتقد البعض أن تزايد السرية التي تحيط بمجموعتهم، وطقوس القبول المشؤومة التي حيكت عنها الكثير من القصص، هي ما أدت في النهاية إلى اعتقالهم وتجريدهم من قوتهم، فيما يعتقد البعض الآخر أن المال كان هو السبب.
فوفقاً لموسوعة التاريخ القديم، أمر ملك فرنسا فيليب الرابع في النهاية باعتقال “فرسان الهيكل”. وسواء كان ذلك بسبب رغبته في الاستيلاء على ثروتهم الهائلة لنفسه أو الإشارة إلى أن هيمنته السياسية فاقت البابوية، فقد انتهى أمر التنظيم السري.
وفي عام 1312، أمر الملك فيليب الرابع بتعذيب هؤلاء الرجال المحتجزين، ما أدى إلى إجبارهم على الاعتراف بأمور يُعتقد أنها لم تحدث مثل تدنيس المقدسات والمثلية الجنسية.
ونتيجة لذلك، حل البابا كليمنت الخامس هذه المجموعة، وتحول إرث “فرسان الهيكل” إلى مجرد لغز من ألغاز العصر الحديث.
عربي بوست
إضافة تعليق جديد