علي مرتفعات اليأس
إيميل سيوران ـ ترجمة عبد الوهاب الملوح:
لست أفهم لمَ علينا أن نفعل أشياء في هذا العالم، لمَ ينبغي أن يكون لدينا أصدقاء وتطلّعات، آمال وأحلام. ألن يكون من الأجدى أن نؤوب إلى زاوية قصيّة من العالم، حيث يصير صخبه وتناقضاته إلى التلاشي؟ ومن ثَمّ يكون في وسعنا أن نتبرّأ من الثقافة والمطامح: سنخسر كل شيء ولن نحوز شيئًا في المقابل، إذ أيّ شيء هذا الذي يُرجى أن يُجنى من هذا العالم؟ ثمّة أناس يعتبرون الظفر بشيء أمر تافة، فهم تعساء بلا رجاء ووحيدون. قريبون نحن كثيرًا من بعضنا بعضًا! ومع ذلك، لو كان واحدنا صريحًا تمامًا تجاه الآخر، وكنّا إذ ذاك نطالع في أغوار أنفسنا، فأي قَدْر هذا الذي سنراه من مصيرنا؟ إننا مفرطو الوَحدة في الحياة إلى حد ينبغي أن لنا أن نسأل عنده إن لم تكن وَحدة الموت رمزًا لوجودنا البشري. أَمِن المستطاع أن يكون في اللحظة الأخيرة عزاء ما؟ هذا الاستعداد للعيش والموت في المجتمع دلالة على عَوز عظيم. من الأجدر بالتفضيل ألف مرة أن تموت وحيدًا في مكان ما ومنبوذًا، فتقضي نحبك بلا هيئة ميلودرامية، نائيًا عن أنظار الجميع. إني أزدري هؤلاء الذين –على فراش احتضارهم– يتملّكون أنفسهم ويتّخذون وضعية يرومون بها إثارة الإعجاب. لا تضطرم الدموع إلا في العزلة. هؤلاء الذين يرجون الأصدقاء أن يحيطوا بهم عند موتهم إنما يدفعهم إلى هذا الخوف والعجز عن عيش لحظاتهم الختامية وحيدين. يبتغون نسيان الموت في لحظة الموت نفسها. إنهم يفتقرون إلى الاستبسال تمامًا، إذ لمَ لا يغلقون الباب على أنفسهم ويعانون هذه الإحساسات الجسيمة بجلاء وخوف يجاوزين الحدود كافّة؟
إننا بالغو العزلة عن كل شيء! ولكن أليست الأشياء طرًّا منيعة بالنسبة إلينا بالمثل؟ الموت منعزلًا هو الأعمق والأكثر عضويةً، في الحين الذي يستحيل الضوء فيه أيضًا مبدأً للموت. في لحظات كهذه، ستخلِّيك الحياة والحب والابتسامات والأصدقاء، وحتّى الموت. وعندها يحار واحدنا إن كان ثمّة شيء سوى عدم العالم وعدمنا الخاص.
إضافة تعليق جديد