الحكومة الإنتقالية في السودان تتراجع عن إلغاء دعم الوقود ومخاوف من انفجار شعبي
قبل أن تتّسع رقعة الخلاف بين الحكومة الانتقالية وقوى «إعلان الحرية والتغيير» في السودان، تراجعت الأولى عن قرار رفع الدعم عن البنزين والجازولين بعد نحو 24 ساعة من إجازتها إياه في ميزانية 2020. تراجعٌ أعقب اجتماعاً مطوّلاً بين المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» والحكومة، توصّلا فيه إلى اتفاق على عقد مؤتمر اقتصادي عاجل تشارك فيه قطاعات المجتمع كافة لمناقشة المشاكل الاقتصادية، والخروج بخطّة وقرارات ملزمة. يقول وزير المالية، إبراهيم البدوي، إن ثمة إيجابيات في الموازنة الجديدة، منها أنها أَقرّت مجانية التعليم للمرحلة الأساسية، كما زادت الحدّ الأدنى للأجور من 425 جنيهاً سودانياً إلى ألف جنيه، فضلاً عن «دعم الولايات المتأثرة بالحروب بـ9.300 مليار جنيه»، خاصة مع وصول نسبة الفقر إلى 60%. لكنّ مصادر مطلعة تقول، إن بدوي، ومعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، متمسّكان بوصفة «صندوق النقد والبنك الدوليين»، والتي تشترط على الدول المتعسرة إلغاء الدعم لتحسين الاقتصاد، فيما تضع قوى «الحرية والتغيير» في اعتبارها ردّ فعل الشارع الذي يرفض مثل هذه الإجراءات، خاصة أنها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وهما من الأسباب التي أشعلت «ثورة ديسمبر»، إلى جانب أزمات الخبز والغاز.
هذه ليست المرة الأولى التي يختلف فيها وزير المالية مع بعض مكوّنات «الحرية والتغيير». فقبل ذلك، رفض «الحزب الشيوعي» برنامج الحكومة الانتقالية الذي يقوم على التحرير الاقتصادي، واتّهم أحد قيادييه، بدوي، بأنه تسبّب بارتفاع الدولار جرّاء حديثه عن أن البلد يحتاج إلى خمسة مليارات دولار لمنع الانهيار. وفعلاً، تسبّب هذا التصريح في رفع الدولار إلى مستوى لم يشهده السودان من قبل، حتى وصل إلى 90 جنيهاً مقابل الدولار الواحد قبل أن يسجّل تراجعاً طفيفاً أمس، ما دفع الدولة إلى تنظيم حملات في حق تجار السوق الموازي. وكما هو معلوم، تتضمّن وصفة «صندوق النقد والبنك الدوليين» أيضاً تحرير سعر الصرف والاقتصاد عامة. لكنّ المتحدث باسم المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير»، الرئيس السابق لحزب «المؤتمر» إبراهيم الشيخ، نفى وجود خلاف حول الموازنة، قائلاً إن ما يجري هو «نقاش عميق فقط». وأشار الشيخ إلى أن «الحرية والتغيير» تريد ميزانية «تعبّر عن روح الثورة وشعاراتها، لذلك كان لا بدّ من أن تتفادى الميزانية الأولى للثورة إثقال كاهل المواطن»، مستدركاً: «يرى مجلس الوزراء ووزارة المالية ضرورة رفع الدعم ليتفادى الاقتصاد أضرار الدعم. السلطة تدرك أن الوقود يباع بأقلّ من تكلفته، ولهذا السبب يُهرَّب عبر الحدود». وأضاف أن «الاجتماع توصّل إلى تفعيل الخيارات الداخلية التي يمكن أن تسهم في حلّ مشكلة الاقتصاد قبل البحث عن القروض الخارجية، ومن ذلك مراجعة الإعفاءات الضريبية والجمركية، وضمّ الشركات الأمنية العاملة في الاقتصاد إلى وزارة المالية، إضافة إلى منع التهريب، واستعادة الأموال المنهوبة، وإنشاء بورصة للذهب».
من جهته، لفت القيادي في «الشيوعي»، صالح محمود إلى أن الموازنة التي اعتُمدت في البداية «أفكارها شبيهة بميزانية 2018 التي كانت مرفوضة. فكرة رفع الدعم مرتبطة بتوصيفات صندوق النقد، وهناك منظومة اقتصادية كاملة تخضع لهذه التوصيفة»، محذراً من رد فعل جماهيري كبير في حال إقرار هكذا أفكار. وأضاف محمود: «من هذا الباب، قوى الحرية والتغيير تنصح الحكومة بأن تتخذ قرارات تتّسق مع مطالب الجماهير الواردة في الوثيقة الدستورية، وألّا تتصرف وفق إملاءات الخارج». وسبق لوزير المالية أن أعلن أن «أصدقاء السودان» سيموّلون ميزانية 2020، لكن هؤلاء عندما اجتمعوا في الخرطوم بداية الشهر الجاري قالوا إنهم سيجتمعون لاحقاً في نيسان/ أبريل المقبل لتحديد الدعم، ما يشير إلى غياب التحمّس لدعم السودان أو وجود شروط ينتظرون تنفيذها. ولذلك، لم يستغرب الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد الله الرمادي، أن تفكر الحكومة في إلغاء الدعم، مشيراً إلى أن «صندوق النقد» أرسل وفداً قبل أسابيع لتبليغ الخرطوم بهذه التوصية، لكن جرت مطالبات بالتدرّج وهيكلة الدعم لأن هناك فئات ضعيفة. وحذّر الرمادي من فعل ذلك، لافتاً إلى خيارات بديلة مثل تشجيع الشباب العاملين في مجال التنقيب عن الذهب بالشراء منهم بأسعار مجزية، خاصة أنهم ينتجون ما قيمته ثمانية مليارات دولار سنوياً، إضافة إلى تشجيع المغتربين على إدخال العملات التي يمكن أن تصل إلى أربعة مليارات سنوياً.
الأخبار
إضافة تعليق جديد