الشبه والتشبيه في الفن التشكيلي
عمار حسن:
كثيراً ما أشاهد أثناء متابعتي للعروض التشكيلية أو عند التعرف إلى أعمال جديدة بحضور الآخرين من الرسامين أو الفنانين، أن البعض إذا لم يكن الكل تقريباً يسارع إلى توصيف وتشبيه العمل بأنه لفلان..!من الفنانين الغربيين أو العرب أو السوريين، وهكذا يتم الأمر ودفعة واحدة ويلغى الفنانون من قائمة الرؤية ولا تصل العين إلى الكثير من التفاصيل الضرورية لإتمام قراءة العمل بشكل صحيح.
إن النظرة الأولى عند تلقي العمل التشكيلي هي ليست صائبة ومن الضرورة بمكان عدم الوقوع في مطبها، فالنظرة الأولى للعمل التشكيلي هي خاطئة وحتى لو كانت صائبة..! فالعمل التشكيلي مهما كان ضعيفاً وسيئ التنفيذ، لا بد وأن روحاً متعبة أو عاشقة تمرغت باللون وحاولت أن تنهض عبره لتقول حكاية ما مهما كانت بسيطة، ومن يرى أعمال فاتح المدرس الأولى ما كان ليتوقع أن يكون لهذا الرسام مستقبل البتة، الفكرة ليست في نوعية الرسم قوة أو ضعفاً، هذا شأن خاص، الفكرة تكمن هل لدى هذا الرسم أو ذاك ملامح من روح الشخص أم لا..؟!
الكثيرون بحكم خبرتهم البصرية يسارعون إلى الحكم بأن هذه التجربة هي في الأساس لفلان من الرسامين، فالبعض يستعير شاغال والآخر غوربيه، وذاك خطوط لؤي كيالي، وذاك فضاءات ووجوه فاتح المدرس، أما الأذكياء من الرسامين والأذكياء ممن يعرفون بخبايا الشبه فيقولون إن فلاناً وقد يكون من الرواد قد أخذ عن فلان، وفلان، وقد يكون من جيل ما بعد الرواد بجيلين قد تتبع خطا فلان، أي إن الأمر يشبه الشيفرة الوراثية، فمجرد التأثر بالخط أو المعالجة اللونية وضربات الريشة كافية لتحكم على التجربة، فالكثير من الرسامين استخدم الضربة التأثيرية التي استخدمها كوخ، لكن هذا لا يعني أن حركة الريشة وعمقها وانفعالها هي بالضرورة تشبه كوخ..!
هذا أمر دقيق ومختلف في الشكل والعمق، ولا يمكن لمجرد الشكل أن نحكم على التجربة برمتها بأنها متأثرة بكوخ أو غيره.لم يبق من طرائق وأساليب إلا واتبعت تقريباً، وما ينقصنا هو أن نرى ونتواصل بشكل حقيقي مع العالم فنياً حتى نعرف وببساطة، أن أهم التجارب التي نعرفها قد تتقاطع مع أبسط التجارب في الغرب على سبيل المثال، العالم أصبح قرية صغيره يا أصدقاء ولم تعد المسألة صعبة لنعرف في الشكل الشيفرات الوراثية للتجارب التشكيلية إذا كنا بهذه السذاجة لنقف عند هذه الحدود..! طبعاً سأبقى أصر على الأصالة باعتبارها أهم المرتكزات التي تميز إبداعية الفنان، وهذه النقطة من أهم محددات قيمة اللوحة فنياً ومادياً ويجب ألا يغفل عنها أحد.
سأخبركم أمراً، وهو أن الجيل الشاب من الرسامين حلّ الأمر بمنتهى البساطة، بحيث سيصبح أي محترف في التقاط التشابه عاجزاً عن الجزم بهذا الخصوص، فالبعض من هؤلاء الشباب أخذ الخط من مكان والموضوع من مكان والجو اللوني والشكل من مكان والتكوين من مكان والزمن التشكيلي من مكان ثم أخضع كل الخلط المنوع وأنتج لوحته الحداثوية أو المعاصرة، بحيث يمكن أن ترى فيها كل فن العالم الآن، ويمكن ترى فيها كل شيء إلا هو..! أنا أريد أن ننتبه جميعاً.. هل تتشابه اللوحة بداية مع هذا الشخص أم لا؟، القضية تكمن هنا.
إضافة تعليق جديد