سكان الحسكة تحت رحمة ازدواجية السلطات والضرائب
لا يشابه واقع مدينة الحسكة الإداري حال غيرها من المدن السورية، بوجود القوانين التي استحدثتها «الإدارة الذاتية» التي فرضت سيطرتها على معظم مساحة محافظة الحسكة. وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام على إعلان «الإدارة الذاتية»، ووجودها في مناطق متداخلة مع مناطق سيطرة الحكومة السورية، بات على سكان المحافظة التعامل مع واقع ازدواجية بعض القوانين، بما يحمله ذلك من أعباء اقتصادية مضاعفة، لتضاف إلى الضغوط الناجمة عن ضعف خدمتي الكهرباء والمياه، والحرائق التي طاولت آلاف الدونمات المزروعة.
لوحتان لسيارة واحدة
يحتفظ أبو حسان (60 عاماً) بلوحة تسجيل سيارته لدى سلطات «الإدارة الذاتية» في جيب داخل السيارة، وذلك بعدما نزعها إثر قرار صدر أخيراً يتيح الاكتفاء بتسجيل المركبات بموجب اللوحة الحكومية الرسمية. يتحدّث أبو حسان عما مرّ به سابقاً، حين كان مضطراً إلى التوقف في منتصف المسافة التي تفصل بين آخر حاجز لـ«الأسايش» وحاجز الجيش السوري في مدينة الحسكة، لينزع لوحة سيارته الخاصة بـ«الإدارة الذاتية»، التي كان قد خصّص لها مكاناً مؤقتاً فوق اللوحة الحكومية، استعداداً للدخول إلى مناطق سيطرة الجيش في المدينة. يقول أبو خالد، وهو سائق سيارة أجرة «عانينا كثيراً قبل صدور القرار الأخير، لدرجة أن كثيرين قرروا ترك المهنة وتغييرها، لأنها لم تعد تطاق في ظل تلك القوانين». ويبدي الرجل تخوفه من أن «يكون القرار مرحلياً، وأن يصدر قرار ينسف سابقه، ما قد يؤدي إلى تدهور عملنا كثيراً».
«خدمتان إلزاميتان»
بينما أصدرت وزارة الداخلية السورية تعليمات بعدم إلقاء القبض على أي مكلّف أو متخلف عن خدمة العلم في الجيش، والاكتفاء بمنحه ورقة لمراجعة شعبة تجنيده، باتت دوريات «الشرطة العسكرية» التابعة لـ«الإدارة الذاتية» كابوساً يعيشه أغلب شبان المدينة. يروي أحمد أن عائلته أقامت احتفالاً بتسريح ابن عمّه بعد خدمته أكثر من ثماني سنوات في الجيش السوري «قبل أن تفاجَأ بعد أيام فقط بإلقاء القبض عليه من عناصر الوحدات الكردية، وسوقه للخدمة في صفوفها قسراً، ليستشهد بعد شهر واحد في معارك بلدة الباغوز في ريف دير الزور». وكانت «الإدارة الذاتية» قد أصدرت قانوناً للخدمة الإلزامية لديها، تحت اسم «الدفاع الذاتي»، فرضت بموجبه الخدمة على الشبان مِمَّن ولدوا بين عامي 1986 و2001، ما أدّى إلى حملة احتجاج شعبية (شهدت تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي) تطالب بإلغائه، أو توحيد أعمار المطلوبين في كل من الحسكة وعين العرب (مواليد عام 1990 وما بعده) أسوة بدير الزور والرقة، اللتين طُبّق فيهما القانون حديثاً.
والضرائب تُدفع مرتين
يتجوّل شهرياً عدد من الجباة في شوارع أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية»، برفقة أعضاء «الكومين» (مجلس الحي)، لاستحصال رسوم شهرية كبدل خدمات للنظافة والكهرباء والمياه. إلا أن تسديد سكان تلك الأحياء هذه الضرائب لا يعفيهم من تسديدها أيضاً للجهات الحكومية، التي لا تزال هي التي تقدّم فعلياً غالبية الخدمات في كامل جغرافية المحافظة، وخاصة المياه والكهرباء والخبز والاتصالات. يقول خالد (اسم مستعار)، وهو موظف حكومي في شركة كهرباء الحسكة: «نحن من نقوم بالصيانة وإصلاح الأعطال، ووفرت الدولة كل المعدات اللازمة لإعادة إقلاع سدَّي تشرين والفرات، لكنهم يفرضون ضريبة على خدمة الكهرباء»، في إشارة إلى سلطات «الإدارة الذاتية». ويبتسم الشاب ثم يقول: «حتى أنا أسدّد الرسوم لهم، لأننا مضطرون إلى التعامل معهم، في ظل وجودهم كحالة أمر واقع». الأمر نفسه يتكرّر مع أصحاب المحلات التجارية الذين يسدّدون ضرائب كبيرة لمالية «الإدارة الذاتية»، مع تراكم للضرائب الحكومية التي لا تزال قائمة، على رغم خروج المناطق عن سيطرة الحكومة السورية. ويكشف رامي، صاحب محل مفروشات، أنه يسدد للجانب الحكومي 14 ألف ليرة سنوياً، فيما تطالبه «الإدارة الذاتية» بتسديد أضعاف المبلغ.
لا سوق في الليل
يتحول السوق المركزي في مدينة الحسكة ليلاً إلى منطقة شبه مهجورة، على عكس ساعات الصباح التي يضجّ فيها بسكان الريف والمدينة. فمنذ أكثر من ستة أعوام، ونتيجة للانقطاع التام للكهرباء، وتراجع حالة الأمان، اعتاد تجار المدينة وأصحاب المحال إغلاق محالهم قبل غروب الشمس. وعلى رغم تحسن الواقع الأمني وعودة التغذية الكهربائية إلى المدينة، إلا أن سوقها لا يزال على حاله. يقول يوسف، أحد أصحاب المحال في السوق، إن «المناوشات التي حدثت في سوق المدينة بين الجيش والوحدات الكردية في آب 2016 لا تزال هاجساً لإعادة النشاط الليلي للسوق... فالأغلبية تخشى من حدوث مواجهات في أي لحظة»، فيما يرى رشيد أن «عدم توافر وسائل نقل عامة كالسرفيس في الفترة المسائية هو السبب الرئيس في قلّة نشاطه»، مضيفاً أن «انتشار عدد كبير من النقاط العسكرية في محيط السوق يؤثر فيه سلباً أيضاً».
الأخبار
إضافة تعليق جديد