اللغة العربية… اللغة المعجزة
إن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة على سطح هذا الكوكب التي حملت لنا في تلون أصواتها وحروفها قصة الخلق كاملةً, بدءاً من خلق السموات والأرض إلى خلق الإنسان العاقل, ولما كانت الأرض العربية هي مهد الإنسان العاقل الأول فإن اللغة العربية هي لغة ذلك الإنسان التي وجدت معه وواكبته فحملت إلينا كل معارفه وإنجازاته وإبداعاته …
وهي لغة على درجة كبيرة من الإعجاز بلهجتيها الفصحى والسريانية, فقد حملت لنا هذه اللغة العجائبية في طيات كلماتها وحروفها حقائق علمية على كافة الصعد من المجال الحيوي إلى المجال الكوني والتي بدأ العلم المعاصر الحديث بالتعرف على بعضها فقط… لقد خلّف لنا الإنسان العاقل الأول في موطنه الأصل – المشرق العربي القديم- تلك الحقائق في هيئة صور ورموز (الكتابة التصويرية) قبل اختراع الكتابة الأبجدية …
ففي الكتابة التصويرية قد يضطر الكاتب أو (المصوّر) أن يختار صورة لموضوع ما يسهل تصويره من أجل التعبير عن موضوع آخر يشترك معه في اللفظ لكنه يختلف معه في المعنى. إنها ما يدعى في العربية بظاهرة (الجناس) التي لاحظناها في (أسرار الكتابة التصويرية) …
وإليكم هذا المثال:
إن خنفساء (الجُــعل ) هو التعبير بالصورة أو هو الكتابة التصويرية لعملية (الـجَــعل) في الخلق أي لعملية (التصيير) ؛ النقل من صورة إلى أخرى ومن حالة إلى أخرى.
فهو بذلك لم يكن إلهاً للشمس ولا لغيرها ولم يكن يـُعبد.
وإن كرة الروث (التي يدحرجها الجعل أمامه وهي مملوءة بالبيوض تحت الشمس فتنضج البيوض وتندفع صوب الحياة) كانت تمثيلاً للكرة الأرضية الملأى بالبذور وليس تمثيلاً للشمس.
وكما أن الكرة الأرضية كانت تدور مثل (بيضة كونية ملأى بالبذور) من أجل أن تدفئها أشعة الشمس وتجعلها تفقس وتخرج للحياة, هكذا كان يفعل الجعل حين يدحرج كرة الروث المليئة بالبذور تحت أشعة الشمس.
إنها الكتابة التصويرية للظاهرة ليس أكثر.
وحريٌّ بنا هنا أن نلفت الانتباه إلى أن العرب الأقدمين حين يعبّرون عن هذه الظاهرة الكونية بهذه الطريقة التصويرية فإنما هذا يعني أيضاً أنهم كانوا مدركين الحقيقة الفلكية للأرض والشمس: فالأرض كروية تدور(تتدحرج) حول الشمس التي تدفئها من أجل إنتاش وتفقيس البيوض.
هذا قبل آلاف السنين قبل الميلاد في حين ثار غضب أوروبا ضد كوبرنيكوس الذي تحدث عن هذه الحقيقة بعد العرب السوريين بعدة آلاف من السنين لأنه عارض الشرائع الكنسية وما جاء في الكتب المقدسة وحكم عليه بالموت حرقاً !
وتبعا لذلك فإن معرفة الحقائق المكنونة ضمن حروف هذه اللغة تتطلب الولوج إلى عمق طبقاتها, لأن الكلمة منها قد تدلّ على معنى على السطح, وفي الوقت نفسه تذهب بنا بعيداً إلى أعماق أعقد عملية في الكون, وهي عملية خلق الكائن الحيّ, ثمّ الإنسان العاقل. وبذلك صار علينا عدم الوقوف عند ظاهر ما قد توحي به الكلمة أو الصورة في الكتابة التصويرية.
ولمّا كانت اللغة العربية أغنى لغات الأرض بما ندعوه (المترادفات), علينا أن ندرك أن الكلمات المترادفات إنما هي كلمات تعكس درجات مختلفة, وتعبّر عن أحوال متباينة لهذا المضمون أو ذاك, ولكل منها وضعها ومكانتها ومقعدها, ولا يصح أن تحتل واحدة مقعد الأخرى. حتى أن تطور الكلمة الواحدة قد يوصلها إلى أن تعطي المعنى وضدّه. (كمثال على ذلك الفعل الفعل (عبرْ) ABER إذ أن من معانيه في القاموس السرياني:عبر, اجتاز, اعتدى, حارب, ضاف, حل ضيفاً على.
أي أنه تضمن المعنى في اتجاهيه: الغزو والضيافة.
إن الغرباء عن اللغة العربية قد يستهجنون هذا التناقض في المضمون للفعل العربي لأول وهلة, إذ أن هذه الظاهرة التي هي جزء من عبقرية اللغة العربية تنفرد بها بلهجتيها السريانية والفصحى بين باقي لغات العالم, إذ هي تجسيد لظاهرة العقلانية والاستراتيجية.
لذلك فقد كان طبيعياً تميز هذه اللغة بالغنى: ففي الفصحى وحدها قرابة ستة عشر ألف جذر, وكل جذر يعني فعلاً ثلاثياً تتألف منه شجرة كاملة الفروع, بينما في اللغات الأنكلوساكسونية, مثلاً, قرابة ألف جذر فقط, أكثر من نصفها محوّر عن العربية.
لهذا فإن هذه اللغة ستبقى أهم مصدر من مصادر التاريخ, بل كتابَ التاريخ الصحيح الوحيد المفتوح لمن يريد أن يقرأ ويعرف. ليس لأبنائها وحدهم، بل ولبني الإنسان قاطبة على هذا الكوكب.
المصدر :موسوعة نينورتا التاريخية , الجزء الأول , قصة الخلق , الدكتور أحمد داوود
إضافة تعليق جديد