«وصفة» البشير بعيون الخبراء: ليس بالطوارئ يُحارَب الفساد!
قلّص البرلمان السوداني فترة حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس عمر البشير في 22 شباط/ فبراير الماضي، إلى ستة أشهر بدلاً من عام، كـ«نوع من المساومة» وتجنباً لرفض مرسوم الرئيس، وفق ما يرى الناشط نبيل أديب. لكن المقلق في قانون الطوارئ، الذي بدأ البشير تطبيقه قبل إجازته في البرلمان، «ليس مدته» كما يقول الناشط الحقوقي، بل انتهاكه لـ«حقوق الإنسان المضمّنة في الدستور»، وهو ما بدا في سلسلة الإجراءات التي أصدرها، كمنع التجمعات غير المرخصة، وإنشاء محاكم طوارئ مثَل أمامها عشرات المتظاهرين، وتلقى عدد منهم أحكاماً بالسجن. ورغم أن النظام يهدف من خلال فرض الطوارئ، التي وصفها وزير العدل، محمد أحمد سالم، بـ«الخفيفة والهينة واللينة»، إلى قوننة مواجهة الاحتجاجات، وتفويض سلطات، ومنح حصانات، في طريق عسكرة السلطة، إلا أن البشير برّرها يوم الجمعة الماضي بأنها جاءت «لمحاربة الفساد والتهريب»، وهو ما لا يقرّه خبراء اقتصاديون، ويرونه مجافياً للواقع.
يرى وزير المالية الأسبق، والخبير الاقتصادي التيجاني الطيب أن «الطوارئ يجب أن تتوغل في مفاصل الدولة وأجهزتها، حيث الفساد المستشري بين المسؤولين»، لافتاً إلى أن «التهريب عادة ما يجري عبر قنوات رسمية، وهو في الحالة السودانية يكاد يكون رسمياً، وليس شيئاً غريباً على الأوضاع الاقتصادية»، موضحاً أن ظاهرة التهريب سببها «الندرة، وطالما هي موجودة سيكون هناك تهريب». فتهريب المشتقات النفطية، التي يحظر أمر الطوارئ رقم أربعة توزيعها وتخزينها وبيعها ونقلها خارج القنوات الرسمية، «يجري عبر قنوات رسمية ومعلومة للجهات المعنية» كما يؤكد، قائلاً إن «عملية التهريب كانت دائماً وأبداً جزءاً من التركيبة الاقتصادية» للبلاد، ولهذا السبب، لا يرى الطيب أن فرض حالة الطوارئ سيحدّ منها، «بل قد يشجع على المزيد من التهريب».
وبشأن ما إذا كان التهريب هو سبب التفاوت في أسعار المحروقات بين المناطق، يشير الوزير الأسبق إلى أن «ولاية الخرطوم مثلاً مُعفاة من أي رسوم وأي ضرائب، في حين أن بقية الولايات تدفع أكثر من 25% رسوماً وضرائبَ على المشتقات النفطية، ما يعكس الفرق في الأسعار بين العاصمة والولايات الأخرى». ويضيف أن «ارتفاع التكلفة الحقيقية لهذه السلع، وعدم تحريك أسعارها، أديا إلى ارتفاع حجم الدعم، فظلّت أسعار الوقود والخبز ثابتة، بينما تغيرت أسعار النقد الأجنبي في الداخل»، لكن هذه السياسة تمثّل من وجهة نظره «قنبلة موقوتة»، إذ يمثّل «القدر الكبير للدعم المستهدف في ميزانية 2019 لهذه السلع عبئاً كبيراً»، فيما «تضاعف دعم المشتقات النفطية ليصل إلى حدود 50 مليار جنيه هذا العام، كما تتوقع موازنة 2019، بعدما كان 25 ملياراً العام الماضي».
وعن تهريب الذهب والمعادن الأخرى والنقد الأجنبي، الذي شدد وزير المالية المكلف، مصطفى حولي، على أن إجراءات الطوارئ تعمل على ضبطه، يوضح الطيب أن «الذهب ليس ملكاً للحكومة، وبذلك هو ليس جزءاً من الموازنة العامة للدولة، لكن الحكومة تحاول التحكم فيه من خلال شرائه وتصديره للحصول على نقد أجنبي يساعدها في تمويل ميزان المدفوعات على الأقل، لكن الذهب كسلعة ملك للشركات والقطاع التقليدي». وعمّا إذا كان باستطاعة الحكومة توفير النقد الأجنبي من خلال شراء الذهب، يبين أنه «بالنظر إلى الكميات المنتجة من الذهب كما أُعلِنَت (في حدود 100 ألف طن)، وما تتحدث عنه الحكومة من عائدات ناتجة من تصدير هذه الكميات، نجد أن هناك فجوة كبيرة بين الكمية المنتجة والمتوقع تصديرها، وكمية النقد الأجنبي العائد من هذا الصادر»، متابعاً أن «الذهب يظلّ في الخارج تحت حسابات غير حكومية، وإنما باسم شركات أو أسماء وهمية، ويجري استغلاله لتمويل عمليات الحكومة غير التنموية وغير التشغيلية، كالتمويل العسكري والأمني».
وفي ظلّ أزمة النقد الأجنبي، التي أكد وزير المالية الحالي أن إجراءات الطوارئ تعمل على ضبطها وتوفيرها في السوق، في إطار ثلاثة محاور شملتها موازنة عام 2019، يشرح الطيب أن «مشكلة السيولة ذات شقين: أولاً تعثر البنوك، وهناك تكتم على هذه المعلومة لتبقى مؤجلة الحل، وثانياً منع الحكومة المؤسسات الحكومية التي تكاد تكون متحكمة بالسيولة اليومية، مثل الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية، من فتح حسابات في البنوك التجارية، إذ صدرت أوامر بأن تفتح هذه الجهات حسابات مع البنك المركزي لمحاربة التجنيب (احتفاظ المؤسسات الحكوميه الإيرادية بكل إيراداتها أو بجزء منها)، وهو أسلوب قد يكون صحيحاً بالمبدأ، لكن الجهات الإيرادية هذه لم تنصَع للقرار في ظلّ نفوذها، ولم تفتح أي حسابات في البنك المركزي، واستمرت في التجنيب». وفيما لجأت الحكومة إلى طباعة فئتي المئة والمئتي جنيه، يرى الخبير الاقتصادي أن «رفع قيمة الفئات لا يحلّ المشكلة، فالحكومة زادت الكتلة النقدية بنسبة 92% عام 2018، ورغم ذلك، تفاقمت المشكلة»، مستدركاً بأنه «إذا أُودعت الإيرادات اليومية للكهرباء والمياه والمشتقات النفطية والسكر والشرطة في البنوك، سيُحل الجزء الأكبر من مشكلة السيولة»، لكن ذلك حسب ما يقول «يخلق مشكلة أخرى، هي عدم الثقة بالجهاز المصرفي، ما قد ينعكس بحذر وإحجام عن التعامل مع الجهاز المصرفي لفترة طويلة حتى يستعيد الناس ثقتهم به، حتى لو توافرت السيولة».
وعن تأثير انعدام السيولة بأسعار الخبز، التي كانت السبب الرئيس لاندلاع التظاهرات في 19 كانون الأول/ ديسمبر بعد قرار الحكومة رفع أسعاره ثلاثة أضعاف، يلفت الطيب إلى أن «المشكلة هي في القمح، لأن هذه السلعة تستورد من طريق الحكومة، وبموارد نقد أجنبي، فيما لا تملك الحكومة النقد الأجنبي الكافي»، مشيراً إلى أن الحكومة أمام خيارين: «إمّا أن تلجأ إلى الممولين، الذين كانوا في الماضي هم أنفسهم أصحاب المطاحن أو الجزء الأكبر منهم، أو أن تلجأ إلى ممولين خارج منظومة أصحاب المطاحن، على أن يستورد هؤلاء القمح، وأن تدفع الحكومة لهم متى ما توافر لديها النقد الأجنبي». لكن ذلك «فيه تكلفة كبيرة جداً، لأن الحكومة ستضطر في حينها إلى الرضوخ لسعر الممول، وليس لها خيار آخر. وتبعا لذلك، المشكلة ستكون في حالة تأزم مستمر».
ويزيد وزير المالية الأسبق أن «الحكومة تستطيع أن تشتري كمية محددة من القمح والدقيق والمواد البترولية، فيحصل انفراج في السوق ليوم أو يومين، لكن المشكلة تعود من جديد»، منبهاً إلى أن «لا رؤية لدى الحكومة، ولا حتى موازنة نقد أجنبي، التي لو كانت لأمكنها التعامل مع مشكلة القمح والدقيق بصورة أجدى».
الأخبار
إضافة تعليق جديد