بين بيانين
رشاد أنور كامل:
لايمكن أن أذكر بيان صحارى أو عبر تسميته الرسمية " اللقاء التشاوري للحوار الوطني" الذي عقد في الفترة من 12 الى 13 / تموز/2011، أي بعد خمسة اشهر من بداية احداث درعا ، إلا وأواجه بالكثير من الانتقاد والتوجيه، والاستغراب من الطرح، وصولاً إلى الاستهزاء، واتهامي بالانفصال عن الواقع .... وكأني لم ادفع ثمن هذا الواقع.
ورغم أني معتاد على أن رأي الأخر، ليس من الضروري أن يتطابق أو يأتلف لرأيي، لكني فيما يتعلق بهذا الموضوع، أحزن من الهجوم لا على بيان صحارى وإنما أحزن على أن معظم من يقف ضد هذا البيان، يريد أن يفصلنا عن واقع عشناه ونعيشه ، أن الحل كان بيدنا، وأننا كسوريين كنا قادرين على ايجاده وتنفيذه ، وتجنيب سورية سبع عجاف.
يريدون فعلاً فصلنا عن الواقع، الواقع الذي كان بين ايدينا، فالاصلاح كان بايدينا، والمصالحة كانت بأيدينا، وبلدنا غني بما يكفي من موارد لتحقيق التنمية المنشودة والتي كانت أيضاً بأيدينا ، ومن وقع على بيان صحارى يومها كان الشعب السوري عبر ممثليه للمؤتمر من وجهاء، ومشايخ، وبطاركة، وفنانين، وصحفيين، وحكومة، ونقابات، وجبهة وطنية، ومستقلين، حتى قسم من المعارضة التقليدية في سورية ... والكثير من الحكماء .
لكننا على مايبدو، جميع من اجتمع في صحارى مضافاً اليهم حوالي عشرين مليون سوري، منفصلون عن الواقع، لا ندرك أن الحل لم يكن بايدينا، وان المؤامرة أكبر منا، وان رائحتها مال ونفط وغاز، وضرب لمحور المقاومة، وزعزعة استقرار المنطقة برمتها .... هناك من تنبأ بكل ذلك، وقرر أن لا تنازلات بسيطة تفيد، لا جبر الخواطر يفيد، لا تعزيز أكبر للشراكة مع الكتل القادرة في سورية يفيد، لا يفيد الا المواجهة.... المواجهة الشاملة.
واليوم بعد كل ما تكشف، يشيرون الينا ويقولون، ألم نقل لكم ، كل هؤلاء تآمروا علينا ، و دفعوا اموال ، وجندوا رجال ، متوقعين منا الاعتذار عن سذاجتنا .... وربما البعض منا فعلاً اعتذر... وهو معذور، فهو عالق بمتناذرة النتائج التاريخية، تلك المتناذرة التي تسطح التاريخ ليصبح احداثاً ببعدين، لا بثلاثة ابعاد.... أي البعد التاريخي للأحداث يتلاشى امام سرديتها، فتصبح النتائج في التاريخ مبررة لبداياته، ولمساره، وتمحي أي سيناريوهات أخرى، لأن النتائج لاتبررها، عوضاً عن أن تنظر إلى أن إلغاء تلك البدايات الأخرى المختلفة كانت لتؤدي إلى نتائج مختلفة ...
إذا كسوريين ، يجب أن نعيد بناء سيناريو صحارى، لا لشيء ، إلا أنه لليوم ، صالح ، نعم، صالح رغم كل ماحدث، ربما ما حدث، جعل مخرجات ذاك البيان أكثر وضوحاً لكل السوريين فالبيان الذي قال فيه حكماء سورية :
إن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى انهاء الأزمة.،و إن الاستقرار في البلاد ضرورة وطنية عليا وضمانة لتعميق الاصلاحات،و إن التسامح قيمة مثلى للخروج من الوضع الدقيق السائد،و رفض الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة ومن أي جهة تبادر إليه، و ضرورة الافراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الذين لم تشملهم مراسيم العفو السابقة والذين لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون والتأكيد على أن حق ابداء الرأي غير قابل للانتهاك ومصون تحت سقف الوطن والدستور وأن الحريات العامة حق لكل المواطنين.
وضرورة إعلاء قيمة حقوق الإنسان وصونها وفق أرقى المعايير الدستورية والإنسانية والعصرية والتوصية بإنشاء مجلس أعلى لحقوق الإنسان في سورية، و إن المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري.، و إن هيبة الدولة جزء من التفويض الوطني وهي تهدف إلى الحفاظ على كرامة وأمن الوطن والمواطن.
و،ن أي لقاء بين السوريين هو من أجل إقامة دولة الحق والقانون والعدالة والمواطنة والتعددية والديمقراطية التي تعتمد صناديق الاقتراع أساسا للتفويض السياسي، وإن سورية وطن للجميع وهي بلد التعددية بأنموذجها الأمثل.
و تطبيق مبدأ سيادة القانون وانفاذه بحق كل من ارتكب جرما يعاقب عليه القانون ومحاسبة الجميع دون استثناء.
و تسريع آلية مكافحة الفساد،و التأكيد والبناء على ما تم انجازه بمسؤولية تاريخية.
وأخيراً : رفض أي تدخل خارجي بشؤون سورية الداخلية وعلى رأسه ما يدعى بمبدأ التدخل الإنساني المستخدم كذريعة للنيل من مبدأ السيادة وهو المبدأ المقدس غير المسموح بالمس به اطلاقا.
اقرأوها ببعدها الثالث غير المسطح، هل هناك بند لا يمثلكم الآن ..
هل فعلاً تعتقدون أنه من الممكن الوصول إلى سقوف مختلفة ، سقوف الصراع على السلطة، كما صدر عن آخر بيان اصدرته المعارضة وتذهب به للتفاوض اليوم ببنود لا تتعدى بافضل احلامها البنود التي وضعت في صحارى.
ملايين الدولارات والخبراء ، ورجال فكر، ومفاوضات في ثلاث دول ، لنصل إلى بيان كل مافيه مما يمكن تحقيقه لايتجاوز بنود صحارى، وكل مايتم الضغط عليه عالمياً، هو رفع اوهام التغيير الشامل الماحق ، والقبول بالشراكة، وهذه ضغوط تمارس على قطبي الصراع .... أما نحن جماعة صحارى ومعهم ملايين من تصحرت بهم الحياة مابين البيانين .... لايريد أحد أن يضع عينه بأعيننا المعاتبة ....
فبين بيانين ... تكبدنا مئات الآلاف من القتلى ...
بين بيانين ... دخل من دخل منا إلى السجون ... واهينت روحه...
بين بيانين ... اختطف من اختطف ، اختفى من اختفى ...
بين بيانين ... دمرت ملايين البيوت
بين بيانين ... سبح من سبح ، ومشي من مشى ، وهُجرَ من هُجر ... هرباً من حرب لم يطلبها ...
بين بيانين ... هناك من ينظر الينا الان بألمه لا بعينيه ، ويتهمنا بأننا خناه... فوصل الى ما وصل اليه من يأس ... أو تفاوض اكره عليه ...
بين بيانين .... سننهي فصلاً أن الحل ليس بيد السوريين
الحل كان بيد السوريين ، ولن يكون الا بيد السوريين
مابين البيانين ... صمدت الدولة السورية
مابين البيانين ... صمد الشعب السوري
مابين البيانين ... تحولت سورية من بلد ... الى وطن
وان كان هناك اليوم تفاوض ....
فهو بين كل مايمثله بيان صحارى ... وبين كل من حاول الهروب من استحقاقاته...
بين بيانين .... السوري أثبت أنه كان الحل ..
وسيبقى الحل ...
اسألوا قاسيون .
التعليقات
القراءة والفهم والاعتبار!
إضافة تعليق جديد