«دعشنة» الإسلام في كتب ومنشورات «الخلافة»

12-08-2016

«دعشنة» الإسلام في كتب ومنشورات «الخلافة»

منذ إعلان خلافته قبل عامين، بحث الكثيرون في الايديولوجية الوحشية التي ينتهجها تنظيم «داعش»، و «براعته» في التجنيد السرّي لمُقاتليه، و «تنظيمه» في توزيع الأدوار ضمن هيكليته العسكرية، لكن لم يتكشّف، إلا «القليل»، عن أنشطته الفكرية ومنشوراته من كُتب وإصدارات كمجلة «دابق» وأشرطة مُصوّرة يوثّق فيها جرائمه.
في دراسة بعنوان « داخل صف الخلافة: الكتب الدراسية والأدب التوجيهي وطرق التلقين الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية»، هي الأولى من نوعها تناولت الكتب التي تنشرها الجماعة باللغة العربية منذ حزيران 2014، يرى المؤرخ في الشؤون الإسلامية والشرق الاوسط الحديث وزميل في معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» يعقوب أوليدورت، أنه «لا يُمكن قول أي شيء بشكلٍ حتمي عن جماعةٍ تُقدّر بلاغة اللغة العربية الكلاسيكية، وتخلّد أحداثا مذهبية وتنبؤية مبنية على نصوصٍ إسلامية، إلى أن نقرأ ونفهم كتابتها عن هذه المواضيع. لكن علينا أن ندرك، على الرغم من ذلك، أنّ هذه الكتب مهمّة لكنها غير كافية لفهم كيف تعمل الجماعة كمنظمةٍ إرهابية».
ووفقاً للدراسة، يُمكن لهذه المنشورات أن تُقدّم عدداً من الدروس حول طريقة مواجهة التنظيم على المسرح السوري ـ العراقي، فضلاً عن المسألة الحرجة المُتعلّقة بطريقة تحوّل الأفراد بأنفسهم إلى مُتطرّفين يُحاربون من أجل قضيته.
ويظهر من خلال الدراسة أن الجماعة تملك دار نشر واحدة وهي «مكتبة الهمّة»، مع أقسام مُتعدّدة يبدو أنّها تعمل وتُنتج المنشورات في الوقت الذي يُحارب «داعش» (في دول عدة) ويحكم أراضيه، ما يُعزّز المفهوم القائل إنّ الأفكار مهمّة إلى حدّ ما، نظراً لما تُضيفه من شرعية للتنظيم، فضلاً عن مساعدته على البقاء.
ويكشف مضمون بعض المنشورات معلومات مُهمّة تدلّ على المكان الذي يتحدّر منه الكاتب خصوصاً إذا ما استخدم عبارات تنمّ عن معرفة ثقافية لا يُمكن اكتسابها إلا بقضاء بعض الوقت في تلك البلدان الغربية.
كما تكشف هذه الأعمال وحجمها الشيء الكثير عن شخصية قُرائها أو ما يأمل الكُتّاب أن يتحوّل إليه قُرّاؤهم، مستعينين بالأدب الّذي تتراوح أنواعه من كتبٍ مدرسية لصفوف ابتدائية إلى كتيّبات موجّهة إلى مُقاتلين ومطبوعات عن أطروحات من القرون الوسطى.
وتنقسم المنشورات قيد المراجعة إلى فئتين:
ـ الأولى تضمّ الكتب الدراسية للفصل الدراسي الأول التي نُشرت في تشرين الأوّل 2015.
ـ الثانية فهي مُصنّفة بوجه عام بـ «الأدب التوجيهي»، وتضمّ كتيبات تهدف إلى توجيه عامة المُسلمين حول مواضيع تتعلّق بممارسة الطقوس أو الأخلاق الإسلامية أو القضايا المُعاصرة.
تكشف الكتب الدراسية للتنظيم، والتي يُقارنها مع المنهج الديني السعودي، عن وجود أسلوب منهجي لكيفية عرض المواد من أجل تبرير، بوسائل عقائدية، مجموعة أهداف التنظيم الرباعية وهي: تشجيع العنف، وتسيير أحداث تنبؤية، وإنشاء دولة «إسلامية» خالصة وتصنيفها بـ «الخلافة».
وتنقسم الكتب الدراسية إلى نوعين: الكتب التي تُعالج مواضيع دينية (القرآن، العقيدة، القانون، الشريعة) والكتب التي تُعلّم المعرفة العامّة والمهارات (الاستعداد البدني والرياضيات والنحو). وبالنسبة إلى النوع الأول، يعمل التنظيم على إضافة «طابع سلفي» إليها عبر تقديمه حصرياً النسخة «السنّية» ذات «النظرة الأصولية للإيمان» الذي تدعو إليه السلفية. ولكن فيما يتعلّق بالمواضيع الأخرى، يقوم التنظيم بـ «تدعيشها»، واضعاً الموضوع في إطارٍ يدعم مجموعة أهدافه الرُباعية المذكورة أعلاه ومُدرّباً التلاميذ للمساهمة في التنظيم من خلال تعميق معرفتهم بالمواد.
وفيما يخصّ الاستعانة بمراجع إسلامية لدعم المشروع «الداعشي» (آداب القرون الوسطى حول الخلافة أو الاعتماد على المدارس الفقهية الإسلامية في القيام بالشعائر الدينية)، يُساوم التنظيم حول «الصفاء الإيديولوجي» باستشهاده بكتّاب مُسلمين من القرون الوسطى الذين تُخالف رؤيتهم الدينية رؤية السلفيين.
بينما يُنشر «الأدب التوجيهي» (الذي يشمل مطبوعات وكتيبات إرشادية عن الالتزام بالطقوس والكُتيّبات الصغيرة) بهدف استنساب مختلف الكُتّاب المسلمين إلى التنظيم من أجل إعادة تعريف الإسلام وفقاً لـ «النظرة السلفية» التي يعتمدها التنظيم، بالإضافة إلى معالجة مواضيع معيّنة تُثير قلق أو مخاوف «داعش» في الوقت الحالي.
يمزج «الإسلام» الّذي يدعو إليه التنظيم في منشوراته بين «الصفاء السلفي» و«تمكين التنظيم» باعتباره الجهة المُطبّقة للإسلام. ويُبرّر التنظيم ذلك بأنّه يحكم المنطقة الوحيدة التي يُطبّق فيها «الإسلام الأصلي النقي»، وبأنه كـ «خلافة» لديه السلطة في تحديد ماهية الإسلام.
وبالتالي، وفقاً لرؤية «داعش»، فإن كل من يعيش خارج أراضي التنظيم أو يرفض الدفاع عن قضيته ليس مسلماً حقيقياً. وتتمّ صياغة المبادئ الإسلامية لتشمل الرضوخ للتنظيم كواجب مُلزم من الناحية القانونية.
وكما هو مبيّن في التسلسل الزمني، فإن تواريخ إصدار بعض الأعمال قد تسلّط الضوء على طموحات الجماعة وقلقها. على سبيل المثال، قد تدلّ الكتب التي أُعيد نشرها مؤخراً حول «جهاد الإعلام» وحول دروس مُستقاة من معارك النبي محمد على الحاجة إلى تقوية معنويات الجماعة وتوجيهها في ظلّ الخسائر الأخيرة في ساحة المعركة، كما تدلّ الأعمال التي أُعيد نشرها مؤخراً والتي وُصفت فيها الدول العربية بـ «الكافرة» على أنها استجابة إلى تحالف الدول العربية ضدّ التنظيم.

السفير (عن معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» بتصرّف)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...