أعمال نحتيّة غاية في الجمال على أشجار دمشق لتعيش من جديد

10-03-2016

أعمال نحتيّة غاية في الجمال على أشجار دمشق لتعيش من جديد

تكريس الجمال في دمشق هو همّ يخلص له الفنان التشكيلي السوري بطريقة مميزة عن أي فنان آخر، فهو يتعامل بحسّه مع الواقع بما يتناسب، فيكون الأكثر صدقاً وبقاءً من بين كلّ أنواع الفنون، وقد رصدنا مؤخراً العمل الخامس في الترتيب لمجموعة «إيقاع الحياة» المؤلفة من عدد من الفنانين التشكيليين السوريين الذين أثبتوا مهارة في التعاون، ومنح دمشق ألوان التفاؤل على الرغم من هجوم الحرب بألوان قاحلة.

إسعاف الأشجار الميتة
 ضمن ورشة العمل والمشروع الجديد، ونقصد النحت على أشجار، التقينا المجموعة ليشرحوا لنا ما يقومون به من إضافة فنيّة جديدة وما الهدف والمقصد من القيام بهذا المشروع الجديد فكانت البداية مع الفنانة التشكيليّة «رجاء وبّي» التي قالت: «يتميّز هذا العمل عن المشاريع السابقة لكونه قائماً على مادّة الخشب، فالأشجار التي ماتت مؤخراً حملت عمراً طويلاً قد يتجاوز المئة وخمسين عاماً، وعندما بدأت ورشة تابعة لمحافظة دمشق بقصّها والتخلّص منها، لأنها ماتت وانتهى عمرها، كان لنا دورٌ إسعافيّ، فعملنا على إنقاذها لمنحها الحياة من جديد، وذلك من خلال حالة من الإحياء الجمالي، فالشجرة بوجهٍ عامّ ذات رموز متعددة، ولكن هنا حافظنا على هويّتها من دون اجتثاثها من جذورها».

المباشرة مع المارّة
 المشروع محاكاة للمكان ببعده الحضاري من خلال هذه الأشجار التي عاشت وعاصرت المكان وتقلبات الزمان منذ ما يقارب أكثر من مئة وخمسين عاماً فقد سعى فريق العمل «إيقاع الحياة» إلى إبقاء الشجر في مكانه وتشكيل رموز وأشكال نحتيّة نافرة مع المحافظة على الكتلة بقدر الإمكان والوقت نفسه على ارتفاع الشجرة التي يصل إلى عشرين متراً في واحدة منها. تتابع الفنانة رجاء وبّي: «ميزة العمل أولاً هي المباشرة فيه أمام الناس المارّة من المكان وبالقرب منه فالحوار البصري والاحتكاك مستمران، وثانياً الشجرة بقيت في مكانها وموطنها الأساسي، فهي كانت شاهدة على مراحل عمريّة طويلة، وهي قريبة من نهر بردى، وبالتالي هي على تماس مباشر مع اليوم، والبارحة».
مخاطر

بمنشار وحيد يتمّ كلّ هذا العمل وهذا ما عبّر عنه «علي الظاهر» المختص في موضوع النشر، وأضاف: «مهمتي هي في النشر على الخشب من خلال المنشار الكهربائي، فالفنانون يخططون على الشجر؛ وأنا أمشي وراء الخط، لأقطّع، وأحزّز اللوحة بالشكل المطلوب، وبالتالي يظهر الشكل كما يرغبون فيه، والعمل في الأعلى مختلف عن العمل في الأسفل، فالتوازن في الأعلى مطلوب أكثر، ولاسيما أن آلة النشر ثقيلة، وخطرة في الوقت نفسه».

رموز
 يقوم المشروع برعاية وزارة التربية، ومحافظة دمشق، وبإشراف الفنان «موفق مخول» الذي شرح لنا بتفصيل أكثر عنه وعن الغاية منه: «فن النحت فنٌّ قديم عمره 10 آلاف سنة تقريباً، ومن خلال هذا المشروع ركّزنا على الرموز لإرجاع ذاكرة حضاريّة تهمّ المواطن، وبطريقة بسيطة تجعله أكثر قرباً من العمل وقادراً على فهم هذه الرموز، وتعمدنا هنا عدم الدخول في التجريد فهو مطروق في حدائقنا عموماً وذلك من خلال النحت على الحجارة، أمّا في التعامل مع الخشب فهناك خصوصيّة، وطبيعة مختلفة، فهو يفرض حالة إنسانية أقرب من التعامل مع الحجر أو المواد الأخرى، ويتصف النحت هنا بالشكل النافر، ويروي قصة إنسانية تخصّنا كسوريين، مع المحافظة على الكتلة الخاصة بالشجرة، ومن دون تشويه شكلها، ومكانها الأساسي، وروايتها التاريخيّة».
موقع حيوي

يتمّ العمل بهدوء وترو، فالقصد من العمل ليس فقط إنجاز الشكل الفني والانتهاء من المهمّة وحسب، بل هو حالة تفاعل مع الناس والمارة، فالمكان حيوي ولا يخلو من الكثافة، وكثرة الناس، فالمنطقة قريبة من جسر الرئيس وهي حديقة يرتاح فيها المارة ولها مرتادوها وهناك الطلاب وجامعاتهم، وأيضاً الموظفون والمتحف ومناطق السكن المجاورة وطريق الذهاب والإياب والسيارات… فهي منطقة تعجّ بالنشاط في كلّ ساعات النهر ومعظم ساعات الليل.

جذور
 من المشاركين في هذا المشروع أيضاً الفنان التشكيلي «علي مصطفى» الذي شرح عن مشاركته وآلية العمل التي يقوم بها: «مشروعنا الجديد هو عبارة ترسيخ للشجر الميت اليابس الذي عمره أكثر من 100 عام، فكنا سابقاً نعمل على جدران المدارس، أمّا هذا المشروع فمختلف تماماً، والشجر كبير الحجم والسماكة، وضعنا عليه رسوماتٍ تشكيليّة تاريخيّة تمثّل التاريخ السوري ابن هذا المكان، وبالتالي هناك نوع من المقاربة بين الشجرة المتمسكة بأرضها وجذورها والإنسان السوري الباقي الملتزم بأهله وأرضه وموطنه، بمعنى أن حالة العطاء مستمرة في حياتنا».

نقش سوري
 رسومات ورموز متعددة يراها المراقب ومنها نذكر رجلاً بالزيّ الآشوري وبالقرب منه لغة مسماريّة تدل على حضارة منطقتنا بالمجمل، ورموز مقروءة وزخرفات، كالعين والسمكة والوجوه وجسد المرأة وبيوت متداخلة وأحرف آراميّة، ووجه تدمري مع قطوع بيكاسيو، وتقطيع شكل المرأة، والبيت الشامي، فهناك حداثة، وهناك قديم والكثير الذي يتمّ حفره وولادته من جديد.

الاقتراب من الناس أكثر
 النحات «هشام المليح» يضيف لنا عن هذا المشروع أيضاً: «بدأنا العمل بصورة تدريجيّة فكان لدينا الأسلوب الهندسي المعماري، ومنه انتقلنا للأعمال النحتيّة الأخرى وهو ما له علاقة بصورة أو بأخرى لإعادة الإعمار في الوطن، فبصورة رمزيّة توحي تدرجات الأعمال إلى ذلك. وفي قسم واضح من العمل هناك انتقال نحو الأسطورة السوريّة والتاريخ السوري من القديم إلى الحديث، لكننا اهتممنا بالجانب الحضاري لتأكيد الهويّة السوريّة وذلك من خلال رموز سومريّة وآشوريّة والنقوش العربيّة والخصوصيّة السوريّة، وإيحاءات كثيرة، وقد لاحظنا ردّة فعل الناس متأثرين بما نقدمه ونشكّله، فيأتي كلّ يوم من يسأل ومن يراقب ومن يستفسر ومن يتأمل فالمكان يعجّ بالناس ويستقطب المزيد من الالتفاتات والفرجة، وهناك فكرة أريد إضافتها وهي أحد جوانب العمل الذي نقوم به وهو كسر ما يُشاع بأن الفنان بعيد عن الناس ويمكث في برجه بعيداً عنهم».

التعاون
 يحمل العمل لغة جميلة من التعاون فالمتعارف عليه أن العمل الفنّي من الصعب أن يصطبغ بلغة جماعيّة تعاونيّة لأن فردانيّة الفنان تأخذ مساحته الأكبر لأنه يعبر عما يدور في خلده بما يمكن أن يتعارض مع فنان آخر وحول هذه الفكرة كان استفسارنا وحديثنا مع الفنانة «صفاء ويبي»: «بات من المتعارف عليه أن الحالة الفردانيّة في العمل التشكيلي هي الواضحة، ولكن هنا لغة التعاون هي الطاغية، فالمحبّة حاضرة لدى الجميع، وهناك رغبة أساسية في ظهور عمل مشترك مختلف بيدٍ واحدة، وتحت إشراف الفنان «موفق مخول» فهناك روح لفريقٍ واحد منسجم ويتكامل في كل ما يقدّم من عمل».

يرتقون بأعمالهم
 كان لمجموعة «إيقاع الحياة» نشاطاتهم التي طُبعت في ذاكرة الحياة الفنيّة، وبدايتها اللوحة الجداريّة لسور مدرسة «بسام حمشو» في منطقة التجارة، التي استخدموا فيها توالف الزجاج والسيراميك وقطع أخرى غير صالحة للاستخدام لمنح المكان حالة جماليّة غير مسبوقة، ثم بعد ذلك انتقلوا ليوسعوا العمل أكثر على سور ومحيط مدرسة «نهلة زيدان» في المزّة، وهذا العمل نالوا عليه شهادة من مجموعة «غينيس» العالميّة كأكبر عمل إبداعي من توالف البيئة، وهذا الرقم لم يتمّ تجاوزه حتى اليوم منذ العام 2013، وبعدها كان للمجموعة عملها الثالث في جداريّة قُدّمت في يوم الصحة العالمي في ساحة شمدين، ثم عمل رابع في منطقة التجارة من جديد وهي عبارة عن لوحة نحتيّة بمادة الإسمنت على جدار متحف العلوم اسمها «إسمنت ولون» وسيتم الإعلان عن انتهاء العمل به رسمياً في وقتٍ قريب.

عامر فؤاد عامر

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...