الطبخ ليس من اهتمامات النساء

20-01-2007

الطبخ ليس من اهتمامات النساء

"أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته" حكمة أكل عليها الزمن وشرب ، ليحل المطعم والمأكولات السريعة محل المطبخ بعد نزول المرأة إلى سوق العمل وفرار البنات من تعلم الطهي.

تؤكد سهام التي تعمل من الصباح إلى المساء في إحدى المؤسسات التجارية، أنها لا تجد متسعا من الوقت لتحضير الأكل لعائلتها، مما دفعها إلى اللجوء إلى المطاعم أو إلى إحدى النساء المتخصصات في تحضير ما يطلب منهن مقابل مبلغ من المال.

أما نادية، فأسبابها مختلفة، ذلك أنها لا تعمل، لكنها ببساطة لا تهوى الطبخ، كما تقول "لا بل إن الطهو يشكل كابوسا بالنسبة لي". وتفضل أن تخصص وقتها للأشغال اليدوية من تطريز ورسم وتمضي ما تبقى من يومها في التسوق أو الاطلاع على أحدث المجلات التي تُعنى بعالم الخياطة.
وترى أن الاهتمام بأفراد عائلتها يمكن أن يتجلى بطرق عدة منها البقاء على بينة من أمورهم وتمضية الوقت معهم والخروج وإياهم إلى المطاعم .

هذان النموذجان ينفيان القول بأن "مفتاح قلب الرجل يمر عبر معدته"، لأن المتغيرات التي طرأت على المجتمع، أعادت ترتيب أوراقه وأولياته، فظروف المرأة تغيرت، وبات المجتمع استهلاكيا بشكل يولّد الحاجات باستمرار ويقدّم لها حلولا جاهزة مقابل ثمن.
دخول المرأة ميدان العمل، أيضا جعل إجادتها فن الطهو لا يضيف إلى سيرتها الذاتية رصيدا يساهم في تعزيز فرصها للزواج، وبالتالي غاب المطبخ من أجندة المرأة العصرية لتحلّ مكانه لائحة طويلة من أرقام المطاعم والشركات المتخصصّة بتقديم أطباق جاهزة.

إن تغيّر المعطيات الحياتية أوجد أيضا بدائل عديدة، فهناك الوجبات التي تملأ رفوف محلات "السوبرماركت"، والتي لا تتطلب أكثر من بضع دقائق في "المايكروويف" لتجهيزها. كذلك أصبح في الإمكان شراء عدد كبير من الأطباق العربية واللبنانية التقليدية كطبق "ورق العنب" أو الكوسة المفرغ والمعد للحشو أو الملفوف المحشو بالأرز واللحم أو حتى البطاطا المقطعة والمقلية جزئيا. وباتت مكونات "التبولة" اللبنانية جاهزة ولا تتطلب سوى الخلط وإضافة الصلصة.

فالحاجة الملحة إلى هذه الخدمات خلقت وظائف جديدة لبعض النساء اللواتي يهوين المطبخ ويردن الحصول على مورد مادي ، فقد تحولت شريحة منهن إلى تحضير أنواع معينة من الأطباق لقاء مبلغ متواضع، مثل أم باسل التي تقول لـصحيفة الشرق الأوسط : "أحب هذا العمل لأنني أستطيع من خلاله تحصيل رزقي، فيما أبقى حرة وغير مقيدة بدوام محدد، فأوصل الأطباق إلى المنازل صباحا من دون الحصول على مبلغ إضافي، لأنها بغالبيتها قريبة من مكان إقامتي، وبعد الظهر ألازم منزلي للطهو. وقد أصبح لدي عدد محترم من الزبونات اللواتي يطلبن مني تحضير أنواع معينة من الأطباق أسبوعياً، منها الكبة في الصينية أو الملفوف المحشو أو ورق العنب المحشو ، وأتقاضى بين 20 ألف ليرة (نحو 14 دولارا) و30 ألفا (20 دولارا)"

وتضيف أم باسل قائلة : "هناك بعض الطبخات مثل ورق العنب، يختلف سعرها بحسب الكمية. فكل 12 حبة ورق عنب احضرها لقاء 20 ألف ليرة. وإذا طلبت المرأة أن أقلي الطبخة أو أطهوها أضيف 5 آلاف ليرة (نحو 3 دولارات) إذا كانت الكمية كبيرة". ولفتت إلى انه غالبا ما يطلب منها "تحضير الأطباق الصعبة مثل الكروش والفوارغ والكبة الارنبية، لأنها معقدة وتتطلب وقتا طويلا للتحضير".

وتشير رشا اسكندراني مسئولة المبيعات في مؤسسة "سوفيل كايترينج" اللبنانية ، إلى ارتفاع الإقبال على خدمات المؤسسة بشكل ملحوظ خلال المناسبات. وتوضح قائلة " لدينا أكثر من 3000 طبق متوزع بين المطابخ العربية والأجنبية. ونتولى ترتيب المائدة من ألفها إلى يائها فنقدم الزينة والشراشف والكراسي إذا لزم الأمر".

بينما أفادت دينا عبود المسؤولة في شركة "كايت أند ماوث" بأن "النساء يطلبن طبقا أو اثنين ليضفن لمسة مميزة إلى مآدبهن. فالجزء الأكبر من عملنا لا يرتكز على حفلات الأعراس والخطبة، بل على دعوات العشاء المخصصة لخمسة أشخاص أو عشرة كحد أقصى، مع العلم أن غالبية زبوناتنا ينتمين إلى الطبقة الراقية، وبالتالي فإنهن لا يجدن الطهو مما يدفعهن إلى اللجوء إلى خدماتنا عند إقامة الولائم، خصوصا في موسم الشتاء، حين لا يكون الطقس مشجعا على الخروج إلى المطاعم. كما أننا نهتم بتقديم الصحون، فلا يترتب على المرأة غسلها بعد مغادرة الضيوف"،

وتضيف: "أحيانا تطلب المرأة إحضار شيف ونادل إلى المنزل ليتولى عنها مسؤولية التنقل بين المطبخ وغرفة الطعام، حتى يتسنى لها الجلوس إلى الطاولة والاهتمام بضيوفها".

في هذا الإطار تؤكد الدكتورة رندة شليطا، الاختصاصية في الطب النفسي، أن المطبخ "يضفي على المرأة الشرقية بنوع خاص، مفهوم "المرأة الأم"، ويعكس مدى أهليتها لتأدية وظيفة الأمومة. فألام هنا مرادف للكائن المنجِب الذي يهتم بأطفاله ويطعمهم. وإذا لم تقم بهذين الدورين، تطاردها عقدة الذنب والشعور بعدم الرضا. فتحضير الطعام يشكل لها ما يشبه بطاقة العبور إلى مصاف الأمهات الصالحات".

مشيرة إلى أن "المجتمع الاستهلاكي الذي أدخل المرأة ميدان العمل، أوجد عبر النشاط الإعلاني الواسع والمتسع باطّراد مجموعة جديدة من الحاجات، انعكست توجهاً نحو المأكولات الجاهزة والوجبات اليومية التي تباع في مطاعم أو شركات متخصصة في تقديم هذا النوع من الخدمات catering، بدلا من تمضية ساعات في المطبخ للطهو وتحضير الحلويات".

إلى جانب "الحاجات المصطنعة" تلعب الموضة دورا رئيسا، ففي مرحلة الستينات بدأ يظهر الميل إلى النحافة والهوس بامتلاك القوام الرشيق، مما خفف من الإقبال على المطبخ وإتقانه، لكن اليوم، كما تقول شليطا، "بدأنا نرى نجمات عالميات ممتلئات وغير طويلات، مثل شاكيرا وبريتني سبيرز ، كما بدأنا نلاحظ في الموضة ثيابا تلائم السمينات. لكن في المقابل، أعتقد أننا سنشهد عودة تدريجية للمرأة الشرقية إلى المطبخ بعد الابتعاد عنه فترة طويلة ذلك لشعورها بالذنب، النابع من طبيعة ثقافتها وتربيتها والمترسخ في لاوعيها".

وتتابع شليطا قائلة إن "ارتياد المطاعم بشكل متواصل يبعث على الملل، كما أن تناول الأطباق الجاهزة والسريعة مضرّ بالصحة ، فالتوجه نحو الأطباق الجاهزة له جوانب سلبية سرعان ما ستتبيّن ملامحها، حتى إن الأطفال سيملّون تناول هذه الأطباق بعد حين وسيطلبون من والدتهم تحضير طبخة يحبونها، لأنه لا بديل من أكل المنزل. وما يؤكد ذلك أن المطاعم التي تفتتح حديثا تشهد إقبالا كثيفا لا يلبث أن يتراجع تدريجيا بعد شهرين أو ثلاثة، بسبب ملل الزبائن من تناول الأطباق نفسها. العودة إلى المطبخ والأطباق التقليدية هي بمثابة الحنين إلى الجذور".

يضاف إلى ذلك أن تزايد أعداد اختصاصيات التغذية إنما يشير إلى تعاظم الحاجة إليهن في ظل تعاظم الأمراض الناجمة عن تناول الطعام غير الصحي الذي يسبب السمنة والسكري والكوليسترول وسواها. وتلفت شليطا إلى أن السكري سيتحول بعد نحو من عشرين سنة إلى المرض الأخطر في العالم، إضافة إلى كل هذا فإن تناول الوجبات الجاهزة تضعف الانتماء العائلي، لأن الالتفاف حول مائدة الطعام هو تقليد حميم يوطد العلاقة بين الأفراد.

وتشير متخصصة الطب النفسي إلى أن "علم النفس لا يصنّف ابتعاد المرأة عن الطهو سلبا أو إيجابا، لأن هناك طرقا أخرى يمكنها من خلالها التعبير عن حنانها وحبها لعائلتها، كأن تقرأ قصة لأطفالها قبل النوم أو أن تخصص وقتا للعب معهم. فإذا كانت تعمل ولا تملك وقتاً للطهو أو ببساطة لا تهوى المطبخ، من الممكن أن تشتري أطباقا جاهزة مرتين أو ثلاثاً أسبوعيا وتطهو مرة وتصطحب عائلتها إلى مكان ما في نهاية الأسبوع ، وفي الحالات التي تقرر فيها الوقوف في المطبخ، فمن السهل عليها أن تحول هذه الأوقات إلى متعة إيجابية في تعزيز روابط المحبة وتعزيز الأواصر العائلية.

لكن إلى جانب التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المجتمعات، هناك عنصر مهم جدا وهو موقع المطبخ أصلا في البيت. ففي الماضي كان يقع خارج المنزل تجنبا لانتشار الروائح النفاذة التي تنبعث منه. أما اليوم فهو جزء من البيت حتى لا يعزل المرأة عن عائلتها. أما الهندسة الاميركية للمطبخ فتجعله مفتوحا على سائر أرجاء المنزل بحيث يتوافر التواصل الكامل.

لكن المساحة تقلصت في لبنان ، ومع ذلك ما زالت تتوسطه طاولة صغيرة للأكل لا تمنح الراحة ، ويأتي تقليص مساحته لحساب غرفة الطعام التي توضع بها طاولة كبيرة نادرا ما تستعمل، وتعلق شليطا: "ينبغي إعادة تأهيل المنزل وتكييف استعماله، فهناك أقسام ـ في طليعتها غرفة الطعام ـ محظورة على الأطفال، ولا تفتح أبوابها إلا عند استقبال الضيوف، بل إنها عند كثيرين تبقى خارج الاستعمال تماما، لأن أهل المنزل يفضلون تكريم ضيوفهم بدعوتهم إلى المطعم بدلا من استضافتهم في المنزل، توفيرا للجهد من جهة ولأن المطعم بات أقل كلفة من جهة ثانية".

المصدر: محيط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...