سعاد جروس تكتب عن قدر حكومتنا الحارق
الجمل ـ سعاد جروس : هبت حكومتنا العلية هبتها المضرية للتصدي لمشكلة ارتفاع الأسعار الصاروخية, قرأنا أخبارها في نشراتنا الرسمية, ففكرنا لو أن بطلاً هماماً من هذا الزمان يسارع لربط زند الحكومة كي لا تأخذها الحمية وتبطش بالتجار الجشعين انتقاماً للمواطن المسكين, لكن وبما أن حكومتنا تنتمي لتيار يبعبع, أي على شاكلة «بعبع» الذي إذا كلمته لا يسمع, وإذا ذهب لا يرجع, وإذا أكل لا يشبع. والنتيجة أخيراً, لا فزع ولا جزع من فعل جامح كاسح, ولا فعل ولا رد فعل من دون توجيهات على وزن كلام الليل يمحوه النهار. الدليل أن صرخة رئيس الحكومة للجهات المعنية لإيجاد حل لمشكلة ارتفاع الأسعار ورسم آليات واضحة لتثبيتها او نزولها ورفعها, تردد صداها في البرية, وتمت المسارعة فوراً الى عقد اجتماع في غرفة صناعة دمشق, وصفته الصحافة المحلية بـ«اجتماع عمل», ربما لأن اجتماعات مؤسساتنا ليست للعمل!!
تم الاجتماع في غرفة صناعة دمشق, وحضره مستشارون عن رئاسة مجلس الوزراء ورئيس اتحاد غرف الصناعة في سوريا ونائب رئيس غرفة تجارة دمشق وأعضاء مجلس غرفتي التجارة والصناعة وممثلون عن وزارت الاقتصاد والتجارة ومديرية الأسعار تحديداً وجمع من الإعلاميين. وعلى ذمة الصحافة الرسمية, تركز هدف الاجتماع بداية «على حرص الحكومة على تنفيذ شراكة مباشرة حقيقية مع أطراف العملية والجمعيات الأهلية والمواطن». المؤسف أن ذكاءنا المحدود لم يسعفنا في معرفة من المقصود بأطراف العملية, وتعجبنا من ذكر الجمعيات الأهلية. فحسب علمنا أنها تصيب حكومتنا بأنفلونزا تحسسية, كتلك التي تسببها الطيور الضالة, إلا أننا سعدنا وكدنا نسقط مغشياً علينا من البهجة لتذكرهم إشراك «المواطن» في العملية بغض النظر عن نوعها, المهم أن يشارك ولو بالدفع بالتي هي أحسن. أي أنه لحسن حظه موجود غير مفقود في الخطط والخطابات الرسمية. ونقلت الصحافة عن المجتمعين أنه حصل تأكيد لأهميةالتوجهات باتجاهاقتصاد السوق الاجتماعي ومكانة المواطن فيها, وضرورة إفهام من لا يفهم «أن السياسات والبرامج الاقتصادية تهدف لتحقيق أولوية تلك التوجهات, وأنه وهو الأهم ليس صحيحاً أن ما يعانيه المواطن هو نتيجة لهذه السياسات, بل هناك عوامل عدة فرضتها طبيعة السوق ومن حق المواطن معرفة ما يدور حوله وإشراكه في هذه العملية كونه أمام خيارين, الأول خطر ازدياد ارتفاع الأسعار بشكل غير مقبول, والثاني خطر الجهل بأسباب هذا الارتفاع. إلى هنا الكلام حلو الطعم معسول المذاق, لكنه صعب البلع وعسير الهضم.
التقارير الصحفية التي نقلت حسب ظننا ما دار في الاجتماع بأمانة, لم تذكر أن المجتمعين وضحوا أياً من أسباب ارتفاع الأسعار اعترفوا بحق المواطن في معرفتها, وبقي كلام الحرصاء على الشراكة المباشرة مع المواطن محصوراً محشوراً في الحصرم إياه الذي ضرسنا منه نحن وآباؤنا وأبناؤنا, من قبيل قول أحد الاقتصاديين الأشاوس: «ان غلاء الاسعار الملحوظ وراءه اسباب كثيرة لايصح ان تلقى المسؤولية عنها على السياسات الحكومية, كما لايصح ان يتحملها التاجر, وعلينا النظر الى الجانب الآخر. فهناك حسب المؤشرات الصادرة عن المكتب المركزي للاحصاء, سلع ارتفعت اسعارها, وسلع انخفضت بالمقياس العام, وسلع حافظت على اسعارها نتيجة اعتماد سياسة التدخل الحكومي»!! طيب ماذا نفهم من هذا التصريح, هل تتحمل الحكومة المسؤولية أم لا؟
لم نقرأ معلومة واحدة مفيدة تثبت أن ارتفاع الأسعار والمنافسة الفوضوية, ليست بسبب السياسات الاقتصادية, ولا برهان يؤكد براءة الإصلاح مما يجري, حتى الجولة الميدانية التي قام بها المجتمعون قيامة رجل واحد على الأسواق, لم يخرجوا منها بما يهدئ بال المواطن ويضعه في صورة ما يجري من حوله, بل جاءت النتيجة التي خلص اليها بعض المجتمعين مذهلة في خفتها واستخفافها بعقول الناس. فقد صرح أحدهم, وكأنه ماري انطوانيت حين نصحت الشعب الجائع والمفتقد للخبز بأن يأكل البسكويت, ومثلها مسؤولنا الاقتصادي الذي رأى أن من واجبات الغرف الصناعية إرشاد اصحاب الدخل المحدود الى الأسواق الشعبية لأنها تبيع بأسعار تناسب مداخيلهم, وعليهم ألا يرتادوا الأسواق الأخرى حيث الماركات العالمية تستهدف جيوب الشرائح المملوءة!!
يبدو أن مسؤولنا الاقتصادي لا يعرف أن أسواقنا الشعبية صارت أغلى من أسواق الطبقة المخملية, ومعه حق فلا هو ولا عياله يؤمونها, كونه ليس سائحاً ليذهب الى باب سريجة والشيخ محي الدين ليكتوي بأسعار تضاهي في لهيبها نار سوق الشعلان, كما أنه ليس صحفياً ولا تابعاً لمنظمة ترعى شؤون اللاجئين ليذهب إلى سوق لوبيا في مخيم اليرموك, ليرى بأم عينيه أن أسعار الألبسة فيها تضاهي أسعار الحمرا والقصاع... ولا يعلم أن ما يعرف بالأسواق الشعبية فقد شعبيته ما عدا الجودة, التي لا معيار لها يضبطها, في سوق مجنونة لا ضابط لها سوى ضمير التاجر المؤمن بأن التجارة شطارة, تشجعها سياسات حكومتنا النازلة على رؤوسنا كالقدر الحارق الذي قال عنه العرب أنه «بمنزلة عين الشمس, كلما ازددت اليها نظراً ازددت عشى» نضيف: وعمى؛ زائد: نار ما في, ودخانها بيعمي.
بالإتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد