الجولاني يتوحّش بين العزلة والعزل والاغتيال
لا تقتصر الصعوبات التي يعاني منها زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني على كيفية مواجهة مؤتمر الرياض والعمل على إفشاله. فهناك صعوبات أخرى لا تقل أهمية. منها أن الجولاني لم يعد محل إجماع للاستمرار في قيادة «جبهة النصرة»، وهناك مطالبات بعزله من منصبه، كما أن حياته لم تعد في مأمن، فأكثر من جهة تضع الخطط وتعد العدة للتخلص منه عبر تصفيته.
وقد عكست المواقف التي عبّر عنها الجولاني، في مؤتمره الصحافي الذي خرج هزيلاً ومملاً برغم مشاركة ثلاث فضائيات في التحضير له، حجم المأزق الذي وجد نفسه فيه، بعد أن انقلب العديد من الفصائل على نفسه واختار تجربة طريق السياسة بعد أن أرهقه طريق السلاح.
وبعيداً عن التفاصيل، فقد كان واضحاً أن الجولاني يوجه تحذيراته، وربما تهديداته المبطنة، إلى فصيل أو فصيلين، هما «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، لأنه يدرك أنهما الفصيلان الوحيدان اللذان لهما ثقل معتبر في الساحة السورية. أما بقية الفصائل، بما فيها تلك المنضوية تحت راية «جيش الفتح»، فلا تعادل ما كان يعادله فصيل جمال معروف أو «حركة حزم».
ومن غير المستبعد أن يكون الجولاني أراد عقد مؤتمره الصحافي وبثّه قبل انتهاء مؤتمر الرياض، لتحذير الفصائل المشاركة من التورط في مواقف يعتبرها خروجاً عن الخطوط الحمراء، إلا أن تأخير بث اللقاء إلى ما بعد صدور البيان الختامي لمؤتمر الرياض أفقد اللقاء الصحافي هذه الوظيفة التحذيرية.
واللافت هنا أن اللقاء الصحافي تم بتره ولم يعرض كاملاً. وقد يكون أقسى ما قاله الجولاني هو توصيفه مؤتمر الرياض بأنه «خيانة لدماء الشهداء واستسلام لنظام (الرئيس بشار) الأسد»، وهذا التوصيف، وإن لم يكن حكماً منه بردّة الفصائل وكفرها، إلا أن التداعيات التي يمكن أن تترتب عليه قد تكون مشابهة لتداعيات الردة، لا سيما أن الجولاني ترك الباب موارباً بخصوص سؤال وُجّه إليه حول إمكانية الاقتتال، فاكتفى بالقول «إن هذا الحديث سابق لأوانه».
وبما أن فصيلين من فصائل «جيش الفتح»، هما «أحرار الشام» و «فيلق الشام»، شاركا في مؤتمر الرياض ووقّعا على بيانه الختامي، فهذا يعني أن «جيش الفتح» بات على شفا هاوية، إن لم يكن وقع فيها بالفعل، خاصةً أن هذا التطور يأتي بعد امتناع «جند الأقصى» عن العودة إلى «جيش الفتح» ورفضها المشاركة في معارك ريف حلب الجنوبي. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن العشرات من «جند الأقصى» غادروا إدلب واتجهوا نحو الرقة لمبايعة تنظيم «داعش».
ومما لا شك فيه أن الجولاني لم يكن مرتاحاً وهو يعلن مواقفه السابقة، لأنه يدرك أن من يتحدث عنهم هم أقرب الحلفاء إليه وخاصة «أحرار الشام»، وبالتالي فإن تصعيد اللهجة ضدهم سيزيد من طوق العزلة حوله والذي بدأ منذ خروج التظاهرات ضده في جنوب دمشق وبعض أرياف حلب وإدلب، ومنذ صدور بيانات ترفض التعاون معه من فصائل «الجبهة الجنوبية»، قبل عدة أشهر.
ولن يفيد الجولاني ذلك اللغط الذي حصل حول موقف «أحرار الشام» وتباين الأنباء بخصوص توقيعهم على البيان الختامي لمؤتمر الرياض من عدمه. لأنه حتى لو كانت قيادات الجناحين «الشرعي» والعسكري في «أحرار الشام» متمسكة بالانسحاب من المؤتمر، وترفض التوقيع على بيانه الختامي، فالبديهي أن «أحرار الشام» في النهاية هي من بين الفصائل التي حسمت أمرها حول الانخراط في الحل السياسي، وإن وضعت لذلك سقفاً مرتفعاً. وبالتالي سواء وقّع لبيب نحاس ممثلها في مؤتمر الرياض أم لم يوقع، فإن الفجوة بين توجهات «النصرة» وتوجهات «الأحرار» لم يعد بالإمكان ردمها، علماً أن مصادر متقاطعة من داخل «أحرار الشام» أكدت أن النحاس وقّع على البيان الختامي، لكنه تذرّع أمام قيادته بأنه اضطر لذلك بسبب تعرضه لضغوط كبيرة، وهو ما جعل قيادات الحركة تنخرط في نقاش واسع لتدارس كيفية الخروج من هذا المأزق، وتوضيح ما جرى لأنصار الحركة.
ويلاحظ أن الجولاني الذي صعّد مواقفه تجاه الفصائل، حرص على إبداء موقف مرن تجاه «داعش»، حيث أعلن رفضه قتال التنظيم تحت غطاء طائرات التحالف، كما تحاشى توجيه أي انتقاد له. وربما يعود ذلك إلى عدم رغبة الجولاني في إشعال النار من الجوانب كافة ومحاولة التهدئة مع التنظيم ريثما تتكشف مآلات مؤتمر الرياض.
من جهة ثانية، علمنا من مصدر مقرب من «جبهة النصرة» أن الجولاني تعرض خلال الأشهر الأخيرة لمحاولتي اغتيال. وقال المصدر إن المحاولة الأولى نفذتها جهة مجهولة، وكان من المفترض أن تتم عبر تفجير عبوة لاصقة زرعت في سيارته، لكن الجهاز الأمني كشف العبوة وفككها قبل صعود الجولاني إلى السيارة. أما المحاولة الثانية فقد تمت عبر إحدى طائرات التحالف الدولي، التي اغتالت القيادي عبد المحسن الشارخ (سنافي النصر) سعودي الجنسية، حيث استهدفته الطائرة بعد خروجه من اجتماع مع الجولاني، وثمة شكوك كبيرة بأن الهدف كان الجولاني وليس الشارخ.
وفي حال صحة هذه المعلومات، فمن شأنها التدليل على حجم التمزق الذي باتت تعاني منه «جبهة النصرة»، لا سيما أن القيادي السعودي ماجد الراشد أبو سياف، وهو متواجد في درعا، كان حذّر قبل عدة أسابيع من إمكانية اغتياله واغتيال غيره من قادة «النصرة»، مؤكداً أن الاغتيال سيكون من المقربين، وهو ما أكده القيادي الكويتي علي العرجاني (أبو حسن).
ويبدو أن محاولات الاغتيال لن تكون الطريقة الوحيدة المتبعة من بعض الجهات للتخلص من الجولاني، فقد كشفت بعض التسريبات أن عدداً من قادة «جبهة النصرة»، وبينهم أعضاء «مجلس شورى» حاليون وسابقون أرسلوا إلى زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري رسائل متتالية يطالبونه فيها بعزل الجولاني لأنه لم يعد قادراً على تقديم أي فائدة للتنظيم، وبسبب فشله الإداري، وهو ما اعترف به الجولاني نفسه عندما صرح عن هدر ما يقارب مليار ونصف مليار دولار. وقد أكدت تغريدات بعض قادة «النصرة»، مثل أبي حسن الكويتي والمعزول «أس الصراع»، صحة هذه التسريبات، وهو ما يعني أن الجولاني لم يعد يتمتع بثقة المحيطين به، وهو ما يعمق من أزمته وقد يدفعه أكثر فأكثر للتصعيد ضد خصومه.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد