الطحالب الحمراء.. ذهب المغرب الأحمر
قبالة شاطئ سيدي بو زيد في مدينة الجديدة غرب المغرب، حيث يتوافد المصطافون كل عام بأعداد غفيرة، يواظب رجل خمسيني على الغوص يومياً في مياه البحر العميقة، مستخدماً عدة تقليدية بحثاً عن الطحالب الحمراء، مصدر الجيلاتين النباتي المستعمل في عدة مجالات صناعية، والذي يطلق عليه السكان المحليون اسم "الذهب الأحمر".
ويعرف التيباري جيداً أن الطمع بعائدات "الذهب الأحمر" يؤدي كثيراً إلى حوادث غرق في صفوف الشباب غير المتمرسين على الغوص، لكن قيمة هذه المادة تجعلهم يجنون أكثر من مئتي يورو في اليوم، كما أن المتمرسين منهم، لا سيما أصحاب القوارب، قد يجمعون قرابة 250 كيلوغراماً يومياً، ما يساعدهم على تحصيل غلة وفيرة من المال.
وتصنف شواطئ مدينة الجديدة، التي تبعد حوالي 95 كيلومتراً جنوب مدينة الدار البيضاء، من أغنى شواطئ العالم بالطحلب الأحمر، الذي تستخلص منه مادة "أغار أغار"، المستعملة في صناعة الجيلاتين النباتي، أحد أهم المكملات المعتمدة في الصناعات الغذائية، إضافة إلى الأدوية ومستحضرات التجميل.
وتربعت المغرب لعقود على قائمة الدول المنتجة لمادة "أغار أغار"، التي اكتشفت في اليابان في العام 1958، قبل أن تتراجع الدولة الأفريقية إلى المركز الثالث بعد الصين وتشيلي خلال العقد الأخير، بسبب الاستغلال المفرط وغياب القوانين والمراقبة.
وتصاعد الطلب على الجيلاتين من أصل نباتي (الطحالب الحمراء)، بدل الجيلاتين الحيواني، بعد تفشي مرض جنون البقر، كما من أسباب الطلب عليه اعتبارات دينية وصحية تصنف الجيلاتين الحيواني من بين المواد المسرطنة.
ويتذكر التيباري المخنتر، الذي ينشط في هذا المجال منذ ثلاثة عقود، أنه "في التسعينيات ومطلع العقد الماضي، كان الإنتاج وفيراً، أما اليوم فانقرضت النبتة، ولا يستفيد منها سوى أصحاب البواخر والشركات الكبرى المصدرة".
وفيما يمضي الناس عطلة الصيف بالتسلية على رمال الشاطئ، يلبس التيباري بزة الغوص المتهالكة والمرقعة مع حذاء بلاستيكي وأنبوب طويل يساعده على التنفس منذ الصباح الباكر، يومياً خلال أشهر الصيف الثلاثة، ويمضي من ست إلى ثماني ساعات في اليوم وهو يغوص تحت الماء لجمع الطحالب الحمراء، لإعالة أسرته القاطنة في حي البحارين العشوائي في المدينة، فيما ترابض عشرات النساء برفقة أطفالهن قرابة شواطئ المدينة الصخرية لالتقاط ما يلفظه البحر من طحالب حمراء، وبيعه.
ومع اشتداد الطلب على مادة "أغار أغار"، وتراجع كميات الطحالب الحمراء، دق "معهد الدراسات البحرية" في المغرب ناقوس الخطر في العام 2009، محذراً من إمكانية اختفاء هذه النبتة البحرية، ما دفع وزارة الصيد البحري المغربية إلى وضع برنامج حماية في إطار استراتيجية "هاليوتيس".
و"هاليوتيس" هي استراتيجية وضعت في العام 2010 للنهوض بقطاع الصيد البحري، لتنظيم استغلال الثروات البحرية المغربية، ومن بين أهدافها حماية "الطحلب الأحمر" عبر فرض مراقبة صارمة على المنتجين والمصدرين، وفرض شروط وكميات معينة مع فترة راحة بيولوجية تمتد لفترة ثلاثة شهور.
وتقول الباحثة في قطاع الصيد البحري المغربي زكية دريوش "قمنا بإعادة تقييم على جميع المستويات، فقد حددنا ثمنا مرجعياً للبحارين، كما حددنا ثمن التصدير وشروطه، وفرضنا فترة راحة بيولوجية، لاحظ معها معهد الدراسات البحرية عودة 30 في المئة من الطحالب الحمراء إلى مستواها".
أما الوحدات الإنتاجية المختصة والمجهزة فتجمع كميات أكبر من الطحالب الحمراء، لكنها تبقى ملزمة بالتصريح بها. وقد حددت وزارة الزراعة المغربية الانتاج الاقصى بـ6040 طنا سنويا، 20% منها مخصصة للتصدير.
وفي السوق المغربية اليوم، وحدة إنتاجية وحيدة لاستخلاص "أغار أغار" (80 في المئة من كميات الطحالب)، تقع في مدينة القنيطرة.
وقرر صاحب هذه الوحدة الصناعية بناءها فوق أكبر حوض مائي جوفي في المغرب، اذ يتطلب استخلاص "أغار أغار" طهو الطحالب الحمراء في الكثير من الماء، ويبلغ استهلاك هذه الوحدة يومياً مليوني ليتر مكعب تتم معالجتها بعد الاستعمال، بحسب ما يوضح مدير الوحدة عبد الوهاب رياض.
ويوضح رياض أن "الطحالب الحمراء المغربية هي الوحيدة التي يمكن استعمالها، بفضل خصائصها، في صنع مزارع استنبات البكتيريا في المختبرات الطبية، ودراسات استخدام مركباتها".
(عن "ميدل إيست اونلاين")
إضافة تعليق جديد