«داعش» يفرض انحرافه: الموصل تخسر مسيحييها ومليون و250 ألف نازح في العراق
أضحت مدينة الموصل العراقية من دون مكوّنها المسيحي التاريخي، بعد قرون على مشاركته في بناء ثاني أكبر مدن بلاد الرافدين، وذلك عندما فرض تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» مفاهيمه «الدينية» المنحرفة على المدينة التي سيطر عليها بداية شهر حزيران الماضي، وسط عجز عراقي، وتخاذل اقليمي ودولي عن التحرك لمنع التغيرات الخطيرة التي باتت تشهدها الخريطة الديموغرافية لمختلف المكونات في البلاد وفي المنطقة عموماً.
وشكّل ظهر أمس الأول، الموعد النهائي لخروج المسيحيين من الموصل، فيما دعا رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي، أمس، العالم إلى الوقوف بوجه «داعش»، في حين انتقد البابا فرنسيس عمليات الاضطهاد التي يتعرض لها مسيحيو العراق الذين «جُرِّدوا من كل شيء».
وترافق النزوح عن الموصل مع إعلان المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، أنّ مجمل عدد النازحين في العراق جرّاء الأوضاع الأمنية المتردية أخيراً وصل إلى مليون و250 ألف شخص.
في هذا الوقت، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس، أنّ «التشدد والتطرف المذهبي يهدد المنطقة برمتها، بما في ذلك إيران»، مضيفاً، في الشأن العراقي، «لسنا بصدد دعم أي شخص، نحن ندعم الشعب العراقي وخياراته».
وقال المالكي، في بيان أمس، إنّ «ما تقوم به عصابات داعش الإرهابية ضد مواطنينا المسيحيين واعتدائهم على الكنائس ودور العبادة في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، إنما تكشف بما لا يدع مجالا للشك الطبيعة الإجرامية والإرهابية المتطرفة لهذه الجماعة وما تشكله من خطر على الإنسانية وتراثها المتوارث عبر القرون». وتابع «ندعو العالم أجمع الى تشديد الحصار على هؤلاء والوقوف صفاً واحداً لمواجهتهم».
من جهته، قال البابا فرنسيس في صلاة البشارة الأسبوعية من شرفة الفاتيكان المطلة على ساحة القديس بطرس «لقد تلقيت بقلق الأنباء الواردة من الجماعات المسيحية من الموصل، في العراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط».
وأضاف «تعيش هذه الجماعات منذ بداية المسيحية مع مواطنيها... وهي تتعرض الآن للاضطهاد».
ولم يسبق لمدينة الموصل أن خلت من أهلها أصحاب الديانة المسيحية كما هو حاصل اليوم. وبات كل شيء متعلق بهذه الديانة معرّضاً للتخريب والسلب على يد رجالات «دولة الخلافة» التي اتخذت من ثاني أكبر مدينة عراقية مركزاً رئيسياً لها، وهي المدينة التي تعد أيضاً من بين أقدم المدن التي يعيش فيها المسيحيون العراقيون.
وقال رئيس أساقفة الموصل المطران بطرس موشي، المتواجد حالياً في ناحية قرقوش القريبة من كردستان، إنّ مركز مدينة الموصل بات خالياً تماماً.
وكشف المطران موشي، عن أنّ مسلحي «داعش» أرسلوا بطلبهم للتشاور في موضوعهم قبل الرحيل «ولكننا لن (لم) نذهب لأننا فقدنا الثقة بالجميع. فهم خدعونا وقالوا لنا في البدء لا مشكلة علينا ومن ثم اعتبرونا كفّاراً».
وهرب الآلاف من المسيحيين من المدينة في الأيام الأخيرة على اثر إنذار وجهه تنظيم «داعش»، حيث وجهت رسائل عبر مكبرات الصوت إلى المسيحيين في مساجد المدينة يوم الجمعة الماضي، مطالبة إياهم بمغادرة المدينة اعتباراً من ظهر أمس الأول، بحسب شهود.
وسبق ذلك صدور بيان، خلال الأسبوع الماضي، موقّع باسم «الدولة الإسلامية»، أكد على أنّ من يمتنع عن الخروج سيكون مصيره التصفية.
وغادرت العائلات المسيحية مدينة الموصل قبل انتهاء المهلة، تاركة وراءها الممتلكات والبيوت. وتوجه هؤلاء إلى بعض القرى المسيحية الآمنة في محافظة نينوى التي تخضع لسيطرة قوات «البشمركة»، وإلى إقليم كردستان.
وقالت الأمم المتحدة إنها أحصت وصول 400 عائلة مسيحية، أمس، إلى مدينتي الدهوك وأربيل في إقليم كردستان العراقية.
من جهته، قال بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو إنّ جميع المسيحيين غادروا مدينة الموصل بانتهاء المهلة ظهر أمس الأول، وأن «القليلين من الذين قرروا البقاء سوف يواجهون مصيرهم المحتوم، وأشعر أنهم أموات».
بدوره، رأى يونادام كنا، الأكثر شهرة بين السياسيين العراقيين المسيحيين، أنّ ما يحصل هو «تنظيف عرقي لكن لا يتكلم أحد عنه».
واستنكرت الولايات المتحدة، أمس الأول، بـ«أشد العبارات» ممارسات «داعش» ضد الأقليات الدينية في الموصل، مؤكدة أنها أعمال «بغيضة».
في سياق منفصل، كشفت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أنّ مجمل عدد النازحين داخل العراق بلغ مليونا و250 ألف شخص. وقال عضو المفوضية هيمن باجلان، في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب العراقي، إنّ «التوقعات تشير الى أن هذا العدد قد يزداد مع بد العمليات الإجرامية مرة أخرى».
على صعيد آخر، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس أنّ «التشدد والتطرف المذهبي يهدد المنطقة برمتها، بما في ذلك إيران، ونحن لا نحب رؤية جيراننا في حالة غير مستقرة».
وأضاف ظريف، في حديث إلى شبكة «سي إن إن» الأميركية، أنّ «إيران، وقبل كل شيء، تريد الحفاظ على وحدة العراق، وقد تحدثت مع كل وزراء الخارجية في المنطقة، وكلهم يريدون أن يحافظ العراق على سلامته ضمن حدوده».
وبشأن الدعم الإيراني لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ألمح ظريف إلى وجود حدود لكل شيء حين قال «لسنا بصدد دعم أي شخص. نحن ندعم الشعب العراقي وخياراته، وأي شخص سيختاره الشعب العراقي لمنصب رئاسة الوزراء سيحصل على دعمنا».
في هذا الوقت، وبعد يوم على عودة رئيس البلاد جلال طالباني (80 عاما) إلى العراق اثر رحلة علاج في ألمانيا استمرت 18 شهرا بعد إصابته بجلطة دماغية، ذكر مصدر أمس أنّ «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي يتزعمه، حصر خياراته بين القياديين برهم صالح وفؤاد معصوم للترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية. ومن المفترض أن يجتمع البرلمان العراقي بعد غد الأربعاء في جلسة سيطغى عليها ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وحطت طائرة الطالباني الخاصة في معقله السليمانية في كردستان، أمس الأول، واقتصر الاستقبال على المقرّبين منه فقط. وبثت مواقع وقنوات كردية صورا للطالباني خلال لقائه نائبه الأول في الحزب كوسرت رسول، من دون إعطاء تفاصيل أخرى.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد