مهرجان «كان» الـ67 على خطى أسلافه: مشاهدات تثير سجالاً في الأيام الأولى
تُشكّل الأيام الأولى لمهرجان «كان» السينمائي، عادة، مساحة خصبة لمُشاهدات تثير سجالاً، ولأفلام تساهم في تكوين آراء عامة ومبدئية حول النمط الإبداعي المستخدَم في كل دورة من دورات المهرجان الأبرز والأهم في العالم، على المستوى السينمائي. لم يتبدّل الأمر في الدورة الـ67 (14 ـ 25 أيار 2014) هذه: سجال سبق حفلة الافتتاح المتمثِّلة بعرض فيلم «غريس أميرة موناكو» للفرنسي أوليفييه دهان، واستمرّ إلى ما بعد العرض، الذي لم ينل إعجاباً كافياً من نقّاد وصحافيين سينمائيين عديدين. سجال سبق العرض الدولي الأول لـ«أهلاً وسهلاً بكم في نيويورك» للأميركي آبيل فيرارا، عن القضية التي شغلت أوساطاً سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية كبيرة في العالم، جرّاء التقدّم بدعوى قضائية ضد الحاكم المالي الأول في العالم دومينيك شتراوس ـ كان، بتهمة التحرّش الجنسي بعاملة التنظيفات نافيسّاتو ديالو في فندق «سوفيتال» في نيويورك في العام 2011. سجال نقدي تناول ثلاثة أفلام حديثة الإنتاج تناولت سِيَر 3 شخصيات فاعلة في المشهد الثقافي ـ السينمائي ـ الاقتصادي، هي، بالإضافة إلى فيلمي الأميرة غريس كيلي والاقتصادي شتراوس ـ كان، فيلم «السيد تورنر» للإنكليزي مايك لي (هناك فيلم رابع في الفئة نفسها بعنوان «سان لوران» للفرنسي برتران بونيلّو، لم يُعرض بعد).
سجالات اعتادها المهرجان السينمائي المُقام سنوياً في الـ«كروازيت» الفرنسية. سجالات تبدأ من السياسة العامة وتنتهي في السينما، أو تنطلق من وقائع الحياة الخاصة بشخصيات عامة، قبل أن تبلغ فعل المُشاهدة والقراءة السينمائيتين. أبناء الأميرة الراحلة غريس كيلي (1929 ـ 1982) اعتبروا، بعد منحهم «بركة» العائلة المالكة في «إمارة موناكو» لإنجاز الفيلم، أن ما صنعه داهان يُجافي الحقائق، بينما أكّد المخرج أن صنيعه فنيٌّ بحت يستلهم التاريخ. المخرج نفسه خاض معركة ضد المنتج الأميركي هارفي وينشتاين، موزّع الفيلم في الولايات المتحدة الأميركية، على أساس أحقية الأميركي بتحديد ما يُعرف بـ Final Cut، علماً أن الغلبة كانت لداهان، إذ اختارت إدارة المهرجان النسخة الأصلية وفقاً لرؤية المخرج. إلى ذلك، عرف تنفيذ مشروع فيرارا، الذي مثّل فيه جيرار ديبارديو وجاكلين بيسّيه، تحدّيات شتّى، بدءاً من فكرة الموضوع نفسه، وصولاً إلى كيفية عرضه، ومروراً بالعثور على الميزانية المطلوبة. لكن لقاء «كبار» في المشهد السينمائي (فيرارا المخرج، وديبارديو الممثل، وفنسان مارافال المنتج وأحد مؤسّسي شركة الإنتاج «وايلد بانش») أفضى إلى تأمين ميزانية مقبولة لفيلم لن يُعرض في الصالات التجارية. يُذكر أن الفيلم عُرض مساء أمس الأول السبت، في صالة سينما «لو ستار»، قبل ساعات قليلة على إطلاق عروضه العامة وفقاً لتقنية «فيديو على الطلب» في مقابل 7 يورو فقط. صالة متواضعة تحوّلت إلى «محجّة العالم» لساعات قليلة فقط، بفضل غنى المادة الدرامية، وضجيج الحكاية كلّها، واقعياً وسينمائياً.
سجالات من نوع آخر، أكثر سينمائية إن صحّ التعبير: فإلى «الاستياء» النقدي من «كاريكاتورية» فيلم دهان (غريس أميرة موناكو) وابتعاده السينمائي الإبداعي عن جماليات فيلمه السابق «الصبيّة» (2007) المتعلّق بسيرة إديث بياف، وجد عديدون في «السيّد تورنر» مجالاً أرحب لقراءة سينمائية تُقارب تلك المقتطفات المستلّة من السيرة الحياتية والإبداعية للفنان التشكيلي الإنكليزي جوزف مالّورد ويليام تورنر (1775 ـ 1851)، بتوغّله في مفردات العصر الفيكتوري، وبتمدّده على مساحة الذاتيّ والعام في زمن امبراطورية تواجه تحدّيات في شتّى أمور الحياة اليومية: «كان رسّاماً كبيراً. أدركتُ أنه كان ممكناً لي أن أستلهم من حياته ما يجعلني أحقّق هذا الفيلم. يجب على المخرج أن يشعر بشيء من التقدير إزاء شخصية يختارها لصنع فيلم عنها. كانت حياة تورنر صعبة. لا شكّ في أني شعرتُ بهذا التقدير إزاءه»، كما قال مايك لي في المؤتمر الصحافي الذي أعقب العرض الصحافي قبل أيام.
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد