أوروبا في اجتماع أزمة مستمر لإقناع موسكو بالرجوع عن "لغة القوة"
رسائل روسيا وصلت، بعدما اختارت الكلام بلغة القوة العسكرية. الأوروبيون حذرون من صعود شجرة التهديدات، ومحاكاة سلوك واشنطن. لا بأس بالتسوية، عبر جر موسكو إلى مساومة جديدة حول صياغة الحكم الأوكراني الجديد. يبقى هذا، بالتقدير الحالي، أفضل من عواقب حرب على حدود التكتل الأوروبي.
لاحتواء الأزمة المتصاعدة، عقد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي اجتماعا طارئاً في بروكسل أمس. إنه الاجتماع الثاني خلال أسبوعين. حالة الطوائ هذه مستمرة، لكن على مستوى أعلى، إذ من المنتظر أن يعقد زعماء الاتحاد الأوروبي قمة طارئة أيضاً لإعادة تقييم الخيارات الاوروبية، في ضوء ردود فعل موسكو على جهود الوساطة الدولية.
في هذه المرحلة، لوح الأوروبيون بإمكانية استخدام العقوبات. مبدئيا، قاموا بخطوة الحد الأدنى. عبروا عن "الإدانة القوية" لما اعتبروه "الانتهاك الواضح لسيادة أوكرانيا عبر الأفعال العدوانية للقوات المسلحة الروسية"، ودعوا القوات الروسية إلى الانسحاب إلى مراكز تجمعها في قاعدة البحر الأسود.
التلويح بالعقوبات جاء عبر إعلان الأوروبيين انهم سيعيدون النظر بالعلاقات مع روسيا، بحسب تفاعلها. ذكروا تحديداً تعليق اتفاقية تسهيلات "الفيزا" للمواطنين الروس، وتجميد المباحثات حول الاتفاقية الجديدة للشراكة.
يستغل الأوروبيون هنا مطالبة موسكو المستمرة بتسهيلات التأشيرة، وتعويلها على اتفاق جديد يمحنها وضع "الشريك المميز" لأوروبا. الباب الأوروبي مفتوح أمام عقوبات "مستهدفة، في حال التصعيد". في انتظار خطوات موسكو، أكد الوزراء الأوروبيون، بلهجة تحذير ديبلوماسية، انهم جاهزون "لاتخاذ التدابير اللازمة بسرعة".
وبينما كان وزراء الخارجية يواصلون اجتماعهم، بدأت الاستعدادات للحدث الأكبر. باشر عمال التجهيزات توزيع الطاولات في البهو الكبير للمجلس الأوروبي، مؤذنين بأن القرار اتخذ لعقد قمة طارئة على مستوى الزعماء. وبحسب توقيت ساعة الأزمة المتسارعة، سيكون مع حلول الخميس مضى ما يكفي من الزمن ليقيّم قادة الاتحاد خياراتهم.
الآن يفكر الأوروبيون بعروض جديدة. موسكو تطالب بالعودة إلى اتفاق 21 شباط بين الرئيس الاوكراني المعزول ومعارضيه، بعد الوساطة الأوروبية والروسية. يعي المسؤولون الأوروبيون أن روسيا لا تعني بالضرورة عودة فيكتور يانوكوفيتش، ولكن عدم قيام حكم مناوئ لروسيا في كييف.
لا يضمن ذلك الوعود، ولا حديث السلطة الحالية في كييف عن موسكو بوصفها شريكاً لا غنى عنه. الضمانة الوحيدة تكون عبر إشراك حلفاء موسكو في السلطة، وعبر تمثيل مقنع.
لذلك، جعل استعراض القوة العسكرية الروسية الأوروبيين موافقين مبدئياً على إعادة تشكيل الحكم.
وزير خارجية بلجيكا ديديه ريندرز قال إن إعادة بناء السلطة هو الاقتراح الافضل، وإن لم يكن عبر اتفاق 21 شباط فعبر آخر من وحيه: "يمكننا البناء عليه: انتخابات جديدة، وحكومة انتقالية، وربما سلطة جديدة في أوكرانيا".
خيار التصعيد العسكري ليس مطروحاً، كما يؤكد الوزير البلجيكي، "هناك خيار وحيد. نحتاج للضغط على روسيا لايقاف هذا التصعيد والعودة إلى وضع أكثر هدوءاً، ثم فتح حوار داخلي في أوكرانيا، وأيضا مع روسيا".
وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون ستلتقي نظيرها الروسي سيرغي لافروف اليوم. لإنضاج تسوية جديدة، أيد الأوروبيون البناء على جهود الوساطة الدولية. أبرزها إرسال بعثة من منظمة الأمن والتعاون الاوروبي، خصوصا لكون روسيا عضوا فيها.
من دون الانسحاب الروسي من الصعب الحديث عن حل عسكري، بحسب وزير الخارجية السويدي كار بيلدت. لكنه قال بوضوح إنه ليس متفائلاً بليونة روسية مفاجئة "البعض في روسيا لا يزال معجباً بعقليته العسكرية".
في الاجتماع الأوروبي هناك دول دعت إلى استخدام ورقة العقوبات الصارمة مباشرة. هذا ما أكده ديبلوماسيون حضروا المداولات. مؤيدو هذه الخطوة هم خصوصاً دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا. كانت جمهوريات سوفياتية سابقة قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ولا يزال خطابها الأكثر حدة، خصوصاً مع أزمة تستحضر إرث الهيمنة العسكرية الروسية.
توجس هذه الدول أجمله وزير الخارجية الليتواني، ليناس لينكفيشيوس؛ أقر قبل أي شيء أن أوروبا، بكل حال، لا تمتلك الكثير من الخيارات للضغط على موسكو، لكنه طالب بتحرك سريع يمنع تكرار سيناريو جورجيا، عندما دخلتها روسيا في العام 2008، واستطاعت فرض استقلال مناطق الغالبية المتحدثة بالروسية.
قال لينكفيشيوس بلهجة محبطة: "أعتقد أنه لم تستخلص دروس تلك الأزمة"، مشدداً على أنه "في جورجيا رأينا احتلالاً أجنبياً لدولة مستقلة، وبعدها تم ترسيخ الوجود العسكري في هذه الأراضي، لذلك يجب علينا تعلم الدروس وألا نسمح بأن يعاد ذلك".
لكن الدول الأوروبية الوازنة تعارض تصعيداً أوروبياً عبر العقوبات، وتفضل خيار الديبلوماسية. بكلمات أدق، إنه خيار المساومة والتسوية. أوروبا ليست على استعداد لتحمل تبعات حرب على حدودها، ما دامت موسكو أظهرت أنها مستعدة للذهاب بعيداً في دفاعها عما تعتبره منطقة نفوذها الأهم.
وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير كان أبرز المعارضين للتصعيد، وقال إن "ديبلوماسية الأزمة ليست ضعفاً، بل هي ضرورية أكثر من أي وقت مضى لتجنب الانجرار في هاوية التصعيد العسكري". لذلك، يرى أن أفضل ما يمكن إنجازه الآن هو "إشراك حكومتي روسيا وأوكرانيا في حوار مباشر يمكنه المساعدة في تقليل التوتر".
يأمل الأوروبيون أن تعيد موسكو حساباتها، وأن تقتنع بأنها ستكون "الخاسر الأكبر" من بقاء الأزمة مفتوحة. هذا ما أكده وزير خارجية هولندا فرانس تيمرمانس، وقال إن "عواقب عدم حل هذه القضية ستكون صعبة على كل أوروبا"، مشدداً على أنه "ستكون العواقب أسوأ على روسيا مما هي بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي".
التراجع عن لغة التصعيد بدا واضحاً لدى حلف "الناتو". في الاجتماع الطارئ لسفراء دوله، أمس الأول؛ بدأ أمينه العام أندرس فوغ راسموسن ببيان يعتبر أن تدخل روسيا "يهدد الأمن والسلم في أوروبا". لكن بعد ختام الاجتماع، الذي أدان التدخل، لم يعد راسموسن لذكر هذه العبارة.
اليوم، سيعقد اجتماع طارئ آخر لـ"حلف شمال الأطلسي". بولندا طلبت الاجتماع، لنقاش تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الحلف المتعلقة بتفعيل الدفاع المشترك في حال تعرض إحدى دول الناتو لما يهدد أمنها الوطني.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد