تمشيط جوار صيدا خطوة أولى
تتشابك المواقف والخطط، دوليا وعربيا، عشية «جنيف 2»، وبديهي ان هذه الفترة الحرجة سوف تشهد سيلا من المناورات والتهديدات والمعارك الفعلية لتحسين المواقع وتأكيد التحالفات، او محاولة تفسيخ «الجبهة المضادة».
وتشير الحوادث الاخيرة التي شهدها لبنان، مع التقديرات السياسية والامنية حول المستقبل القريب، الى ان «هذه الساحة» ستوظف في الصراع على سوريا، والذي تنخرط فيه دول كبرى ودول عربية وتركيا بالاضافة الى بعض اوروبا.
ويرى مراقبون ان التطورات في سوريا، قبل مؤتمر جنيف وخلاله وبعده، ستلعب دورا مؤثرا في سياق الحركة السياسية اللبنانية بعنوان معركة رئاسة الجمهورية.
وثمة بين الدول من يحاول ان «يقطف» هذه الرئاسة باستثمار مؤتمر جنيف تحت شعار ضرورة حماية دول الجوار، ولبنان على وجه التحديد، من انعكاس التطورات المحتملة التي ستعقب مؤتمر جنيف الذي سيكون له ما بعده قطعا «جنيف 3» و«جنيف 4» والى آخر ما هنالك، لان مؤتمرا واحدا لن يكفي لتبديل مسار التطورات.
ونتيجة للتزامن، كما للصراع السياسي الدولي، مع الفراغ شبه الكامل في مؤسسات السلطة في لبنان (حكومة مستقيلة، رئيس مكلف لا ينجح في تشكيل حكومته، ومجلس نيابي مقفل ومعطل قراره)، ثمة من يفكر بتمرير موضوع الرئاسة الاولى في ظل هذا الفراغ، وإن انقسمت آراء المعنيين بين التمديد لنصف ولاية، او التجديد لولاية كاملة (ست سنوات).
وتربط الجهات المعنية بين التوترات الامنية الممنهجة وبين إمكان توظيفها في سياق هذه المعركة الرئاسية المفترضة، تحت عنوان تثبيت «الاستقرار» ولو بحده الادنى الراهن.
وثمة من يقول ان التفجيرات التي تتوالى في مناطق عدة قد تخدم اصحاب المنطق القائل، لنحافظ على الحالة الراهنة، لأن الاوضاع لا تسمح بانتخابات رئاسية.
وفي تقديرات الاوساط الديبلوماسية وما تهمس به بعض العواصم فإن الجيش سيتعرض لمزيد من الاستنزاف عبر انتشاره على معظم الاراضي اللبنانية، وانه سيكون مستهدفا خلال الشهور القليلة المقبلة، وذلك من اجل خلق مناخ الفوضى الدموية في قضيتين:
ـــ التلويح بالخطر المصيري على لبنان.
ـــ ترجيح كفة النظام او خصومه في سوريا.
فالجيش منتشر حاليا على معظم مساحة لبنان، وقيادته تحتاط وتعمل جاهدة لتأمين مواقعه وتمكينه من السيطرة على نقاط التوتر.
لم يحدث ان انتشر الجيش كما هو منتشر اليوم، ولم يسبق ان واجه جبهات قتالية متفجرة او صامتة في هذه اللحظة مع احتمال تفجيرها، او جبهات محتملة كما هي الحال الان انطلاقا من الحدود الشمالية والشرقية حتى طرابلس وبيروت والضاحية الجنوبية وبعض البقاع وصولا الى صيدا وبعض الجنوب.
من هنا الحشد العسكري في طرابلس وبعض الشمال، وفي منطقة بعلبك ـ الهرمل، كما في منطقة عنجر وصولا الى الحدود (سلسلة لبنان الشرقية) مع التوقع ان المعارك في سوريا ستشتد على هذه الحدود، ومع التنبه الى البقاع الغربي وتزايد عمليات التسلل عبر المعابر الجبلية وصولا الى شبعا وسائر «المناسف» الثلجية في احضان السلسلة الشرقية.
ويبقى السؤال الذي يلاحق اللبنانيين والاجهزة الامنية: اين سيضرب الارهاب في المرة المقبلة؟
فالعدّ التنازلي لعقد مؤتمر «جنيف 2 « في 22 من الشهر المقبل قد بدأ فعلا، وها هو الاجتماع التحضيري ينطلق اليوم في تلك المدينة السويسرية. ولكن ما يخشى منه هو ان تجعل «التحضيرات الميدانية والعسكرية من كلا الجانبين» الايام الفاصلة عن موعد انعقاد المؤتمر غاية في الخطورة ومفتوحة على احتمالات سلبية ودموية قد لا تستثني لبنان.
وتبعا لذلك، فلعلها خطوة نوعية تلك التي قام بها الجيش اللبناني في منطقة صيدا امتدادا من منطقة بسري الى الشوف ومحيط المدينة وتوقيف بعض «الاسيريين». فقد اعلنت قيادة الجيش عن توقيف خمسة اشخاص.
ولعلها خطوة كان زمنها الطبيعي والحقيقي ان تأتي مباشرة قبل احداث عبرا او بعدها مباشرة، وبعد استهداف الجيش على الحدود الشمالية وفي بعض قرى البقاع الشمالي والبقاع الغربي والمخيمات وايضا مع الخطة الامنية التي اجهضت في طرابلس، وفي كل بقعة يمكن ان تشكل منطلقا او بيئة حاضنة سياسيا وامنيا ولوجستيا وتمويليا لهذا الارهاب. لكن ان تأتي هذه الخطوة متأخرة خير من الا تأتي ابدا.
فأهمية ما قام به الجيش في منطقة صيدا انه اجراء استباقي في سياق حرب تشن على الدولة وعلى الجيش بالذات من قبل ارهاب بات موجودا ضمن الجغرافيا اللبنانية، واما الغاية منها فهي رد الضربات اللاحقة التي قد تقوم بها المجموعات الارهابية، وايضا اشعار المواطن بالثقة وبشيء من الامان وبان الجيش قادر على رد الاذى، وان هذه الخطوة لن تقف عند حدود صيدا بل ستتحول كبقعة الزيت التي ستتمدد حتما على كامل الجغرافيا اللبنانية. ومن هنا جاء كلام قائد الجيش جان قهوجي امام العسكريين بالامس بالتأكيد على الجهوزية الدائمة لمواجهة الاخطار المحدقة سواء اكان مصدرها العدو الاسرائيلي او المجموعات الارهابية التي تستهدف المؤسسة العسكرية، ومشددا على ان الجيش سيكون كما كان دائما بالمرصاد لكل اولئك العابثين بأمن لبنان واللبنانيين.
وينقل عن قهوجي الذي تابع تحرك الجيش في منطقة صيدا لحظة بلحظة، ان هذه التدابير الاحترازية ما هي الا خطوة اولى في سياق يؤدي الى حفظ امن الناس وترسيخ الاستقرار.
ومن صيدا الى طرابلس التي تتعاظم فيها المخاوف من التطورات الأمنية المتلاحقة، ومن محاولات تشويه صورتها وإظهار بعضها وكأنه متعاطف مع تنظيم القاعدة أو أنها تضم في مناطقها مجموعات لـ«جبهة النصرة» وذلك من خلال اطلاق النار والقذائف ورمي القنابل اليدوية ليل أمس الأول ابتهاجا بالاطلالة التلفزيونية لأمير الجبهة أبو محمد الجولاني.
وما ضاعف هذه المخاوف هو أن الجنون الأمني المستجد لم يأت وليد صدفة بل تم الاعلان عنه قبل ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشير الى أن هناك جهة تتبناه وتنظمه وتموله، وأنها تسعى لسحب البساط من تحت أقدام القيادات السياسية في المدينة التي بدت عاجزة عن المعالجات، وهي لم تكن تعلم أصلا سبب إطلاق النار الذي فاجأ الجميع، لكنه وجه رسالة واضحة بأن استمرار الصمت السياسي وتراخي بعض الأجهزة الأمنية قد يمهدان لإخراج المدينة، عن سلطة الدولة الى حكم المجموعات المسلحة وقوى الأمر الواقع.
هذا الواقع أظهر أن الخطة الأمنية في طرابلس ما تزال يتيمة، وأن التعاون بين الأجهزة الأمنية على تنفيذها لم يرق الى المستوى المطلوب، وأن التنافس السياسي على تجييرها لمصلحة بعض الأطراف يساهم في إضعافها أكثر فأكثر، فلا مؤتمر قوى 14 آذار في طرابلس ادى الى تحصينها، ولا القيادات السياسية المحلية تغطيها بشكل كامل، فيما يترك الجيش اللبناني يواجه الاستفزازات اليومية ويعالجها بالتي هي أحسن.
يبقى ان السياسة انكفأت اقله حتى ما بعد انتهاء عطلة الاعياد، واسقطت على المشهد الداخلي جمودا تحكم بكل المفاصل والمستويات الرسمية والسياسية، ومن خلفه تتسلل القوى السياسية في محاولة لملء الفراغ بتراشق اعلامي ومواقف تذكيرية تربط النزاع مع السنة الجديدة التي يفترض ان تتحدد في مطلعها الوجهة التي سيسلكها لبنان على المسارين الحكومي والرئاسي.
وفي هذه الاجواء يطل الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله اليوم في خطاب يلقيه في احتفال تأبين الشهيد حسان اللقيس الذي يقام في الثانية والنصف بعد الظهر في مجمع سيد الشهداء في الرويس.
ووصفت مصادر حزبية الخطاب بالمفصلي، يحدد فيه السيد نصرالله الموقف من الاغتيال الذي نفذه العدو الاسرائيلي، وكذلك من استهداف المجموعات التكفيرية لـ«حزب الله». كما يطل على الشأن السياسي ويحدد الموقف مما يحكى عن سيناريوهات حول الحكومة الجديدة والحديث عن حكومة امر واقع خارج معادلة الـ9-9-6، وايضا حول الاستحقاق الرئاسي في ظل رمي خيار التمديد لرئيس الجمهورية على بساط التداول السياسي والاعلامي.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد