الإسلامّيون: همّنا مصر وهمومكم... لا تهمّنا!

17-10-2013

الإسلامّيون: همّنا مصر وهمومكم... لا تهمّنا!

كان الإسلاميّون حاضرين بقوّة في مؤتمر "المسيحيّون في ظلّ الربيع العربي" الذي عقد في العاصمة الأردنيّة عمان في 27 و28 و29 أيلول/سبتمبر الماضي. كانوا هناك بكلّ أطيافهم ومن مختلف البلدان المشرقيّة، من مصر إلى سوريا مروراً بالأردن وفلسطين والعراق. وكان المشاركون يترقّبون لحظة الحوار الفعلي والنقاش الجدّي بين هؤلاء وبين مواطنيهم المسيحيّين. لبث الإسلاميّون في البداية صامتين، مستمعين ومراقبين. غير أن حساسيّة المسائل المطروحة لم تلبث أن دفعتهم للخروج عن صمتهم. في كلام قليل صدر عنهم، غالباً كجواب مختصر أو كردّ فعل، بدا الإسلاميّون في شكل عام أكثر تصلباً مما يُعرف عنهم وأكثر تمسّكاً بأفكارهم. لكن التفاعل بين الطرفين كان لافتاً وكان كافياً لفهم عوائق الحوار، بدليل هذه الأمثلة المعبّرة:

في إحدى جلسات حوار المؤتمر، صودف أن رئيسها المسؤول عن إدارتها هو نائب إسلامي من أحد بلدان المنطقة. فبادر على عادة الإسلاميّين إلى افتتاح الجلسة بعبارات "البسملة"، أي القول "باسم الله الرحمن الرحيم". ثم أضاف ملقياً التحيّة على الحضور "السلام على محمد وعلى آله وصحبه وعلى من والاه"... تحيّة سلام هي بالنسبة إلى الإسلاميّين شكليّة، من أدبيات لغتهم وفكرهم الديني. لكنها كانت فرصة لأحد المشاركين من العلمانيّين، لفتح الحوار معهم. إذ فاجأ العلماني رئيس الجلسة الإسلامي بالقول "يبدو أن موضوع مؤتمرنا وحوارنا برمته، قد اختصره رئيس الجلسة في عبارته الأولى". ووسط استغراب النائب الإسلامي، تابع المشارك العلماني "لقد استهلّ رئيس الجلسة بإلقاء ’السلام‘ على ’محمد وآله وصحبه ومن والاه‘. من ’والى محمد‘، أي من تبعه وخضع له. وبالتالي، فمن لم يوالِ محمد، ماذا يلقي عليه غير ’السلام‘؟؟ هل يلقي عليه الحرب؟". إشارة هنا إلى أن كلمة "سلام" في اللغة العربيّة تحمل المعنيين معاً. فهي تعني التحيّة لكنها تعني أيضاً نقيض الحرب...

لم يسعَ النائب الإسلامي جدياً لإيضاح موقفه أو تصحيح انطباع خاطئ  ربما. ولم يهتمّ بالتأكيد على أنه يريد "السلام" لكلّ البشر، أو أنه لا يريد "الحرب" مع كلّ من هو من فكر ديني مغاير لفكره. بدا الأمر وكأن البرلماني الإسلامي يقرّ ويعترف بما نسب إليه... واستمرّ النقاش.

في لحظة أخرى من نقاشات المؤتمر، كان أحد الباحثين يعرض لأوضاع غير المسلمين في دستور الدولة السوريّة وقوانينها. فراح يشرح كيف أن الدستور يشترط أن يكون رئيس الدولة مسلماً. فجأة قاطعه أحد الإسلاميّين من غير السوريّين باستياء شديد، قائلاً "وهل عرفت سوريا بموجب هذا الدستور رئيساً مسلماً؟؟ ففي النهاية من وصل إلى الحكم ليس مسلماً، بل نصيرياً". وهي تسمية يعتمدها الإسلاميّون لوصف العلويّين، في إشارة إلى حكم آل الأسد لسوريا. عندها انتفض أحد المعارضين السوريّين الليبراليّين، قائلاً للإسلامي بحدّة " هذا كلام غير مقبول. وأنا كمعارض سوري أرفضه بشدّة. إنه كلام تمييزي وتحريضي. فلست أنت من يحدّد من هو مسلم ومن هو غير مسلم أولاً. وليست ثورتنا السوريّة ثورة دينيّة من مذهب ضدّ مذهب آخر ثانياً. ولست أصلاً سورياً لتحدّد حقيقة قضيّتنا ثالثاً"...

مثل أخير عن صعوبات الحوار، كشفه النقاش حول قوانين الأحوال الشخصيّة في البلدان التي يسيطر عليها الإسلاميّون. ذلك أن هؤلاء غالباً ما يعتمدون لإظهار انفتاحهم على الجماعات الأخرى، قاعدة تقضي برفع شعار أنهم مع إعطاء الطوائف الأخرى قوانينها الخاصة أيضاً بأحوالها الشخصيّة، أي أن يكون لكلّ طائفة قوانينها التي ترعى الزواج والطلاق والإرث والتبنّي وانتقال الملكيّة وغيرها من شؤون العائلة، "من ضمن اعتبار الشريعة الإسلاميّة مصدراً رئيسياً أو أساسياً للتشريع في الدولة" بحسب ما يصرّ الإسلاميّون دائماً. لكن شهادات المسيحيّين المشاركين في المؤتمر أظهرت أن هذه القاعدة ليست كافية ولا عادلة ولا متكافئة، حتى أنها تخفي غالباً عمليّة منهجيّة تدريجيّة بطيئة لكن ثابتة من أجل إخضاع غير المسلمين من مواطني هذه الدول، عبر قضم وجودهم الديموغرافي والجغرافي. كذلك فإنها قاعدة تؤدّي إلى أسلمة متنامية ومطّردة للمجتمع وإلى إلغاء تعدّديته. وإذ أثارت كلّ أوراق العمل المقدّمة إلى المؤتمر هذه المشكلة، طُرح على الإسلاميّين سؤال واضح: هل تقبلون إلى جانب قوانينكم الإسلاميّة وإلى جانب قوانين الأحوال الشخصيّة العائدة إلى الطوائف الأخرى، بأن يكون في دولكم قانون واحد مدني للأحوال الشخصيّة يُطبّق اختيارياً بحيث لا يكون ملزِماً لأي مواطن؟ بمعنى أن يُترك الخيار لأي إنسان أن يتبع قانون طائفته، أو أن يخرج من كلّ الطوائف ويلجأ إلى قانون مدني يخضع له تحت كنف الدولة وحمايتها؟؟ أمام هذا السؤال لم يتردّد الإسلاميّون في تأكيد رفضهم المطلق للطرح: ممنوع وجود قانون مدني ولو اختياري. أي ممنوع خروج الإنسان من دينه. والمقصود بالفعل منع المسلم من ذلك، فيما القوانين الحاليّة تسمح بخروج غير المسلمين من دينهم وتحوّلهم إلى الإسلام. لا بل أحياناً تشجّعه، هرباً من تضييق قانوني أو أملاً بوظيفة رسميّة لا تُعطى لغير المسلمين، فضلاً عن عشرات الأسباب الأخرى...

مع استحالة وجود قانون مدني ولو اختياري للأحوال الشخصيّة وفي ظلّ الرفض المطلق للفكرة، بدا الحوار مع الإسلاميّين يدور في حلقة مفرغة من المجاملات والمناورات اللغويّة، فيما لم يتردّد هؤلاء في التأكيد على أن هدفهم بالوصول إلى السلطة مثلما يرونها ويمارسونها أمر مشروع. وهو ما عبّروا عنه في صيغة "كليشيه" موحّدة ظلوا يكرّرونها: "لا نحتكم إلا إلى الديمقراطيّة المنبثقة من صناديق الاقتراع". حاول كثيرون لفتهم إلى أن الديمقراطيّة ليست مجرّد صندوق اقتراع فقط. لم يتوقّف الإسلاميون كثيراً عند تلك الإشارة. همّهم الأول كان تأكيدهم رفض ما حصل في مصر، ومواجهة "حكم الانقلابيّين ضدّ السلطات الشرعيّة"، بحسب ما يسمّون نظام الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي. أما هموم مواطنيهم المسيحيين من أبناء أوطانهم، فبدت إلى حدّ كبير وكأنها ليست من همومهم الأولى اليوم، ولا غداً


جان عزيز: المونيتور

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...