أحمد يحرق نفسه وسط الشارع
أحرق الشاب السوري أحمد محمود يوسف، ليل أول من أمس، جسده في بربور. حضر الشاب من سوريا إلى لبنان منذ سنتين. عمره عشرون سنة. تنقل «الوكالة الوطنية للإعلام» عن «معلومات» أنه «أقدم على هذه الخطوة لأنّه كان يعاني ضائقة مادية وهو غير قادر على سدادها». ليست هذه المعلومات خاطئة. لكنّها، في حالة يوسف، الذي هجر بلده بعد تدهور الأوضاع الأمنية فيه، تبدو غير كافية. صار إحراق الذات حدثاً يتكرّر. واستعارة «الوكالة» صورة الشاب التونسي محمد بوعزيزي، محترقاً، كصورة مرفقة بالخبر تقتل كل معنى في قصة أحمد يوسف. كأن الرجل، الملفوف، كلّه، بضمادات بيضاء، في «مستشفى الجعيتاوي» هو بوعزيزي ثان. لا شخصية له ولا حكاية.
لا يمكنه أن يتكلم. نعرف ذلك من رجل الأمن في المستشفى. لا يملك المستشفى معلومات عن أهله. كأنه وصلهم في المساء. نعرف، فحسب، أنهم حضروا صباحاً. أمّا طبيبه، «فلا يعطي رقمه لأحد»، يقول رجل الأمن، مضيفاً: «هو غير موجود. لا يأتي إلا في الصباح». لكنّ أحمد يوسف موجود. هذا يكفي. وهو في سريره كأنه في عالم آخر. وننقل عن «الوطنية للإعلام» أيضاً قول الطبيب الشرعي كيفورك كيومجيان، الذي عاين يوسف، إنّه «مصاب بحروق من الدرجة الثالثة. وهو مخطر. ويخضع لعناية مكثفة».
ننتظر أهله. يقول رجل الأمن إنهم لا بد سيأتونم عند الخامسة عصراً. إنه موعد الزيارات. نجاريه في عدم فهمه تصرفات أهل يوسف. لا يمكننا معرفة من أين أتى الشاب، الذي قيل انه صديق الضحية. اتصل بأهله، وقال إنّهم قادمون. رجل الأمن، تماهياً مع مؤسسته، يخبرنا أن قضاء ليلة واحدة في المستشفى «يكلّف ألف دولار. يخافون ربما. لذلك لن يأتوا». ننتظر. ثم يخبرنا أن المستشفى «بدافع انساني تحمل تكاليف بقائه». وهذا ما بدا أن الأب، الذي حضر أخيراً، لا يعرفه. يقول السيد محمود يوسف انه، منذ الصباح، يبحث عن مصادر تغطي بقاء ابنه في المستشفى. تسجّل، أمس، في «الامم المتحدة». لكنّه لا يعرف إذا كان ذلك سيفيده. جرّب سابقاً التسجيل لكن عجقة الناس جعلته يرجئ الأمر. هكذا، لا يبدو المستشفى مهتما بطمأنته. إذ لا ينسحب عليه، ربّما، «الدافع الانساني». ترك أحمد، كما جاء في رواية والده، المدرسة منذ «الأزمة». حضرت كل عائلته إلى لبنان من قرية في محافظة حلب. كان الأب يعمل هنا. خفّ العمل الآن «إذ كثرت الناس». والابن، كبير إخوته الثمانية، شبه عاطل عن العمل. «كان يعمل في ملحمة. والحكاية أنه استأجر سيارة، ليس بهدف العمل. فتعرض لحادث، وأمسى غير قادر على تغطية أجرتها ولا نفقة إصلاحها فأحرق نفسه». هكذا. لا يزيد الأب على كلامه. لا يعرف الكثير عن حال ابنه. «ننتظر أن يخرج من العناية. قال لنا الطبيب ذلك».
قصة أحمد يوسف موجودة في بربور. لكنّ الناس، هناك، قليلو الاهتمام. لكنّهم، في النهاية، يدلونك على المكان الذي أحرق يوسف فيه نفسه: أمام الملحمة التي يعمل فيها. كانت، أمس، مقفلة تماشياً مع عطلة المهنة الأسبوعية. لا أحد يعرف ماذا حصل. الشاب السوري الذي يعمل عند الخضرجي المجاور للملحمة يحكي الحكاية نفسها. يبدو له ما حصل كأنه طبيعي. لكنّه يضيف ان «الدين المترتب على الضحية بلغ أربعة ألاف دولار. ولا علاقة لصاحب الملحمة. بل بالعكس. نصحه بألا يستأجر سيارة». أحرق أحمد يوسف نفسه. الأكيد أنّ السبب ليس «ضائقة مادية» يعانيها، فحسب. أن يحرق أحمد نفسه، هذا يعني أنّ ثمة أملاً ضاع أمام عينيه بين سوريا ولبنان.
عاصم بدر الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد