تعويم الليرة السوريّة اتجاه إلى «دولرة الاقتصاد»
شهدت الليرة السورية تراجعاً كبيراً في الأسابيع الماضية، ما افقدها 40% من قيمتها نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، ولا سيما في السوق السوداء، حيث وصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار إلى 73 ليرة. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، امس، عن حاكم مصرف سوريا المركزي، أديب مياله، قوله إن سوريا تخطط لتعويم موجه لسعر صرف عملتها الاسبوع المقبل.
وتأتي هذه الخطوة، التي تعني فعلياً السماح بانخفاض قيمة الليرة السورية، وسط أزمة سياسية تعصف بالبلاد منذ عشرة اشهر ومع اتخاذ الحكومة اجراءت صعبة لدعم اقتصاد يتضرر من عقوبات للاتحاد الاوروبي تشمل تجارة النفط. واضافت الصحيفة ان البنك المركزي سيواصل تمويل استيراد «المواد الاساسية» بسعر الصرف الرسمي وان المعروض من العملة الاجنبية للاستخدام الشخصي سيظل يخضع لقيود مشددة.
ونقلت الصحيفة عن ميالة قوله إن «سعر الصرف قفز الكثير من الخطوات خلال الأيام العشرة الماضية، ونحن الآن في فترة من السيطرة عليه، ونعرف أن المصارف لديها ما يكفي من النقد الأجنبي وتريد بيعه». وأشارت الى أن حاكم مصرف سوريا المركزي رفض التعليق على وضع احتياطي المصرف من العملة الأجنبية، مشدداً على أن الإفراج عن هذه الأرقام «من شأنه أن يوفّر أدوات للذين يسعون إلى تقويض الثقة في الليرة السورية». وأكد أن الدولة السورية «لديها الموارد المطلوبة للتعامل مع البيئة الاقتصادية الحالية». وقال «نعرف أن هذه الأزمة ستستمر لفترة طويلة لكننا مستعدون لمواجهتها، كما نعرف أيضاً أن العقوبات ستكون أليمة لكنها لن تقتل».
وتستند خطة التعويم الموجه لسعر صرف الليرة السورية إلى قرار اتخذه مجلس الوزراء السوري، يتيح للمصارف المسموح لها التعامل بالقطع الأجنبي ومؤسسات الصرافة المرخصة، تنفيذ عمليات بيع القطع الأجنبي مقابل الليرة السورية، حسب أسعار الصرف السائدة في سوق القطع الأجنبي (بسعر السوق السوداء)، ومن دون التقيد بنشرة أسعار صرف العملات الأجنبية الصادرة عن مصرف سوريا المركزي في ما عدا تمويل المصارف لبعض المستوردات، على أن تعتبر نشرة أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية الصادرة عن المركزي تأشيرية ويمكن للمصارف ومؤسسات الصرافة مراعاتها في إصدار نشرة أسعار الصرف الخاصة بها.
وتلتزم المصارف ومؤسسات الصرافة المرخصة بتحديد الحد الأدنى والأعلى بالنسبة إلى كل عملة من العملات الأجنبية، بحيث لا يتجاوز الهامش بينهما نسبة 1% من وسطي سعر صرف العملة الأجنبية مقابل الليرة السورية. ويقول مدير بنك «الشرق سورية»، جمال منصور، إن المصارف أبلغت وبشكل غير رسمي وجود قرار بتعويم العملة السورية، وما دام لم يصدر القرار رسمياً فلا يمكن الحكم عليه لأن الاقتصاد السوري له ميزات متعددة ومختلفة.
وضمن إجراءات للسيطرة على سعر الصرف وفق معلومات مصرفية، تم إيقاف بيع الدولار لأي سبب كان في ما عدا ودائع القطع الأجنبي التي استحقت للمودعين.
وحدد سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة، حسب نشرة مصرف سوريا المركزي ليوم الخميس، حداً أدنى 57.54 وحداً أعلى 57.88. وهذا الاجراء تم بعدما حدد المركزي في يوم سابق حدّين أدنى وأعلى لسعر صرف الدولار إضافة إلى حد وسطي، ثم عاد ليعمل وفق حدين أدنى وأعلى لسعر الصرف. ووفقاً لنشرة أسعار صرف العملات الأجنبية الصادرة عن المركزي، وصل سعر صرف اليورو شراءً وحوالات إلى 73.98 ليرة بارتفاع 63 قرشاً عما كان عليه يوم الاربعاء الماضي بينما كان المبيع 74.50 ليرة سورية.
ويؤكد أحد الصرافين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، غياب السلطة النقدية عن معالجة تراجع سعر صرف الليرة السورية، فخلال فترة لا تتجاوز نصف شهر فقدت الليرة السورية40% من قيمتها، وعدم معالجة هذا الوضع سيؤدي إلى وضع كارثي إذا لم تتم المعالجة فوراً، علماً أنه لا يوجد طلب كبير على الدولار، وسعر الصرف ارتفع حسب نشرة مصرف سوريا المركزي تدريجياً من 50 الى 53 وصولا الى 58 ليرة سورية لكل دولار أميركي، فيما وصل في السوق السوداء الى 73 ليرة، ما انعكس على أسعار السلع.
ويضيف الصراف أن معالجات المصرف المركزي ساعدت على ازدهار السوق السوداء والتي تتحمل جزءاً من الوضع الحالي، لكن السبب الأكبر لذلك يعود إلى غياب المعالجة المسؤولة وعدم وجود قانون متكامل لسوق الصرف وتداول القطع الأجنبي.
هذه التغيرات السريعة وغير المتوقعة في سعر صرف الليرة كان لها تأثيرها المباشر على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في السوق السورية. ولقد ركزت ندوة عقدت اول من امس على ضرورة التقيد بقانون حماية المستهلك لعام 2008. وأكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، نزار نسيب قباني، خلال الندوة، ضرورة التعاون بين كافة الجهات في تنفيذ التشريعات الناظمة لعملية حماية المستهلك وخاصة قانون حماية المستهلك. كما أوضح مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد عادل سلمو أن القانون كفل في مواده الـ53 ممارسة النشاط الاقتصادي للجميع، فيما حظر على أي شخص إبرام أي اتفاق أو ممارسة أي نشاط يكون من شأنه الإخلال بالحقوق الأساسية للمستهلك.
ويبرر التجار رفع أسعارهم بتعويض خسارتهم التي تبلغ نحو 20% نتيجة الفرق بين العملات عند الشراء والبيع، الى جانب تخوف الصناعيين من أن استمرار الوضع غير المستقر لليرة قد يؤدي الى الضرر بمؤسساتهم وتعرضها للإغلاق، لذلك دعت كل من غرفة التجارة والصناعة السورية الى اجتماع طارئ للاتفاق على ورقة تقدم للحكومة تحدد فيها مطالب كل من التجار والصناعيين. وطلب التجار من الحكومة السورية إصدار قرار بخفض فوائد القروض إلى نسبة 5% وإعادة جدولة الديون لدى المصارف الخاصة، وإعادة تمويل المستوردات للمواد الأولية والتي رسومها الجمركية 1% بهدف تحريك الاقتصاد وتشغيل اليد العاملة، بالإضافة إلى تثبيت سعر صرف الدولار لفترة معينة من قبل مصرف سوريا المركزي. كذلك طالب اتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة المشاركة في مجلس النقد والتسليف للمساعدة في اتخاذ القرارات، والنظر في إمكان إعطاء قروض مدعومة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشكيل لجنة أزمة من الغرف الثلاث (الزراعة – الصناعة – التجارة) بالمشاركة مع الوزارات الأخرى لوضع الاستراتيجية اللازمة لكل الأزمات، وتمديد العمل بالمرسوم المتعلق بإعفاء القروض الصناعية من الفوائد والغرامات واعتبار الدفعات السابقة المسددة هي دفعة من أصل السلفة المدفوعة لإعادة الجدولة. كذلك تم اقتراح اللجوء إلى الاقتراض الخارجي من الدول الصديقة حتى لا يتأثر احتياطي المصرف المركزي من القطع الأجنبي، وطرح سندات خزينة ذات فائدة عالية تخفف الضغط على الليرة السورية.
من جهته، أوضح رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، غسان القلاع، انعكاسات تراجع سعر صرف الليرة السورية، بارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي. ولفت الى أن تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية يؤدي الى تدهور الدخل الفردي. اضافة الى جمود عمليات الاستيراد والانتاج وحتى المبيع في السوق المحلي نتيجة تغييرات تسعير السلع والخدمات، وخسائر تسليف الموزعين وأقنية التسويق المختلفة نتيجة تأرجح أسعار الصرف بشكل مستمر، عدا ازدياد ظاهرة الاكتناز بالقطع الأجنبي وخروج كميات منه خارج التداول بدافع تعويض خسائر تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، وازدياد ظاهرة المضاربة بالقطع الأجنبي، لأن هذه الارتفاعات المستمرة المعتمدة على استمرار وجود الأزمة والشائعات المصاحبة لها، سيؤدي الى ارتفاعات مستمرة للدولار. وحذّر من بدء انتشار ظاهرة دولرة الاقتصاد نتيجة تخلي الأفراد عن الليرة السورية التي تفقد قيمتها بصورة سريعة، والتوجه نحو التعامل بالدولار.
أمر آخر شكل ضغطاً على الوضع الاقتصادي السوري نتج من قرار مصرف سوريا المركزي رفع أسعار الفائدة على الودائع لتصبح ما بين 9 و11%، وهذا يعني أن المصارف ستقوم برفع الفائدة على الإقراض، وهو ما بدأت به بعض المصارف، حتى أصبحت نسبة الفائدة على القروض ما يقارب 13%، ووضع كهذا سيشكل ضغطاً على المقترضين.
ويرى مصرفيون ان موافقة المصارف على جدولة القروض أو خفض سعر الفائدة، تترك الحرية لكل بنك بتقدير كلفته وربطها بحركة السوق، اضافة الى أن المصارف تربط علاقتها مع الزبائن بحسب دراسة وضع كل زبون على حدة، بهدف ايجاد الحلول المناسبة للطرفين.
رولا السلاخ
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد