الطفل العربي ضحية نشرات الأخبار الدموية
تقتحم الصورة الإعلامية اليوم عالم الصغار قبل الكبار، ولم يعد خافياً على أحد أن الأسرة العربية أمست تعايش الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية لحظة بلحظة، من خلال ما تتعرض له من سيل إعلامي عارم عبر القنوات الإخبارية الرأسمالية. ولم يعد الطفل في أحيان كثيرة معزولاً عن اهتمام والديه. خاصة أن نشرات الأخبار عن أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا جعلت منها طبقاً شبه يومي على مائدة الأسرة العربية؛ يتعرض عبرها الطفل لخطاب إعلامي يطفح بالعنف، سواء من خلال النص الكلامي الصوتي لمذيعي الأخبار؛ أو حتى من خلال الصورة الدموية، وغالبا ما تكون بالغة القسوة، ما يشكل خطرا على التكوين النفسي والعقلي لدى الطفل. ولا تقتصر فرجة الطفل العربي على ما تبثه الفضائيات الإخبارية، بل يتعداه إلى بقية وسائل الميديا، وفي مقدمتها المواقع الإلكترونية التي لا تفرق ـ للأسف ـ بين شرائح جمهورها كباراً أم صغاراً.
ويرى بعض المتخصصين أن ما يتعرض له الطفل العربي في هذا الإطار، له عظيم الأثر على تركيبة شخصية الناشئة وتوجهاتهم المستقبلية. ويجدر حمايته من عواقبها، ولا سيما تلك الناجمة عن قسوة الصورة الإعلامية العربية المراد منها تعبئة الرأي العام، موظفة الأطفال كشواهد على مجازر وضحايا الأنظمة وأجهزتها الباطشة. وينتج من ذلك تدمير لمفاهيم أساسية لدى الطفل العربي، ربما كان أبرزها اليوم طغيان العنف كوسيلة للتعبير عن ذاته، من خلال المحاكاة اللاواعية للصورة وأبطالها وشعاراتها، وتهشيم قيم الرأفة الإنسانية، وتعزيز قيم الحياد واللامبالاة عبر تكرار صور القتل والعنف اليومية.
إن المتابع لما تقوم به قناة «الجزيرة» وشقيقتها «الجزيرة مباشر» يمكنه ملاحظة الكم المتزايد من صور الأطفال التي تبثها على مدار الساعة، محاولتين اللعب على حساسية خاصة لدى المشاهد الصغير، قوامها التغني بحقوق الطفل، متجاهلة أنها تساهم بتشويه بصري ممنهج لذائقة المشاهد الصغير، ومشاعره الغريرة، خصوصاً في تركيزها على وجوه الضحايا، متذرعةً بنقل الحقيقة.
ومع أن الأمم المتحدة حظرت مشاركة الأطفال في التظاهر، وحملت أهلهم مسؤولية ما قد يتعرض له أبناؤهم من مخاطر لمشاركتهم في أنشطة الشارع، إلا أن القناة القطرية ما زالت تركز في تقاريرها اليومية على صور لضحايا المتظاهرين الصغار، وكأنها تقوم بتحريض ما لجمهور الأطفال للمشاركة في الاحتجاجات العربية. كما تشارك في تكريس صور الضحايا الصغار «كأيقونات ثورية» دافعةً بأعداد إضافية من هؤلاء إلى مصيرهم المجهول. فالقناة القطرية لم تشر ولو مرة في نشراتها إلى ضرورة إبعاد الأهل لصغارهم عن رؤية ما تبثه، بل على العكس تماماً فإنها تشرك الأطفال في جميع تقاريرها، وتستخدمهم كمادة دعائية لتبرير سلم أولوياتها في صياغة الخبر وتحريره، مساهمةً في إبعاد الصغار يوماً بعد يوم عن برامجهم المخصصة لهم، ناقلةً إياهم إلى حيز المسؤولية.
ليس هذا وحسب، بل تعرض قناة «الرأي والرأي الآخر» جثثا لأطفال صغار تضعهم كما تريد في سياقات إخبارية عجيبة، ولا تتورع عن تقديم أقسى المشاهد عنفاً ودموية، عبر تكرارها عرض صور فيديو مأخوذة بكاميرا هواتف محمولة لأطفال سوريين في درعا وجسر الشغور للتأثير على الرأي العام السوري!
بات ملحا اليوم أن تراقب الأسرة ما يعرض في النشرات الإخبارية ودون استثناء، لما أصبحت تحويه من كمية عنف كبيرة على صغارها، مع الحفاظ على ساعات مشاهدة الأبناء لرسومهم الكرتونية المصورة، ولبرامجهم الخاصة. فمن الملاحظ أن الوقت المخصص لجمهور المشاهدين الصغار بدأ يتراجع أمام التغطيات المطولة للأحداث العربية المتسارعة، لا سيما أن أطفال اليوم لم يخالطوا نمورهم الوردية، ولم يتعرفوا إلى «توم سوير» بل هم في الأصل ضحية لبرامج كرتون غالباً ما تكون مليئة هي الأخرى بأجواء العنف. وعليكم أن تتخيلوا جيلاً كاملاً يتفرج عليها، جيلا يتم تشويهه ما لم يتم إعادة التوازن النفسي إلى برامج هذا الطفل المغرم مسبقاً بالرجل العنكبوت كمثال عن فرسان عالمه المعاصر!
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد