«عنوسة» من نوع آخر
«باحثة اجتماعية» صفة أصبحت أكثر شيوعاً في المجتمع السوري، في منابر الحوار وعلى صفحات الجرائد وفي المقابلات التلفزيونية والإذاعية. ناشطات كثيرات اخترن لقب باحثات للتعريف بأنفسهن، بعضهن استحق هذا اللقب بجهد صادق وعمل دؤوب بينما غدا للبعض الآخر «برستيج» سهل المنال في مجتمع احتلت فيه القضايا والهموم الاجتماعية مكان الصدارة وخاصة تلك المتعلقة بواقع المرأة فازداد عدد المهتمات والناشطات والباحثات الاجتماعيات ولكن ماذا عن الحقول العلمية؟
لا شك في أن القيود والحواجز الاجتماعية والقانونية والتعليمية والاقتصادية التي كانت ولا تزال تعيق مسيرة نضال المرأة السورية منذ نهايات القرن الثامن عشر وحتى اليوم، ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في جعل هذه المسيرة شائكة وصعبة وأيضاً في حصر دور المرأة السورية بحقول أضيق دوماً من الطموح... تعثرت المرأة السورية بالكثير من المطبات، تقدمت حيناً وتراجعت أحياناً، اقتحمت مجالات كانت حكراً على نصف المجتمع الآخر وابتعدت عن أخرى، وفي كل الأحوال بقي الأمل في المزيد حافزاً لإكمال المسيرة.
وعلى رغم مسؤوليتها المضاعفة ووقوعها كضحية مجبرة على الاختيار بين دورها الأسري التقليدي وطموحها الكبير، اقتحمت المرأة السورية سوق العمل الاقتصادي من أكثر من باب لتسجل نسباً عالــية وصلت في عام 2004 بحسب المجموعة الإحصائية السورية إلى نصف القوة العاملة المحلية. وأثبتت جدارتها في مجالات عمل متنوعة، ســــيدة عامــــلة وفي الوقـــــت نفسه أماً ومربية، جاهدت بقسوة للنهوض بواقعها والوصول إلى مكانة متقدمة تلبي طاقاتها وإمكاناتها ولكنها تعثرت بموروث اجتماعي وقانوني وبواقع تعـــليم فقـــير، إذ إن وعلى رغم الخطوات الفعالة في تطبيق التعــــليم الإلزامي وبشكل خاص على الفتيات، لا تزال نسبة السوريات اللواتي أتممن تعلميهن الجامعي متدنية نسبياً إذ وصلت في بعض التقارير الرسمية إلى 6.4 في المئة فقط، الأمر الذي ساهم في إبعاد المرأة قسراً عن بعض مجالات العمل وبشكل خاص عن حقل البحث العلمي.
«بحث علمي، أعوذ بالله، يعني حياة كاملة في الدراسة والتمحيص... أي عنوسة أبدية!»، رد فعل طالبة جامعية في العشرين من عمرها عند سؤالها عن رأيها بالفتيات اللواتي يهتممن بالبحث والتطوير، وتعلق زميلة لها: «نحن نفضل اختيار الكليات الأدبية التي تمكن الفتاة من إيجاد عمل مكتبي مريح وسهل في المستقبل ولا يتعارض مع مسؤوليات الزواج».
وبين الزواج وهذه الصورة النمطية المأسورة للمرأة، يشكل ضعف اهتمام بلدان المنطقة بالبحث العلمي والتطوير عاملاً إضافياً يقصي المهتمين وبشكل خاص الفئات المستضعفة كالنساء عن الاهتمام بهذا المجال.
فبينما تتسابق الدول الصناعية المتقدمة لتخصيص مبالغ ضخمة لدعم البحث العلمي والتطوير، تبـــقى هذه المخصصات في ميزانيات الدول النامية ووطننا العربي ضئيلة جداً إذ وبحسب أرقام «معهد إحصاءات يونيــــسكو» لعام 2004، فـــإن مبــالغ الإنفاق على البحث والتطوير في الدول العربية مجتمعة لم تزد عن 1.7 مليار دولار، أو ما نسبته 0.3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي لهذه الدول، وهذه النسبة تقل كثيراً عن النسبة الموصى بها عالمياً لأي دولة وهي 1 في المئة.
وعلى رغم هــذا الــــواقع وعلى رغم التحديات الكثيرة، سجلت السوريات أمثلة مشرفة كباحثات ومخترعات ومكتشفات علميات ومنهن مثلاً الباحثة السورية شادية الرفاعي التي بدأت رحلتها من مدارس دمشق ثم أبحرت في علوم الفـــــيزياء والرياضيات ونالت درجة الدكتوراه من جامعة سنسناتي في ولاية أوهايو الأميركية، للباحثة دراسات عديدة في مجال الفضاء تتناول فيها رصد ظاهرة كسوف الشمس وأيضاً رياحها، وقد أثارت أبحاثها في مجال الرياح الشمسية الكثير من الضجة في الأوساط العلمية، كما ساهمت في الإعداد لأول رحلة مركبة فضائية إلى الهالة الشمسية بالإضافة إلى أنها قائدة حركة أكاديمية لنساء العالم هي حركة «النساء المغامرات».
الرفاعي التي نالت العديد من الجوائز على أعلى المستويات تغلبت بحق على قيود أمثالها من نساء المجتمعات العربية، تغلبت على ضعف الإمكانات المتاحة لها في عالمها الصغير فاختارت التحدي.
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد