180 مؤسسة علمية أميركية توصي بالغاء تشريعات لادارة بوش
بذلت «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم» جهداً كبيراً لصوغ آلية العلاقة بين برامج النهوض الاقتصادي من جهة والعلوم والتكنولوجيا من جهة ثانية. فمثلاً، حضّت الجمعية 180 مؤسسة علمية أميركية على رفع وثيقة مكتوبة تتضمن توصية لأوباما بأن يرفع رتبة المستشار العلمي في البيت الأبيض إلى مستوى وزير. وفي استجابة جزئية، سمى المرشح أوباما، في حينه، البروفسور جون هولدرن مستشاراً علمياً لإدارته المقبلة. والمعلوم أن هولدرن رئيس سابق للجمعية التي تتوقع أن يعين أوباما مستشاراً خاصاً لشؤون المعلوماتية والتقنية الالكترونية في المراحل الأولى من ممارسته سلطاته الرئاسية. والمعلوم أن الحملة الانتخابية لأوباما ركّزت على الاتصال المباشر مع الجمهور، من خلال استخدام مُكثّف للإنترنت والبريد الالكتروني.
وساهم ذلك في حصوله على كميات كبيرة من الأموال التي جمعت من صغار المساهمين. وكذلك شهد موقع «يوتيوب» نشاطاً كبيراً لمصلحة أوباما، إذ نالت الأشرطة المؤيدة له (مثل الفيديو كليبات) انتشاراً واسعاً، وشوهدت من قبل عشرات الملايين. ولم يتردّد البعض في وصف أوباما بأنه الرئيس الأول الذي تختاره التقنية الالكترونية. وعقب وصوله إلى البيت الأبيض، سارع الرئيس إلى تبديل الموقع المخصص للرئاسة الأميركية الأولى، بحيث أظهر نقداً شديداً للمحافظين الجدد وإدارة بوش.
وركّز الموقع على إعطاء الجمهور القدرة على إيصال الصوت مباشرة إلى الإدارة الديموقراطية الحاكمة. وتضمنت وثيقة المئة وثمانين مؤسسة علمية أميركية، توصية لأوباما بإلغاء الكثير من التشريعات التي وضعتها إدارة بوش، خصوصاً تلك التي أتُخِذت في فترة انتقال السلطة، مشيرة إلى أن الكثير من هذه التوصيات هدفت الى إضعاف جهود حماية الأنواع الحيّة، الأمر الذي تعارضه قوى بارزة في الصف الجمهوري مثل «إئتلاف الحطابين» (المتصل بتجارة الأخشاب) و«رابطة حملة البنادق» التي تدافع عن تخفيف الضوابط القانونية عن شراء الأسلحة.
ولفتت الوثيقة إلى أن كثيراً من التشريعات «شبه المرتجلة» هدفت أيضاً إلى إضعاف «قانون الهواء النظيف» الذي يعتبر من القوانين القليلة التي تحمي البيئة من التلوث بعوادم الوقود الاحفوري في الولايات المتحدة. والمفارقة أن الرئيس جورج بوش الأب هو الذي سنّ هذا التشريع الذي بدا، في حينه، وكأنه تعويض عن إمتناعه عن إقرار قانون «حماية التنوّع البيولوجي» الذي أقر في «قمة الأرض» (ريو دي جانيرو- 1991).
في سياق مماثل، لاحظ البروفسور كاي كيزومي، مدير قسم البحوث والتطوير في «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم»، أن العجز الفعلي في موازنة الولايات المتحدة لامس التريليون دولار عند اختتام عهد بوش. واعتبر ذلك «مشكلة عويصة... لكنها تحمل بعض الأمل أيضاً... فالحديث عن تحفيز الاقتصاد يعني أن الحكومة عليها أن تقترض مئات البلايين من الدولارات لتنفقها في مشاريع تنموية، شرط أن تكون مجزية اقتصادياً... والأرجح أن تلك الأموال لن تذهب إلى المشاريع العلمية التقليدية (لأنها تتطلب سنوات طويلة قبل أن تُظهر جدواها)، لكنها ستنفق في مجالات تتطلبها خطة أوباما لتحفيز الاقتصاد مثل تجديد البنية التحتية في الولايات المتحدة، وضمنها الطاقة والكهرباء... ويعني ذلك تمويل البحوث عن إنتاج طاقة نظيفة باستخدام الفحم الحجري (تضم أراضي الولايات المتحدة مناجم ضخمة من هذه المادة، ما يجعلها منافساً قوياً للبترول)، والبحوث عن طاقة الرياح ومشاريعها وغيرها».
وفي نقاش مع اختصاصيي الجمعية، لاحظ بوب سايمون، مدير لجنة الطاقة في مجلس الشيوخ، أن حالاً من الاهتزاز وانعدام الثقة والقلق باتت متراكمة «لأننا وصلنا إلى مرحلة صارت فيها المواصلات اليومية تعتمد على استمرار تدفق النفط من الخارج». وتفاقمت هذه الحال أخيراً بفعل تضافر عناصر مثل التغيير المناخي والآثار المتمادية لظاهرة الاحتباس الحراري، زيادة عدد الأعاصير الاستوائية وقوتها، تأميم النفط في بعض دول أميركا الجنوبية وسياسة روسيا الحازمة بصدد الطاقة، استمرار الاضطراب الجيوبوليتيكي في الشرق الأوسط ما يحمل تهديداً مستمراً لإمدادات الطاقة من تلك المنطقة الحسّاسة، وغيرها. ورأى سايمون أن هذا الوضع المعقد نجم أيضاً عن عقود مديدة (منذ ولاية الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون) من ممارسة سياسة قصيرة النظر في مجال الطاقة. وشدد على أن الحل يكمن في صوغ مقاربة تُناغم تحقيق الأهداف المباشرة والقصيرة المدى، مع مخطط استراتيجي بعيد المدى. واعترف بأن «النفط الرخيص» يشكّل جزءاً أساسياً في هذا الحل. وفي المقابل، يجب التركيز على المستقبل بحيث لا يصبح الخروج من الركود مدعاة للعودة إلى نمط الاستهلاك المكثّف للوقود الإحفوري، ما يعني «عودة إلى التلوث المكثف ومعاناة الآثار الناجمة عنه، مثل الاحتباس الحراري وظواهر اضطراب المناخ... يجب أن يتحول الركود إلى نوع من الهدنة التي تُمكننا من صوغ نمط حياة أكثر تلاؤماً مع البيئة وأشد اعتماداً على الطاقة النظيفة». وأشار إلى أن الرئيس أوباما تحدث كثيراً، إبان حملته الانتخابية، عن رصد 150 بليون دولار للانتقال إلى «الاقتصاد المعتمد على الطاقة النظيفة»، ما يعني خفض انبعاث غاز الكربون (المُلوّث الرئيسي للغلاف الجوي) وإيجاد 5 ملايين وظيفة جديدة. وبيّن أن تحقيق هذه الأهداف يصل بالولايات المتحدة إلى وضع تستطيع فيه أن تستفيد اقتصادياً من اعتمادها على الطاقة النظيفة. وقال: «خفض انبعاث الكربون بصورة ملموسة يعطي أميركا إمكان أن تبيع حصتها من الكربون إلى الدول التي لم تتمكن من الانتقال إلى الطاقة النظيفة، كحال الكثير من الدول النامية والصاعدة... إن ذلك الأمر قد يعود على الولايات المتحدة ببلايين من الدولارات».
وأجرت «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم» نقاشاً واسعاً عن الآفاق العلمية لبرنامج أوباما مع راشل ليفنسون، التي شغلت منصب مساعدة مدير مكتب العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض خلال إدارات بوش الأب وكلينتون وبوش الإبن. وأشارت إلى حماسة أوباما لنقض القيود الثقيلة التي فرضتها إدارة بوش على بحوث خلايا المنشأ. وبلغت حماستها حدّ أنها راهنت على أن الرئيس الجديد لن ينتظر أن يحيل إليه الكونغرس قوانين جديدة عن خلايا المنشأ، بل سيعمد إلى رفع القيود التي فرضها بوش، وربما خلال الأيام القليلة الأولى لدخوله البيت الأبيض.
ومن المعروف أن خلايا المنشأ وبحوثها موضع خلاف ثقيل بين الجمهوريين والديموقراطيين، وأن البحوث العلمية دفعت ثمناً باهظاً لذلك الخلاف. إذ تبنى بوش وجهة تُشدّد على أن بحوث خلايا المنشأ تستخدم خلايا الأجنة، ما يعتبر تحدياً للحياة البشرية وأهمية الحفاظ عليها. وفي المقابل، فإن الديموقراطيين يوافقون على ضرورة الحفاظ على حياة البشر، لكن موقفهم المتساهل تقليدياً تجاه حق المرأة في الإجهاض يعني توفير كميات كبيرة من الأنسجة الجنينية. ويعترض الجمهوريون أصلاً على مسألة الإجهاض، ما يزيد من حدّة خلافاتهم مع الديموقراطيين. والمفارقة أن هذا النقاش بات وراء ظهر العلم بصورة كبيرة. فخلال عهد بوش، استطاع الباحثون ان يحصلوا على خلايا المنشأ من أنسجة متنوعة تشمل المشيمة (بلاسينتا - Placenta، التي تحيط بالجنين وتخرج طبيعياً عند الولادة) والنسيج الشحمي ونخاع العظم وغيرها. وعلى رغم ذلك، لم تُحرّك إدارة بوش موقفها من بحوث خلايا المنشأ. وارتفع غير صوت، من اختصاصيي علوم البيولوجيا والشركات المرتبطة بها، يشير إلى خطورة هذا الموقف المتصلب من خلايا المنشأ، لأنه يُضر بالمستوى العلمي للولايات المتحدة من جهة، ويحرمها من مصدر مهم للصناعة البيولوجية من جهة أخرى. والمعلوم أن العلماء يضعون رهانات عالية على خلايا المنشأ وبحوثها. وتظهر تلك الخلايا طبيعياً في المراحل الأولى من عمر الجنين (خصوصاً أثناء الأيام الأولى التي تلي تلقيح بويضة المرأة بالحيوان المنوي الذكري)، وتسير في مسارات مختلفة لتصنع الأنواع المختلفة من الأنسجة والأعضاء التي تكوّن الجسد البشري. ومن الناحية النظرية، بإمكان خلايا المنشأ أن تعطي أي نوع من النسيج يفقده الإنسان، مثل الجلد والأعصاب والقلب والعظم وغيرها. ولذا، يراهن عليها العلماء للتوصل إلى بدائل لما يفقد البشر من أنسجة وأعضاء، إضافة إلى تعويلهم عليها في علاج أمراض مستعصية مثل باركنسون وألزهايمر. ويرون فيها مدخلاً لعلاج الكثير من أنواع السرطان. لذا، لا يعتبر الخلاف عن خلايا المنشأ وبحوثها أمراً هيناً. وإذا تمكّن أوباما فعلياً من رفع قيود سلفة الجمهوري المتطرف، فسيعني الأمر إطلاق موجة كبرى من البحوث في البيولوجيا، إضافة إلى تحفيز عمل الشركات التي تعمل في مضمار الأدوية والأنسجة البديلة وغيرهما.
وفي سياق غير منفصل، لاحظت مجموعة من خبراء الجمعية أن السياسة السائدة راهناً في مجال البيئة، تميل إلى إهمال البعد العلمي فيها. ونبّهت إلى أن التغيير في الكرسي الرئاسي، يحمل «بعداً أخضر»، خصوصاً مع ما عُرف عن بوش من تجاهل لمشكلة التغيير المناخي، الذي يتعارض مع حماسة أوباما (والحزب الديموقراطي عموماً) لمشكلة البيئة. والمعلوم، مثلاً، أن السيناتور آل غور، النائب السابق للرئيس كلينتون، من أبرز الوجوه عالمياً في الدفاع عن البيئة، والتحذير من خطورة التغيير المناخي وظواهره الكارثية. ويأمل كثيرون من ساسة الحزب الديموقراطي، بحسب تصريحاتهم المتواترة في وسائل الإعلام، بأن الوعي الظاهر لدى الجيل الأميركي الشاب بأهمية البيئة، سيحفز كثيرين من الشباب على الاندفاع إلى البحوث العلمية المتصلة بحلول مشاكل البيئة. ويرى هؤلاء أن برنامج أوباما الميّال إلى تبني وجهة أكثر إيجابية في التعامل مع التغيير المناخي ومشاكله، يمثل أحد الروافع الأساسية في تحفيز اقتصاد بيئي يستند إلى عمل علمي دؤوب في هذا المجال، خصوصاً الطاقة البديلة ومكافحة التلوّث والحفاظ على التنوّع البيولوجي وغيرها.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد