“الجليد المشتعل”: اكتشاف دونه معوقات
في خطوة قد تؤدي إلى ثورة في عالم الطاقة، تمكنت كلاً من الصين واليابان، لأول مرة، من استخراج الوقود الحفري المتجمد والذي يعرف بـ “الجليد القابل للإحتراق”، من أرضية البحر المقابلة لسواحلهم. يتكون هذا الجليد من ماء وغاز طبيعي مركز، كما يمثل هذا الجليد معظم المخزون العالمي من الوقود الحفري، وإن عجز البشر حتى الآن من استخراجه والإستفادة منه بشكل عملي واقتصادي.
إكتفاء ذاتي
تمكنت شركة صينية حكومية من تعدين الوقود المتجمد بنجاح في بحر جنوب البلاد، كما قامت اليابان بنفس العملية على سواحل شبه جزيرة شيما، ويذكر كلتا البلدين تعتبران من أكثر الدول المعتمدة على واردات النفط في العالم، ما يعني وجود حافز قوي لديهم لتطوير تقنيات تسمح لهم بالإكتفاء الذاتي من الطاقة.
هذا وتتراوح التقديرات لكمية احتياطي الجليد القابل للإحتراق من 280 تريليون متر مكعب إلى 2،800 تريليون متر مكعب، ما يعني قدرة هذا الإحتياطي على إشباع الطلب العالمي على الطاقة لفترة تصل إلى 800 عاما بمعدلات الاستهلاك الحالية.
في المقابل، إن استخراج الجليد القابل للإحتراق مكلّف وهذا ما سيقف عائقاً بوجه التوجه نحوه. إضافة إلى ذلك، وإن كان صحيحاً بأنه على إغراق العالم بالوقود الحفري إلا أن ذلك سينتج عنه زيادة نسب ثاني أكسيد الكربون وتبعا لذلك ما يزيد من ارتفاع حرارة الأرض وتأثيراته على التغير المناخي، وانهيار في أسعار النفط ما يشكل خطراً حقيقياً على الإقتصاد العالمي. فحتى ولو عثر على وسيلة تقلل من عملية إستخراجه، ستظل هنالك موازين لحفظ التوازن مع البترول في وقت ترغب فيه الدول بالتحول للطاقة النظيفة.
إنفراجة طاقوية
تتوقع بكين للعالم انفراجة في مجال الطاقة بنفس الوتيرة التي حققتها الولايات المتحدة الأميركية مع استغلال الزيت الصخري؛ ووفقاً لمجلة في “زد جلياد” الروسية، أكدت الصين أنها الدولة الأولى في العالم في استخراج جليد قابل للإحتراق من أعماق البحر، وهذا الجليد هو وقود جديد بديل تعتبر احتياطياته في العالم أكثر حجماً من احتياطيات النفط والغاز والفحم مجتمعة، كما أعلن تلفزيون الصين المركزي، استناداً إلى مصدر وزارة الموارد الطبيعية، أن شركات النفط قد استخرجت من قاع بحر الصين الجنوبي جليداً قابلا للإحتراق، أو ما يسمى بـ “هيدرات الميثان”.
هذا وقد استخرجت عينات من الجليد القابل للإحتراق على عمق 1200 متر من بئر جوفي يقع على مسافة 285 كلم إلى الجنوب الشرقي من هونغ كونغ. في المجموع وخلال ثمانية أيام، تم استخراج 120 متراً مكعباً منه، ويحتوي على 99.5% من الميثان، كما يوفر كل متر مكعب واحد من هذا الهيدرات 99.5 متر مكعب من الغاز الطبيعي.
في هذا الشأن، قال نائب مدير هيئة المسح الجيولوجي في الوزارة “سيكون حدثاً لا يقل أهمية عن ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وفي المستقبل سوف تتغير طرق استخدام الطاقة.” ووفقاً لهذا الخبير، فقد أدركت الصين نجاحاً غير مسبوق في تطوير الأسس النظرية والتكنولوجيات في هذا المجال.
ويضيف نائب مدير هيئة المسح الجيولوجي أن هناك نقطة أخرى مهمة تتعلق بتكلفة الإنتاج الصناعي للغاز، قائلاً “وفقاً لتقديرات اليابانيين فإن تكلفة (استخراج) ألف متر مكعب من الغاز المنتج من الجليد القابل للإحتراق تتراوح ما بين 400 و1300 دولار، وهذه التكلفة أعلى بكثير من تكلفة الغاز الطبيعي المسال وأكثر بكثير من غاز الأنابيب، إلا أن هناك عيباً كبيرا آخر لهذا الغاز وهو مخاطره وأضراره الكبيرة على البيئية.”
إلى ذلك يظل الخبراء الروس حذرين جداً إزاء ثورة الغاز التي أعلنت عنها الصين، إذ يقول إيفان كابيتونوف، رئيس سياسة الطاقة في معهد الإقتصاد التابع لأكاديمية العلوم لروسيا “في الواقع، أجريت التجارب الأولى لإنتاج هيدرات الميثان في اليابان قبل عشر سنوات.”
آمال يابانية
أنعش الميثان المتدفق من قاع البحر آمال اليابان بإمكانية تأمين مصدر وفير للطاقة وقد تمكن هذا المشروع التجريبي، الذي جرى على بعد 80 كلم قبالة سواحل البلاد، من إنتاج عشرات آلاف الأمتار المكعبة من الغاز، وحزماً من البيانات المفيدة قبل أن يسّب انسداد مضخة نهاية المشروع بشكل مفاجئ.
ويعتقد أن مستودعات هيدرات الميثان، ترسبات جليدية تضم جزيئات الميثان المحتجزة في شبيكات مائية، تختزن من الطاقة ما يفوق المختزن بكافة أشكال الوقود الأحفوري الأخرى معاً، لكن المشكلة تقع في استخراج الميثان اقتصادياً من مستودعاته الواقعة تحت الجليد الدائم بالقطب الشمالي ورواسب قاع البحر. ويأمل بعض العلماء وصناع السياسات في اليابان، الفقيرة في الطاقة والغنية بسواحلها، في أن تصبح هذه المستودعات جزءاً أساسياً من خريطة الطاقة في البلاد.
ولقد حقق المهندسون نجاحاً محدوداً في استخراج غاز الميثان من تحت إقليم التندرا بشمال كندا، لكن الإستفادة من الودائع البحرية الأكثر غنى تمثل عدة تحديات، منها أن النفط والغاز الطبيعي يوجدان في المكامن العميقة، إلا أن هيدرات الميثان توجد في أول بضع مئات من الأمتار تحت قاع البحر، حيث تكون الرواسب سائبة، غير مترابطة؛ مما يجعل الآبار غير ثابتة، وعرضة لخطر الإنسداد بالرمال.
تجربة ناجحة
أُجريت تجربة فعلية، التي تديرها شركة حكومية “الشركة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن” – JOGMEC ومقرها طوكيو، ضمن مياه عمقها 1 كلم حيث قامت سفينة الحفر للبحوث “تشيكيو” – Chikyu بالحفر في 270 متراً من الرواسب لتصل إلى مستودع لهيدرات الميثان، سمكه 60 متراً. وفي 12 مارس/آذار العام 2017، خفضت مضخة ضغط المستودع، مطلقة الغاز من قفصه الجليدي، وبدأ الغاز في التدفق من قاع البحر إلى منصة على متن السفينة، مطلقاً كرة لهب مستعرة.
يقول كوجي ياماموتو، مدير المشروع “قد يجعلك كوني يابانياً، تظن أننا كنا نطلق صرخة الموت، أو شيئاً من هذا القبيل”، ويضيف قائلًا انه “كان مشغولاً جداً بالتحديق في ما يعرض من بيانات حاسمة تبين درجة الضغط في قاع البئر، ومعدل تدفق الغاز الوارد وتكوينه.”
السؤال المهم الآن، وهو ركيزة الأمل التي تعتمد عليها الطاقة اليابانية، هو “هل بوسع المهندسين الحِفاظ على استمرارية التدفق؟ لقد نجحوا في ذلك بعض الوقت، فقد تدفق غاز الميثان بسلاسة لمدة ستة أيام، بمعدل متزايد مع انخفاض الضغط، وكانت الحصيلة استخراج ما معدله 20،000 متر مكعب يومياً، الامر الذي فاق توقعات ياماموتو، وأكثر من عشرة أضعاف ما أنتجته بئر حفرت بمنطقة الجليد الدائم الكندية في العام 2008 بالطريقة نفسها لتخفيض الضغط.
إعداد: يارا انبيعة
إضافة تعليق جديد