محمد علي كلاي.. رحيل الأسطورة
عندما قرر ابن الـ12 عاماً، كاسيوس كلاي، ذات يومٍ من العام 1954، أن ينتقم من سارق دراجته الهوائية، لم يكن يَدْرِ أن طريق الملاكمة ستحمله إلى عالم الشهرة والأضواء. كان جلَّ ما يريده، أن يكون بطلاً، وأن يتحرر. وعندما تخلّى عن اسم «العبودية» لاحقاً، ليصبح محمد علي كلاي، كان الإسلام بالنسبة له محطة من محطات هذه الطريق الطويلة نحو التحرر، طريقاً بأوجه كثيرة، «ضرب» في كل زاوية منها عبرةً، ليصبح «الأعظم» الذي لن يكون هناك مثله، و «الأسطورة» الرياضية والثقافية والإنسانية التي لن تتكرّر.
وبعد صراعٍ طويل مع المرض دام 32 عاماً، سقط محمد علي كلاي أمام داء «باركنسون» بالضربة القاضية، معلناً نهاية رجل أثار إعجاب محبّيه وأعدائه في آن، والجدل كذلك، بدءاً من تحوله إلى الإسلام، وليس انتهاءً بدعواته إلى التحرر ومواقفه الثابته التي لم تتزحزح، خصوصاً من القضية الفلسطينية ومناهضة العنصرية والصهيونية.
قلبه ظلّ ينبض
وتوفي كلاي، الذي كان من أبرز شخصيات القرن العشرين في عالم الرياضة، مساء الجمعة الماضي عن عمر 74 عاماً، محاطاً بعائلته وأقربائه، بمن فيهم أبناؤه التسعة.
وروت إحدى بناته، هانا، اللحظات الاخيرة لوالدها، قائلةً إن «كل أعضائه توقفت الواحد تلو الآخر، لكن قلبه ظل يخفق. بقي يخفق 30 دقيقة. لم ير أحد شيئاً مماثلاً من قبل»، مضيفة أنها «اشارة اضافية الى قوة روحه وإرادته».
وقال المتحدث باسم العائلة، بوب غونيل، إن «الراحل شرح بالتفصيل ليس فقط كيف يريد أن يعيش، بل كيف يريد أن يموت أيضاً»، لافتاً إلى أن أبناءه «قرروا قطع التنفس الاصطناعي عنه. كان الأمر صعباً، لكن والدهم فخور بهم».
وتستعدّ مدينة لويفيل في ولاية كنتاكي الأميركية لمراسم دفن الأسطورة الراحل، يوم الجمعة المقبل. وأعلنت عائلته أن التأبين سيتم في ملعب رياضي، إفساحاً في المجال لمشاركة أكبر عدد من الأشخاص.
وستنظمّ مراسم متعددة الديانات يترأسها شيخ، بحسب ما طلب كلاي، بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، صديق أسطورة الملاكمة، والذي سيلقي خطاب وداعه.
كان «الأعظم»
وأثار الإعلان عن وفاة كلاي ردود فعل أجمعت على الإشادة به.
وقال الرئيس الأميركي باراك اوباما إن «محمد علي كلاي كان الأعظم»، مشيداً بدوره في النضال من أجل الحقوق المدنية». وأضاف: «كان الى جانب مارتن لوثر كينغ ونلسون مانديلا. ترفَّع عندما كان ذلك صعباً، وتحدّث عندما لم يجرؤ الآخرون».
وقال بطل الملاكمة الأميركي مارك تايسون إن «الله جاء ليأخذ بطله».
وكتب جورج فورمان، ملاكم الوزن الثقيل السابق وأحد أكبر منافسي محمد علي، على «تويتر»: «ذهب جزء مني.. أعظم جزء».
وكان محمد علي بطلاً كذلك بالنسبة لرئيس جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا، بحسب ما أكدت مؤسسة مانديلا، مشيرة إلى أن الكتاب المفضّل في مكتب المناضل السابق ضد الفصل العنصري «كان نسخة موقعة من السيرة الذاتية لمحمد علي».
مسيرة بطل
وكاسيوس كلاي، هو حفيدٌ لعبد، ولد في لويفيل، وأصرّ فيها على تعلّم الملاكمة، عندما كان لا يزل طفلاً، لينتقم من مجهولٍ سرق دراجته.
وبسرعة، أخذ يحقق بفضل قوة قبضتيه، النصر تلو الآخر، وأصبح بطل دورة الألعاب الأولمبية في روما في 1960، ثم بطل العالم في 1964 بفوزه على سوني لينستون بالضربة القاضية في الجولة السابعة.
غداة ذلك، قرّر تغيير اسمه إلى كاسيوس اكس تيمّناً بزعيم «المسلمين السود» مالكولم اكس. وبعد شهر، اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى محمد علي.
وبعدما أصبح بطل العالم بلا منازع في الوزن الثقيل، صدم الرجل «الأعظم»، كما كان يصف نفسه، الولايات المتحدة في 1967، برفضه أداء الخدمة العسكرية والقتال في فيتنام.
إثر ذلك، سُجن وجُرّد من الألقاب التي حصل عليها، ومُنع من ممارسة الملاكمة لثلاث سنوات ونصف السنة.
اصبح محمد علي مجدداً بطل العالم في 1974 بفوزه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة على جورج فورمان في ما اطلق عليه تسمية «معركة في الأدغال» في كينشاسا.
وخسر لقبه بالنقاط أمام ليون سبينكس في شباط العام 1978، ثم استعاده في ايلول من السنة ذاتها. واعتزل في 1979، لكنه اضطر للعودة الى الحلبة بعد سنتين بسبب إساءته إدارة ثروته. وفي العام 1981، مُني بهزيمة ساحقة أمام مواطنه لاري هولمز، كما هُزم في السنة ذاتها، امام تريفور بيربيك، وكانت تلك آخر مباراة يخوضها.
وتوقف كلاي عن اللعب نهائياً بعد 56 فوزاً في 61 مباراة، بينها 22 في بطولة للعالم و37 بالضربة الفنية القاضية. في العام 2005، منح وسام الحرية الرئاسي، وهو أرفع وسـام مدني في الولايات المتحدة.
دافع محمد علي كلاي عن القضية الفلسطينية وناصر العرب في قضيتهم ضد إسرائيل. ولطالما ردد أن «أميركا هي معقل الصهيونية وراعيها الأكبر».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد