«جنيف السوري»: المعارضة مرغمة على التفاوض ودي ميستورا متفائل
إذا طُلب إلى المعارضة السورية أن تعلن موقفاً صريحاً، في جملة مختصرة ومفيدة، ستقول إن آخر شيء تريده الآن هو الذهاب للتفاوض مع النظام في جنيف، ضمن الظروف الحالية، والتوقيت الذي حددته الأمم المتحدة في 25 كانون الثاني الحالي.
تأكيد عقد «جنيف السوري» لا يزال يتأرجح، وإن مالت التقديرات لمصلحة الانعقاد «المهرجاني» خلال الشهر الحالي، كما يريد اللاعبون الكبار.
بعض قوى المعارضة لا يريد جنيف، ولكن لا خيارات تذكر أمامها، وقياداتها لا تخفي إحساساً معلناً بالعجز والمرارة السياسية. تقول إن «ماكينة» إنتاج جنيف الثالث «تكرس وضع سوريا تحت الوصاية الدولية»، مع وضع كلّ من النظام والمعارضة خارج الحسابات، وإبقاء الاحتراب السوري مشتعلا إلى ما شاءت المصالح الإقليمية والدولية.
تلك المواقف كانت واضحة بجلاء خلال اجتماعات عقدها في بروكسل وفد «الهيئة العليا للتفاوض» في المعارضة السورية، التي عقدت اجتماعاً في الرياض مؤخراً. التقى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. ولكن قبل ذهابه إلى الخارجية الأوروبية، استبقه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بلقاء خاطف مع موغيريني، لأقل من نصف ساعة، ويبدو أنه أوصى خلاله الجانب الأوروبي بالضغط على المعارضين عبر إفهامهم أن لا رجعة عن طريق جنيف.
حين سألنا دي ميستورا عن أجواء اجتماعه، قال إن «الاتحاد الأوروبي يلعب دوراً رئيسياً عبر دعم العملية السياسة التي نقودها ودعم إجراء محادثات جنيف... ولهذا كان الاجتماع مفيداً جداً».
ولكن في أي اتجاه جاءت الإفادة؟
رد المبعوث الدولي: «في اتجاه الدفع باتجاه بدء محادثات جنيف، وبأن تكون بناءة».
برغم المؤشرات العديدة لحسم عقد المؤتمر خلال الشهر الحالي - إن لم يكن في موعد الخامس والعشرين تحديداً - إلا أنّ دي ميستورا فَضَّل تقديم تقييم متريث.
حين سألنا عن حصيلة اجتماعاته المكثفة، وما إذا كان موعد «جنيف 3» نهائياً، أجاب: «ألتقي بكل من لديه تأثير على مستقبل محادثات جنيف»، قبل أن يضيف: «سأكون قادراً على تقييم حظوظ الحصول على محادثات مثمرة ومفيدة خلال الأيام القليلة المقبلة».
ولكن، بكلمة واحدة، هل هو واثق أنه بات قادراً على جمع طرفي التفاوض؟
ردّ بابتسامة واسعة: «أنا دائما شخص متفائل».
بعد اللقاء مع وفد المعارضة السورية، برئاسة منسق هيئة التفاوض رياض حجاب، نشرت خارجية الاتحاد الأوروبي بيانا يشدد على «الحاجة الملحة» الى عقد جنيف «في وقت لاحق خلال الشهر الحالي»، من دون ذكر تاريخ الخامس والعشرين من كانون الثاني بعينه.
ويبدو أن الوفد المعارض تعرض لضغوط داخل الاجتماع، ولم يسمع الكلام الذي كان يرغب به. الضغوط كانت في أكثر من اتجاه. البيان الأوروبي شدد على أهمية «وجود المعارضة السياسية، وما يرتبط بها من مجموعات مسلحة، متوحدين خلف نهج مشترك من أجل المشاركة في العملية السورية وتوفير بديل متماسك للشعب السوري». مصدر الضغوط هنا هو عدم قدرة المعارضة، كما بات واضحاً، على إلزام مجموعات مسلحة وازنة بقرارات سياسية، خصوصا أن المجموعات التي قبلت التفاوض عادت لتتملص، أو لتأخذ مسافة آمنة من أي التزام بمخرجات أي عملية سياسية.
الاتحاد الأوروبي بيّن بوضوح أن عدم الذهاب إلى جنيف ليس خياراً مطروحاً، رغم كثرة تحفظات المعارضة. قال بيانه بلهجة ديبلوماسية إنه «يجب عدم تفويت الفرصة التي وفرتها محادثات جنيف والقرار الدولي 2254»، معتبراً أن «بدء العملية السياسية سيكون أيضا الطريقة الأفضل لخلق الظروف لإدارة أفضل للتحديات الأمنية السورية، بما فيها الحرب على داعش».
انعدام أية حماسة للذهاب إلى جنيف كان واضحا في كلمات رياض حجاب. حين سألناه عن تثبيت موعد 25 كانون الثاني، قال: «لم نتلقَّ بطاقات دعوة للحضور في الخامس والعشرين من هذا الشهر... الأمر ما زال في إطار الحديث» على سبيل التداول، قبل أن يعتبر أن «المفاوضات تحتاج إلى بيئة آمنة وملائمة لانطلاقها، ولا يجوز أن تنطلق مفاوضات والشعب السوري يموت تحت القصف».
سألناه عن انتقاداته لتراجع واشنطن عن مواقفها السابقة، وإن كان يلمس إرادة دولية للمضي فعلاً في عملية الانتقال السياسي، فرد بشكل متشائم. وقال: «للأسف، بعد خمس سنوات، أنا لم ألاحظ أن هناك إرادة دولية لإنهاء المأساة السورية»، معتبراً أن «أبسط شيء هو الموضوع الإنساني، فلم نَرَ جدية في الحد الأدنى.. إذا لم تكن لدى المجتمع الدولي الإرادة لإدخال علبة حليب (لمناطق يحاصرها النظام)، فأين ستكون الإرادة الدولية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي في سوريا».
الوفد المعارض أكد مجدداً تمسكه بتطبيق إجراءات بناء الثقة، معتبراً أنها قضايا أساسية تستبق المفاوضات. القصد ما ورد في القرار الدولي عن إيقاف قصف المناطق الآهلة بالمدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين لدى الأطراف المتقاتلة. الاتحاد الأوروبي اعتبر هذه القضايا «حاسمة» بوصفها «إجراءات بناء ثقة ملموسة» تشكل «دعما للمحادثات بين الأطراف السورية»، من دون أن يعتبرها شروطا يجب إكمالها قبل أي تفاوض.
لكن بعض القيادات المعارضة تجاوزت اللهجة الحذرة تجاه ما يحيط بعقد جنيف. تحدثنا إلى عبد الأحد اصطيفوا، المعارض الذي كان حاضراً على طاولة جنيف سابقاً وهو في عداد وفد التفاوض للمؤتمر المرتقب. قال، حول ما لمسوه في اللقاءات الكثيفة، من بينها زيارتهم الأخيرة إلى بكين، إن «الأجواء الدولية لا تدل أبدا على أن هناك إرادة دولية لحل الوضع السوري. الجميع ليست لديهم أوراق للتأثير، لا النظام ولا نحن في المعارضة لدينا أوراق نؤثر بها»، قبل أن يضيف: «لا الروس ولا الأميركيين مستعجلون. سوريا صارت ساحة لتصفية الحسابات على المستوى الإقليمي والدولي، كل دولة لديها مصالحها وتريد استغلال نفوذها لتحصيل أقصى ما يمكنها».
وحول انعقاد المؤتمر في موعده المقرر، قال المعارض السوري: «سيكون مجرد افتتاح مهرجاني. المجتمع الدولي لا يوجد لديه حل سياسي يحضّر له بجدية، بل هناك طبخات غير معروفة يحضِّرونها، وهذا ما يؤكده تضارب التصريحات الأميركية»، قبل أن يشدد على أن جنيف يُحْكِم الوصايةَ الدوليةَ على سوريا على اعتبار «أنهم يقولون لنا إنها عملية سياسية يقودها السوريون لكنهم يتدخلون بكل صغيرة وكبيرة، لذلك يجب على السوريين أياً كانوا إدراك هذا الواقع والتحرك على أساس أن الحل السوري يجب أن يستعيده الشعب السوري».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري سيلتقيان في زوريخ في 20 كانون الثاني الجاري لبحث الأزمة السورية والنزاع في أوكرانيا.
ويبدو أن على واشنطن وموسكو إرغام المعارضة على التفاوض حول حكومة وحدة وطنية، فهي ترفض ذلك بشدة، مصرة على حصر التفاوض بهيئة الحكم الانتقالي وعدم تشتيته بنقاش الوضع الإنساني.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد